أفق نيوز
الخبر بلا حدود

كورونا تكتشف الصين!!

279
أفق نيوز//

لا تكمن قيمة الدول الكبرى في إظهار القوة العسكرية أو في الكشف عن الاحتياطات المالية الضخمة, او الأرقام التي تعكس مداخيل الفرد أو الناتج المحلي الاجمالي او الصناعات المتطورة.. كل ذلك وحده لا يكفي ان لم يتبعه اظهار القوة والقدرة والحكمة في ادارة الازمات وتوظيف الامكانات في التعامل مع الطوارئ والجوائح الطبيعية وكل ما يطرأ ولم يكن في الحسبان والتوقعات.

في ظروف مثل الأوبئة والزلازل والبراكين او الجفاف او السيول او الظروف الاقتصادية ذات الوقع الشديد يراقب العالم كيف تتصرف الدول وكيف تدير أزماتها, بل ان كيفية ادارة الازمة أصبح واحداً من المعايير التي يتم وفقاً لها تصنيف الدولة ووضعها اما في الصدارة عن جدارة او اقل من ذلك..

لقد رأينا كيف ان دولاً عظمى احتاجت الى مساعدات مالية من الحلفاء والاصدقاء عندما تعرضت الى بعض النكسات الاقتصادية او بفعل التعرض الى ظواهر طبيعية مثلت تحدياً للقدرات الذاتية لتلك الدول.. الامر مختلف اذا تعلق بالصين وفيروس كرونا الذي ضرب البلاد وجعل العالم يحبس انفاسه.. لقد كشف صراع الصين مع الفيروس للعالم امرين اثنين:

الاول: الامكانات الاقتصادية والفنية الضخمة والمنظورة التي يمتلكها التنين الاصفر..

الثاني: التعامل الحكيم والسريع معا في التعامل مع فيروس قاتل وغامض مثل فيروس كرونا..

لطالما نظرت الصين الى نفسها على انها دولة نامية بينما يصفها العالم بأنها دولة عظمى.

لقد تولى فيروس كورونا حسم الجدل وفض النزاع بالتأكيد على تفرد الصين وامتلاكها القدرات المالية والنقدية الهائلة التي وظفتها للقضاء على هذا الفيروس القاتل وتحييده من الفتك بالملايين من بني البشر داخل وخارج الصين..

التكنولوجيا التي سخرتها الصين لاحتوائها هذا المرض والقضاء عليه بهرت العالم بأسره وتابعت اجهزة الاعلام العالمية الصين وهي تقدم تجربة فريدة في المزاوجة بين جهود البشر الميدانية وبين افضل ما أنتجته التكنولوجيا من اجل دحر فيروس كورونا.. التكنولوجيا الصينية لمحاربة المرض شملت تطبيقات الذكاء الاصطناعي ونشر روبوتات طبية متنقلة لقياس درجة حرارة الجسم واثبتت الحكومة الصينية قدرة عالية على التحكم في حركة الفيروس في كل شبر من ارض الصين..

رغم وقع المرض السيئ على الصينيين الا انه كان ايضاً فرصة لاختبار قدراتهم في تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في هذا المضمار اذ لعبت تكنولوجيا الاتصالات ذات السرعة العالية والسعة الكبيرة والتأخير المنخفض التي تم تطويرها بشكل مستقل في الصين دوراً استثنائياً في الوقاية من الوباء ومكافحته حيث تسمح للطواقم الطبية بتبادل المعلومات وتقديم الاستشارات عن بعد وتفقد الغرف.. وفي مجال التصنيع استطاعت الصين نهاية شهر يناير الماضي تصميم وادخال سيارة الاسعاف التي تعمل بنظام الضغط السلبي التي يطلق عليها اسم (سيارات الكمامات الواقية المتنقلة) والتي توفر الحماية للكادر الطبي على متن السيارة..

لقد كان بناء مستشفى هوشنشان الخاص لتقديم خدمة العلاج من وباء كورونا ملحمة ابطالها عشرة الاف عامل أكملوا البناء في عشرة ايام وبعدها مباشرة قررت الحكومة بناء مستشفى لشنان في غضون نصف شهر وتوسعت مساحة البناء الاجمالية لهذا المستشفى وازداد عدد الاسرة به متجاوزة مرتين حجم مستشفى هوشنان..

