أفق نيوز
الخبر بلا حدود

طفل من عظام … ابشع جرائم العدوان وابرز مخلفاته!

408
 أفق نيوز – تحقيق / نسيم محمد الرضاء

“طفل من عظام ” لوحة جدارية تختصر قصة طفل شاحب الوجه يصارع الموت بسلطة التحدي وامنيات النجاة من سوء التغذية التي تغزو جسده الهزيل بشراسة تصادر حقه في الغذاء و الصحة واللعب والحياة.

نصيب الأم في جدارية الفنانة هيفاء سبيع ذراع تحتضن الطفل بخوف المفارق ونظرة يائسة تعرف مسبقاً ان الجوع قاتل وفيما توثق هيفاء وجع الطفل على جدار منسي في شارع الزبيري شارع المنتصف الذي يفصل شمال العاصمة صنعاء عن جنوبها فرضت حركته التجارية عبور سريع للمارة المتفائلين بنبوءات البردوني التي تتناثر على أمتداد جدران المباني وتوثق واقعيته الشعرية الجريئة في النقد السياسي.

غادرت (سبأ) محاكاة الفن الجداري واقتربت من حكايات سوء التغذية في اليمن حصاد توحش العدوان السعودي الأمريكي على مدى خمس سنوات وابشع مخلفاته المستقبلية.

 

بدرية حسين

بدرية طفلة تبلغ عام وأربعة أشهر لا يتجاوز وزنها اربعة كيلوغرامات خارت قواها أمام مرض سوء التغذية فلجأت للبكاء للتعبيرعن وجعها وخذلتها “الدموع ” فتحالفت الطفلة المنهكة التي تعاني من سوء تغذية وخيم مع ” قلق الصراخ” الذي تعاطف معها لتلفت انتباه والديها لألمها المستمر منذ ثلاثة اشهر ما دفع والدها ” حسين ” باحتضان صغيرته والسفر بها عبر ثلاث محافظات بحثاً عن رعاية صحية في أي مستشفى بأي محافظة في اليمن الذي يعاني من تدمير كلي لنظام الرعاية الصحية في بلد فقير مهدد 22 مليون من سكانه من خطر المجاعة وتداعياتها.

تدهورت الحالة الصحية العامة لبدرية ما ضاعف قلق “حسين” فسارع بنقل طفلته الوحيدة من مراكز الرعاية في محافظة لحج وتابع علاجها لفترة ثلاثة أشهر في محافظة عدن ولم تثمر رحلته عن هامش شفاء للطفلة فانتقل بها إلى مستشفيات صنعاء التي تبعد عن لحج (337) كم في رحلة علاجية تستغرق ثلاثة اسابيع في مستشفى السبعين للأمومة والطفولة .

 

مـــــؤشــــرات..!

 

استهداف العدوان البنية التحتية للمستشفيات والمرافق الصحية بعد أن أكد تقرير صادر عن وزارة الصحة العامة والسكان أن مؤشرات انهيار النظام الصحي على مدى خمسة اعوم من العدوان على اليمن تمثلت في تدمير المنشآت الصحية بشكل مباشر، ما خلف أكثر من 600 منشأة مدمرة كلياً وجزئياً فيما تعاني 93% من الأجهزة والمعدات الطبية من انتهاء عمرها الافتراضي وتعذر صيانتها.

فتكت سوء التغذية ببدرية اضافة إلى ادهم وأيمن الذين وثقت (سبأ) قصصهم كضحايا الجوع ونقص الغذاء الذي يحاصر2.9 مليون طفل دون الخامسة مصابون بسوء التغذية من أصل 5.4 ملايين طفل وبنسبة 55 بالمائة ، منهم 400 ألف طفل مصاب بسوء التغذية الحاد الوخيم.

وتعتبر دراسات طبية أن سوء التغذية عند الأطفال من الأسباب المباشرة للأضرار البنيوية في الدماغ ما يعيق النمو الحركي والسلوك الاستكشافي. لدى الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية قبل سن سنتين.

والمحت  الدراسات  إلى وجود علاقة قوية بين سوء التغذية ووفيات الأطفال وبمجرد أن يعالج سوء التغذية المعالجة الكافية يعتبر النمو مؤشرا على الصحة والانتعاش.

