من الهجوم إلى الانكسار: أمريكا تنهزم في اليمن وموازين القوى تنقلب
أفق نيوز |جمال الأشول
في خطوة تعكس تحولات عميقة في موازين القوى في المنطقة، أعلنت الولايات المتحدة وقف عملياتها العسكرية المباشرة ضد اليمن، والتي أطلقتها خلال الأشهر الماضية بذريعة حماية الملاحة البحرية و”ردع التهديدات الحوثية”.
لكن القراءة الدقيقة لهذا الإعلان تكشف أنه ليس خيارًا طوعيًا، بل إقرار بهزيمة استراتيجية أمام صمود اليمن وقدراته المتنامية، التي استطاعت كسر الهيبة العسكرية لأمريكا، وإفشال أهداف عدوانها.
فمنذ العدوان الصهيوني على غزة، دخل اليمن على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني بشكل مباشر، لمساندة غزة عبر إغلاق البحر الأحمر أمام السفن المتجهة نحو الكيان الصهيوني، وتنفيذ العمليات العسكرية إلى العمق الصهيوني وفرض معادلة غير مسبوقة عنوانها: “لا مرور إلا بوقف العدوان على غزة.”
هذا التدخل قلب الطاولة على واشنطن وتل أبيب، ودفع الولايات المتحدة لتشكيل تحالف عسكري بحري لشن غارات وضربات على صنعاء والمحافظات اليمنية، الواقعة تحت سلطة صنعاء، مستهدفة المنشآت والموانئ والمصانع والبنية التحتية، في محاولة لكسر هذا الموقف.
غير أن الغارات الأمريكية، التي وُصفت بأنها الأوسع منذ سنوات، فشلت في تحقيق أهدافها، حيث واصل اليمن إطلاق عملياته البحرية، ووسع من بنك أهدافه، ليشمل أهداف في عمق الكيان منها مطار بن غوريون، مما زاد من كلفة العدوان وجعل استمراره مخاطرة استراتيجية.
لذا فان دوافع إعلان واشنطن لوقف هجماتها على اليمن، كالاتي:
1- فشل عسكري ميداني لم تتمكن أمريكا من تحييد القدرات اليمنية، سواء الصاروخية أو البحرية، رغم التفوق التكنولوجي الكبير. بل على العكس، تكيفت صنعاء مع الغارات، وطورت من أساليب ردها، ووسعت عملياتها رغم الحصار والقصف.
2- تسبب حصار اليمن على السفن الأمريكية والإسرائيلية في ارتفاع تكاليف الشحن، وتراجع ثقة الأسواق العالمية، ما انعكس سلبًا على الاقتصاد الصهيوني والأمريكي.
3- خسرت أمريكا الكثير من أوراقها الإقليمية، مع تراجع شركائها وتحفظ حلفائها من التورط في معركة مكلفة وغير مضمونة النتائج، خاصة مع صعود الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية في المنطقة.
4- فشل الرهان على كسر موقف اليمن من غزة كل أهداف الحملة العسكرية كانت تهدف إلى إجبار اليمن على فك ارتباطه بمعركة غزة، وهو ما لم يتحقق، بل زاد من صلابة موقف صنعاء، التي ربطت استمرار عملياتها بإنهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
ومع ذلك فان اعلان واشنطن وقف الهجمات الجوية على اليمن هي أعلان الهزيمة الأمريكية في اليمن وسقوط الهيمنة الأمريكية في البحر الأحمر
للمرة الأولى منذ عقود، تتعرض الهيمنة البحرية الأمريكية لهزة حقيقية، حيث أُجبرت حاملات الطائرات والسفن الأمريكية على الانكفاء وإعادة التموضع أمام ضربات من دولة محاصَرة مثل اليمن.
كما تعاظم دور اليمن كقوة إقليمية فاعلة أثبت أنه لاعب لا يمكن تجاهله في معادلات الأمن الإقليمي، بعدما نجح في فرض واقع جديد، وإعادة تعريف موازين الردع في المنطقة المعادلة التي فرضها اليمن “الحصار سيُقابل بحصار، والعدوان سيرد عليه بعمليات نوعية”
ناهيك ان اليمن أصبح نموذجًا يُحتذى به من قوى المقاومة في المنطقة، مما يغير قواعد الاشتباك التقليدية.
وهنا سؤال يفرض نفسه عن مستقبل المواجهة خاصة بعد وقف الهجمات الأمريكية على اليمن، فيما يظل دعم ومساندة اليمن مستمرا
اعتقد أنه برغم الإعلان الأمريكي، وقف الهجمات إلا أن واشنطن قد تلجأ إلى أساليب أخرى لمواصلة الضغوط، عبر:
– الحرب الاقتصادية الناعمة، بفرض عقوبات جديدة ومحاولة خنق اليمن اقتصاديًا.
– تحريك أدواتها المرتزقة للضغط العسكري من خلال اعادة الجبهات العسكرية، وهذا يعد انتحار للمرتزقة
– الاستهداف الإعلامي والدعائي، بهدف تشويه الانتصار اليمني والتقليل من تأثيره.
لكن اليمن، الذي صمد في وجه العدوان المباشر، يبدو مستعدًا لمواجهة هذه التحديات، مستندًا إلى تجربة صقلتها سنوات الحرب، وإلى دعم شعبي قوي لا يتراجع عن تبني قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين.
الخلاصة أن إعلان أمريكا وقف عدوانها على اليمن لا يمكن قراءته إلا كهزيمة استراتيجية كبرى، وتأكيد على أن من كان يُنظر إليه كقوة لا تُقهر، قد اصطدم اليوم بإرادة شعب قرر أن يكون نصر غزة نصرًا له، وهزيمة إسرائيل هزيمةً لأمريكا أيضًا.
اليمن، الذي هزم السلاح الأمريكي في البحر والجو، وضع أسس معادلة جديدة ستنعكس على مستقبل الصراع في المنطقة، حيث لم تعد واشنطن قادرة على فرض إرادتها بالقوة، ولم تعد إسرائيل بمنأى عن الردع حتى في عمق موانئها ومطاراتها.
واليمنيون اليوم، وهم يُحيون انتصارهم هذا، يُدركون أن المعركة لم تنتهِ، بل دخلت مرحلة كسر الحصار وتثبيت قواعد الردع، حتى وقف العدوان ورفع الحصار على غزة.