ووفرت الصين طيارات بدون طيار في كل ارجاء البلاد لتسهيل العرض والطلب في عملية مكافحة المرض.. ان ادراك الحكومة الصينية لعظم التحدي وخطورة المرض دفعها الى اتخاذ خطوات صارمة وان بدت للبعض قاسية في بعض الاحيان تمثلت في تقييد الحركة لمدن بكاملها, والتعهد الكامل بتوفير المطلوبات الاساسية لكل أولئك الذين شملهم الحجز وتقييد الحركة بما في ذلك توفير وتوصيل الطعام والشراب يومياً وطوال فترة الاشتباه لأولئك الذين اشتبهت السلطات الصحية في الصين انهم حاملون للفيروس ويعمل موظفو الحكومة واعضاء الحزب والمتطوعون من جماعة الركض الاحمر على مدار 24ساعة لتقديم الخدمات لتلك الفئة من المحجوزين بسبب الاشتباه..

ان الصين التي بهرت العالم اكثر من مرة في مناسبات سعيدة واصلت الابهار, ولكن في سياق التعامل مع ازمة كورونا وبفعل التعامل الجاد والمسؤول ومن اجل السيطرة على هذا الوباء اصبحت الصين اشبه ما تكون بغرفة عمليات عملاقة معقمة.. ولم يكتف المركزي الصيني وبذلك بل اكد مواصلة دعم الشركات التي تعاني صعوبات بسبب الوباء.. وقال فإن ييفي نائب حاكم البنك المركزي الصيني ان المصارف تستخدم الاشعة فوق البنفسجية او درجات حرارة عالية جداً لتعقيم الاوراق النقدية قبل عزلها لمدة تتراوح بين 7 و14يوماً..

واشار الى امكانية اعادة الاوراق النقدية الى التداول بعد انقضاء فترة “الحجر الصحي” التي تعتمد على شدة الوباء في المنطقة المعنية.. واضاف: “علينا ان نحافظ على سلطة وصحة مستخدمي السيولة النقدية”.. مشيرا الى تعليق التحويلات المالية بين المقاطعات الصينية..

اتبع البنك المركزي الصيني هذه السياسة باصدار طارئ من الاوراق النقدية بقيمة 4مليارات يوان (53مليون يورو) في مقاطعة هوباي “وسط” بؤرة تفشي الوباء..

وفي مواجهة الوباء التنفسي الجديد الذي تسبب بوفاة نحو 2122 شخصاً واصابة اكثر من 75ألف شخص في الصين ارتفعت عمليات تعقيم الاماكن العامة فيما يتم تشجيع المقيمين على الحد من الاتصال المباشر مع الآخرين..

ورغم انه لا تتوفر معلومات دقيقة عن حجم الاموال التي انفقها التنين الاصفر العملاق إلا ان التقديرات تشير الى ان عشرات المليارات من اليوانات قد تم توجيهها على وجه السرعة لاحتواء الفيروس الذي مثل اختباراً جدياً للاقتصاد الصيني ولقدرات الصين الصحية والهندسية والاقتصادية والتأمينية..

ان التحدي الذي افرزه كورونا لا يشمل المواطنين الصينيين ولكنه يشمل ايضاً رجال الاعمال المقيمين والزائرين لهذا البلد خاصةً أولئك الذين يقصدون المدن مثل مدينة ايوو وسوقها العملاق الفوتيان التي تغذي كافة ارجاء العالم بالبضائع..

ومن المقرر ان يكون سوق الفوتن الاول والثاني قد فتح ابوابه منذ يوم 18فبراير وستفتح بقية الاسواق بعده تباعاً واتبعت السلطات الصينية اجراءات وقائية لرجال الاعمال الذين اعتادوا على زيارة مدينة ايوو لانجاز المهام الخاصة بهم، وبالنسبة للذين سيزورون ايوو لأول مرة للعمل لزيادة الاعمال فإن الحكومة تقدم سكناً مجانياً لمدة ثلاثة ايام وذلك في إطار جهودها لمحاصرة الوباء والتأكد وضمان سلامة القادمين على هذه المدينة من التجار ورجال الاعمال..

لقد برهنت الصين على انها تحقق التقدم ليس من خلال التصنيع وقوة الاقتصاد فقط ولكن من خلال معالجة الأزمات ايضاً.

* منتدى الصحراء للتجارة والاستثمار

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com