وعرجت الدراسات  إلى أن الدرجات الخفيفة من سوء التغذية تضاعف مخاطر الوفاة من الأمراض التنفسية والإسهال والملاريا ، سوء التغذية في الفتيات يجعلهن يميلن إلى النمو كبالغين قصار وهن أكثر عرضة لانجاب أطفال صغار.

وأفادت أن سوء التغذية في الجنين في مراحل مبكرة من الحياة من الممكن أن يؤثر على عملية الأيض وبعض الوظائف الفسيولوجية ولديه تأثير على مدى الحياة في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، الأطفال غالبا ما يواجهون سوء التغذية خلال عمر النمو السريع ، والتي يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على الصحة.

وبحسب احصائيات منظمة اليونيسف فأن 86 % من الأطفال  اليمنيين دون سن الخامسة يعانون من أحد أنواع فقر الدم، و46 % من الأطفال يعانون من التقزم ، وهناك 80 % طفل مصابون باضطرابات نفسية بسبب أصوات الطائرات وانفجارات الصواريخ ، و65 طفل دون الخامسة من أصل ألف طفل يموتون بسبب نوع من أنواع الأمراض.

 

ادهم غسان

يتفاوت مستوى سوء التغذية لدى الضحايا بين سوء تغذية ” حاد “و”متوسط” حيث تصف والدة ” ادهم غسان” حالته بالمؤلمة فطفلها الذي لم يتجاوز السبعة اشهر في حالة بكاء متواصل ويعاني من سوء تغذية وخيم اجبرت الأسرة على التنقل بين مختلف المراكز الصحية والمستشفيات في محافظة إب التي تبعد عن العاصمة صنعاء (193كم) تقريبا بحثاً عن ما يخفف ألمه وكلفت رحلة علاج ادهم الأسرة المُعدمة 400 ألف ريال اقترضها والده من اقاربه بحثاً عن فرصة تعافي لطفله.

وتستغرب “ام ادهم” تدهور حالة طفلها خاصة انه مولود بصحة جيدة ووزن طبيعي وترجع الأم السبب إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي تسبب في عدم حصول الطفل على الرعاية الصحية منذ بداية مرضه حيث اكتفت بتجهيز  الوصفات الشعبية لعلاج الأسهال لمدة شهر ما تسبب في دخول الطفل في سوء التغذية بسبب نقص السوائل وتدهورت حالته الصحية ما أعلن حالة “طوارئ عائلية ” لانقاذ الطفل من سوء التغذية الوخيم وتم تحويله إلى مستشفى السبعين بصنعاء لمتابعة حالته بعد ان استقر وزنه عند 4 كيلو غرامات .

 

 خمــــــول مفــــاجئ..!

في غرفة هادئة تبدأ ام أيمن بجمع حاجاتها استعداد لمغادرة المستشفى بعد ان روت قصة أيمن المدلل(عام ونصف) الذي يحتفظ بملامح طفولية هادئة لم تغزوها تداعيات سوء التغذية “الوخيم” وما زال يقبع في خانة سوء التغذية “المتوسط” حين بدأت قصته بتحول مزاجه الطفولي المرح ومشاغباته الطفولية إلى الخمول والكسل والنوم واستمر في حالته الهادئة والغير متفاعلة مع محيطة الاجتماعي عشرة أيام اقلقت والديه ما دفعهما لكسر حاجز “الإحراج “من جارهم الميسور والاقتراض منه وجمع مساعدات مالية والتنقل بين الأطباء وبعد فترة استقر التشخيص أنه يعاني من سوء التغذية المتوسط نتيجة نقص المعادن والغذاء الصحي المتوازن وبحاجة لرعاية صحية عاجلة لتدارك انحداره لسوء التغذية الوخيم، قضى أيمن برفقة والدته عشرة أيام في المستشفى حتى استقرت حالته وعاد لنشاطه واللعب مع أخته التي ترافقه كونه صديقها المقرب والوحيد.

 

أيمن وأخته

وتلتهم سوء التغذية أحلام الطفولة في اليمن وتعتبر رئيس قسم التغذية بمستشفى السبعين للأمومة والطفولة الدكتورة سهير المدحجي لـ(سبأ) أن سوء التغذية تعني النقص أو الزيادة أو عدم التوازن في ما يتناوله الشخص من الطاقة والمغذيات.

