كيف تناول الإعلام العبري قرار اليمن بفرض حظر بحري على ميناء حيفاء
أفق نيوز|
بعد دقائق من إعلان اليمنيين دخول ميناء حيفا قائمة الأهداف العسكرية، يدخل الإعلام العبري دوّامة من التحليل والقراءات الواسعة لما يمكن أن يُسفر عنه القرار الاستراتيجي. بدءاً من المراحل السابقة يستذكر الصهاينة فعالية العمليات اليمنية الإسنادية؛ لقد توسع “بنك الأهداف” لدى اليمنيين بشكل منهجي على مراحل: ركز في البداية على السفن في البحر الأحمر ذات الصلة بـ”إسرائيل”، ثم السفن الحربية الأمريكية/البريطانية، تليها السفن التجارية الأمريكية/البريطانية، والآن يشمل أي سفينة تجارية متجهة إلى “إسرائيل”، بغض النظر عن الجنسية، مع امتداد التهديدات إلى المحيط الهندي، معتبرين أن الإدراج المتعمد لحيفا، أكبر وأهم ميناء إسرائيلي، ومطار “بن غوريون”، يوضح سلم تصعيد ذكي وواضح ومحسوب، وهو ليس استهدافًا عشوائيًا، بل منهجي ومرحلي مصمم لزيادة الضغط تدريجيًا، وإلحاق الضرر الاقتصادي والاستراتيجي. يذهب الصهاينة إلى أن التصعيد المنهجي والمدروس يشير إلى صبر استراتيجي ورغبة واضحة في رفع الرهانات باستمرار، وتثمين قيمة وفاعلية الإسناد اليمني “إنه يعني أنه إذا لم يؤد الضغط الحالي على حيفا إلى النتائج المرجوة (إنهاء حرب غزة ورفع الحصار)، فقد تُستخدم أهداف أو طرق أخرى، قد تكون أكثر إرباكًا”
دور حيفا كأكبر وأهم ميناء بحري لكيان العدو الإسرائيلي:
إن ميناء حيفا يُعد نقطة ضغط حيوية للشريان الاقتصادي لكيان العدو الإسرائيلي. تشير المعطيات إلى مكانة حيفا كـ”أكبر” و”أهم” ميناء دولي للكيان، وتؤكد قدرته على التعامل مع حجم هائل من البضائع، بما في ذلك ما يقرب من 100% من واردات المركبات خلال الحرب، على وظيفته التي لا يمكن الاستغناء عنها.
يورد الخبراء تجربة سابقة بحديثهم عن أم الراشراش بالقول: “إذا كان ميناء “إيلات”، وهو بوابة أقل أهمية، قد شُلّ إلى حد الإفلاس بفعل الإجراءات اليمنية، فإن أي تعطيل ناجح يلحقه اليمنيون بميناء حيفا سيُلحق ضررًا اقتصاديًا أكبر بكثير، وربما كارثيًا” بمعنى أن استهداف اليمنيين لحيفا هو هجوم مباشر على الشريان الاقتصادي للعدو، وهو ما يعكس، وفق رأي خبراء الصهاينة في تحليلهم الأولي للقرار اليمني، فهمًا استراتيجيًا يتعامل به العقل اليمني في إدارته لعملياته الإسنادية لفلسطين، فبينما تُحدث الضربات العسكرية المباشرة ضررًا فوريًا، فإن الخنق الاقتصادي يمكن أن يمارس ضغطًا أكبر بكثير وأكثر استدامة على الكيان، لا سيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية لكل من الواردات والصادرات، هذا يجعل حيفا هدفًا ذا قيمة عالية وتأثير كبير في عمليات الاسناد اليمنية المصمّمة بطريقة تصاعدية وتصعيدية بغرض زيادة التعطيل المنهجي، ما يؤدي إلى تحقيق أقوى ضغط يمكن أن يُسهم في تخفيف المعاناة الفلسطينية ووقف الإبادة الصهيونية بحقهم، وهنا نظرة سريعة إلى دور وأهمية الميناء في خريطة اقتصاد العدو:
يُعد ميناء حيفا أكبر الموانئ الدولية الرئيسية الثلاثة في كيان العدو الإسرائيلي، إلى جانب أشدود وأم الرشراش “إيلات”، ويضمن ميناؤه الطبيعي ذو المياه العميقة التشغيل على مدار العام، ويستوعب سفن الركاب والبضائع على حد سواء، ما يجعله حجر الزاوية في الاتصال البحري لكيان العدو الإسرائيلي. من حيث حجم الشحن، يُعرف ميناء حيفا بأنه “أحد أكبر الموانئ في شرق البحر الأبيض المتوسط”، حيث يتعامل مع ما يقرب من 30 مليون طن من البضائع سنويًا.
