أفق نيوز
الخبر بلا حدود

تحشيد الشارع..جيل جديد من الحروب

181

محمد ناجي أحمد
يقول هنري كسينجرفي بداية سبعينيات القرن العشرين إن انطلاقاتنا الدرامية في العام الماضي كانت ثمرة تخطيطنا وسياستنا في السنوات الثلاث التي سبقتها –وهي تعكس الظروف التاريخية كما نراها اليوم ،والممكن التاريخي كما نراه في الغد لقد كانت (تلك الانطلاقات )خطوات حاسمة تعجل من عملية التغيير المبتغاة ،إن العالم –وكذلك نحن أنفسنا –ما زلنا في مرحلة التأقلم مع التطورات التي أشعلنا حركتها ،ولكننا نعرف إلى أين نحن متجهون .إننا نتحرك مع التاريخ ،ونحرك التاريخ بأنفسنا»ص29-كيسنجر وصراع الشرق الأوسط-الدكتور سعد الدين إبراهيم-دار الطليعة –بيروت -1975م.
الثابت في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية هو (المصالح الأمريكية ) وليس التعهدات أو التعاقدات الرسمية ،ولا أدل على ذلك من كلمات نكسون في عهد إدارته حين قال…إنه من الخطل أن نقيس مسألة بهذا القدر من الأهمية على الالتزامات. إن هدفنا في المقام الأول هو تدعيم مصالحنا في الأمد البعيد من خلال سياسة خارجية سليمة .إن مصالحنا هي التي ينبغي أن تحدد التزاماتنا ،وليس العكس»ص70-المرجع السابق.
لهذا فالمصالح الأمريكية مع أنظمة البلدان الأخرى لا تحددها مبادئ الديمقراطية والانتخابات الشعبية وإنما مصالح أمريكا ،فكل انتخابات تؤدي إلى نجاح اليسار أو أي عقيدة مغايرة لنهج للولايات المتحدة الأمريكية تعتبر تهديا للأمن القومي الأمريكي ،فمبدأ مونرو الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في 2ديسمبر 1823م،وحدد فيه منطقة نصف الكرة الغربي منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية بدعوى رفض المستعمرات في الأمريكيتين –لم تعد تلك حدوده بل العالم كله منطقة نفوذ ومصالح أمريكية!
فكل انتخابات شعبية تؤدي إلى نجاح اليسار أو أية أيديولوجية مقاومة تعتبر وفق المنطق الإدارات الأمريكية المتعاقبة عدواناً على الولايات المتحدة ونطاق نفوذها المفتوح!
ذلك منطق الولايات المتحدة ،الذي عبر عنه كيسينجر في سبتمبر 1970م ،حين نقلت صحيفة النيويورك تايمز على لسانه قوله “إذا انتخب الدكتور سلفادور الليندي رئيسا لشيلي فإن حكومة شيوعية ستقوم في شيلي،وقد يؤدي ذلك إلى تكوين حكومات شيوعية مماثلة في الأرجنتين وبوليفيا وبيرو»ص75-المرجع السابق.
وتم للمخابرات الأمريكية وبأصابع توجيهية من كيسينجر أن دبرت انقلاب بيونشيه ،وكان وقتها وزير دفاع –على سلفادور الليندي وقتله.لم يكن سلفادور الليندي شيوعيا ،ولكنه كان تعبيرا عن إرادة أمة ،والولايات المتحدة لديها عداء ضد كل سيادة في أمريكا اللاتينية والوطن العربي،وأية منطقة تراها ضمن حدود مصالحها المفتوحة!