وتوضح أن مصطلح سوء التغذية يغطي مجموعتين من المشاكل الصحية أحدها نقص التغذية والتي تشمل التقزم (انخفاض الطول بالنسبة للعمر) والهزال (انخفاض الوزن بالنسبة للطول) ونقص الوزن (انخفاض الوزن بالنسبة للعمر) وعوز المغذيات الدقيقة أو عدم كفايتها (نقص الفيتامينات المهمة والمعادن).

والآخر هو زيادة الوزن والسمنة والأمراض غير السارية المرتبطة بالنظام الغذائي (مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري والسرطان).

وارجعت الدكتورة سهير أسباب سوء التغذية إلى الوضع الاقتصادي المتردي بسبب العدوان حيث تعجز الأسر عن توفير الغذاء الصحي والمتوازن لأطفالها الذين  يعتبروا أكثر عرضة لسوء التغذية والذين يتأثرون بشكل مباشر بنقص الغذاء.

مشيرة إلى أن عدم تلقي الرضاعة الطبيعية ومحدودية فرص الحصول على الأطعمة المغذية وإصابة الأمهات بفقر الدم أثناء الحمل يسبب ولادة طفل ناقص الوزن يعاني من تأخر النمو في وقت لاحق.

وبحسب برنامج الغذاء العالمي تعتبر أول 1000 يوم في حياة الطفل والتي تبدأ من الحمل وحتى عمر السنتين، محورية في تحديد مصير الطفل ، فخلال هذا الإطار الزمني القصير، يمكن أن يتسبب الضرر الناجم عن سوء التغذية في حدوث التقزم وهو ضعف في النمو ناتج عن سوء التغذية المزمن مع ضرر لا يمكن تداركه في أجساد وأدمغة الأطفال.

لذلك يكثف البرنامج جهوده للتأثير بشكل أكثر فعالية، ويستهدف الأطفال الصغار والحوامل والمرضعات لمنع سوء التغذية المزمن  فالتغذية الصحيحة خلال هذه الفترة الزمنية تزيد من فرص بقاء الأطفال على قيد الحياة، وبني أنظمتهم المناعية.

وتعتبر سوء التغذية بحسب الدكتورة أشواق عبد الولي المختصة في العيادات الخارجية لسوء التغذية “OTB” في منظمة اليونيسف للأمومة والطفولة أن سوء التغذية تحسب بنسبة الطول إلى الوزن وقياس محيط منتصف الذراع فيدل اللون “الأحمر” على سوء التغذية الحاد و”الأصفر” على سوء التغذية المتوسط و”الأخضر” يدل على عدم وجود سوء تغذية.

وتوضح أن أنواع التغذية التي تقدم دعم للمصابين بسوء تغذية تتباين بين معجون المكسرات والبروتينات وتقدم للمصابين بسوء تغذية متوسط ويتم تناول مغلفين على مدى اليوم وأخرى تغذية مركزة بالمعادن والفيتامينات يتناولها الأطفال المصابين بسوء تغذية حاد ووخيم وجميعها يعتمد على وزن الطفل.

مؤكدة على ضرورة مراقبة وزن الطفل من الولادة وحتى أربعة أعوام ومتابعة نشاطه وحركته باعتبار أن أي تغير ملحوظ في الوزن والحركة مؤشر لوجود خلل غذائي في نظام الطفل يحتاج لمتابعة لتجنب مضاعفات نقص الغذاء.

وتكتفي (سبأ) بلوحة توعوية تلتصق بجدار ممر مستشفى السبعين للتعريف بالمعالجات الخاصة بسوء التغذية وتقابلها لوحة توعوية بأن لا يرضى المريض بأقل مما يستحق للحصول على الرعاية اللازمة .

بطون منتفخة .. وعظام بارزة .. وعيون غائرة .. وأنفاس متسارعة تطارد الموت بحثاً عن بعض حياة وصف مجازي تتناقلة وسائل الإعلام الدولية للتعبير عن 45 ألف طفل يمني قضوا جوعاً بسبب وحشية العدوان و150 ألف طفل يعانون من نقص الغذاء بحسب وزارة الصحة، ينتظرون مصيرهم في خانات النجاة أو الموت..

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com