لم يكن رفض الرئيس الأمريكي ترامب للاتفاق النووي مع إيران، الذي تم التوقيع عليه في عهد سلفه أوباما –نهجا شخصيا يميزه عن السياسة الأمريكية ووجهتها ،فالثابت هو (المصالح الأمريكية) وليس التعاقدات والتعهدات والعقود!فما يحدث من خنق اقتصادي في لبنان والعراق وإيران ،غرضه خلق تحشيد الشارع لإسقاط النظام في إيران ،والذي يمثل وجوده تحديا للمصالح الأمريكية ولذراعها الصهيونية في المنطقة .ويتم تحشيد الشارع، باستثمار للفساد والفقر وضعف الخدمات والتزامات الدول الاجتماعية والاقتصادية، في بوليفيا وفنزويلا ،والعديد من دول أمريكا اللاتينية التي تندرج تاريخيا وفق مبدأ مونرو داخلة في صلب النفوذ الأمريكي.
ما تريده الولايات المتحدة هو أن تكون الأمم بلا أيديولوجيات موجهة للسيادة ،ولهذا نجد السمة الأساسية لحشود الشوارع حرصها على رفض الأيدولوجيين ،كأحزاب أو تنظيمات.
لقد حدد كيسينجر محاذير الولايات المتحدة بـ عدم السماح بوقوع انتصارات يسارية (شيوعية)حينها سواء أخذت هذه الانتصارات صور ثورات ناجحة ،أو وصول أنظمة صديقة إلى السلطة، أو سبق علمي وتكنولوجي، أو انتصار معنوي دولي يفسر على أنه إذلال مهين للولايات المتحدة …»
أصبحت مواقف الولايات المتحدة هذه الأيام سافرة في دعمها للتمدد والهضم الإسرائيلي للأراضي التي قضمتها خلال الحروب 1948،1956،1967،1982م الخ.على نقيض ما كانت تصرح به في الستينيات بأنها تدعم سياسة متوازنة بين العرب وإسرائيل،وإن كان عملها منذ الستينيات على النقيض من تصريحاتهاـ ومتوافقاً مع نهجها العملي الجهور الذي تعبر عنه إدارة ترامب.
لم تعد الحروب تعتمد على تحريك الجيوش في عصر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ،وإنما يكفي إتباع سياسة (خنق)عقوبات اقتصادية متصاعدة، تؤدي إلى مزيد من البطالة والفقر والمرض ونقص في الخدمات في البلدان المستهدفة، ومع التراكم للوضع الاجتماعي المتدني تنفجر الجماهير محتشدة في الشوارع ،دون هدف واضح ولا قيادة تنظيمية ،فقط خلق حالة شلل في الحياة العامة، من قطع للشوارع وإحراق الممتلكات ،ورفض للحزبية والأحزاب، يتساوى في ذلك (الثورات الملونة)على تخوم روسيا ،وما سمي بـ(الربيع العربي)وصولا إلى مظاهرات في إيران.
بموازاة ذلك يستمر الكيان الصهيوني بعملية هضم ما تم قضمه من الأراضي العربية خلال الحروب العديدة مع العرب، وبتعضيد وإسناد أمريكي ،تعلن الولايات المتحدة أن القدس عاصمة لإسرائيل، وأن الجولان جزء من إسرائيل، وأن المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية لا تخالف القوانين الدولية! وكأن اتفاقيات أوسلو لم كن سوى وسيلة لتضخم هذه المستوطنات التي كان عدد قاطنيها 200000 في عام 1990،ليصبحوا اليوم 850000مستوطن،بإصرار على مواصلة نهج التغيير الطبوغرافي في كل فلسطين، وبرسالة واضحة أن مصير الثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية سيتم معالجتهم بذات السياسة الصهيونية التي استمرت منذ ثلاثينيات القرن العشرين تتخلص من الفلسطينيين بالقتل والتشريد والتهجير وسياسة الرعب، ليكون الشتات موطنا للفلسطينيين، وبإصرار على جعل الأجيال الفلسطينية في الشتات ينسون وطنهم، وينشغلون بأمور معيشتهم وحياتهم اليومية، أي تحويل المخيمات الفلسطينية إلى مقبرة ومعتقل دائم للفلسطينيين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com