يتميز ميناء حيفا “ببنية تحتية احترافية ومتعددة الاستخدامات” قادرة على التعامل مع مجموعة متنوعة من البضائع، بما في ذلك الحاويات والبضائع السائبة والبضائع العامة وشحنات الدحرجة، وقد أبرزت مجلة نيوزويك -في معرض تعليقها على القرار اليمني- أهمية حيفا، واصفة إياه بأنه “الأكبر في كيان العدو” ومؤكدة على قربه الاستراتيجي من البنية التحتية العسكرية والمدنية الإسرائيلية الرئيسية، بما في ذلك مطار حيفا، وكونه يبعد أقل من كيلومترين عن القاعدة الرئيسية للبحرية الإسرائيلية، وقد أكد أميرال بحري إسرائيلي متقاعد أن “الموانئ البحرية الإسرائيلية” تُعد بنية تحتية استراتيجية بالغة الأهمية، مع خصوصية ميناء حيفا في هذا السياق، حيث يُعتبر “أحد أهم الأصول الاستراتيجية للكيان”. من هذه الزاوية يُمكنُ تقييم استراتيجية الخطوة اليمنية وخطورة تداعياتها وتأثيراتها على كيان العدو الإسرائيلي ومجاله الاقتصادي.
تقييم التهديد وفق تقديرات العدو:
قدم رئيس تحرير موقع NWS الإسرائيلي تقييمًا صارمًا، قائلاً: “حتى الآن، نفذ اليمنيون كل التهديدات التي أطلقوها. هذا التصور بالوفاء بالوعود أمر بالغ الأهمية لمصداقية تهديداتهم الحالية”، وقد أعربت وسائل إعلام العدو الإسرائيلي على نطاق واسع عن قلقها، وحذرت من قدرة اليمنيين على تنفيذ تهديداتهم، ما يشير إلى أن القرار الذي أعلنته القوات المسلحة اليمنية يُؤخذ على محمل الجد داخل كيان العدو، ويعزز هذا التصور للمصداقية اليمنية -وفق خبراء صهاينة- سجل اليمن الواضح من الهجمات والعواقب الاقتصادية الوخيمة التي لوحظ فاعليتها وتأثيراتها بالفعل، على الرغم من الضربات المعادية “الإسرائيلية” على الموانئ اليمنية.
في تقدير تحليلي لأحد المواقع العبرية يحضر هذا النص: “قد لا يملك اليمنيون القدرة على فرض حصار مادي على حيفا في البحر الأبيض المتوسط، لكن آليتهم تعتمد على إنفاذهم تهديد السفن في البحر الأحمر، عبر نقاط اختناق حاسمة يسيطرون عليها” ويضيف: “تتعزز مصداقية هذا التهديد من خلال استعداد اليمنيين الواضح لمهاجمة أي سفينة يصنفونها على أنها “مرتبطة بإسرائيل”، ويؤدي هذا الغموض، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة لإعادة التوجيه وارتفاع أقساط التأمين إلى “علاوة مخاطر” كبيرة لأي شركة شحن تفكر في التجارة مع حيفا”.
ويخلص الخبير الصهيوني إلى القول: “لا يفرض اليمنيون حصارًا بحريًا تقليديًا على حيفا في البحر الأبيض المتوسط، بل يفرضون حصارًا اقتصاديًا فعليًا على حيفا بجعل الرحلة إلى حيفا عبر البحر الأحمر محفوفة بالمخاطر أو باهظة التكلفة بالنسبة لصناعة الشحن، حيث يؤثر التهديد بالعمل في منطقة استراتيجية واحدة على العمليات في منطقة بعيدة جغرافيًا، من قبل جهات فاعلة أخرى من غير الدول أو القوى الأصغر، ما يجعل الامتثال لمطالب اليمنيين (أي تجنب حيفا) خيارًا أكثر عقلانية اقتصاديًا وأكثر أمانًا لشركات الشحن”.
وفسرت “إسرائيل ناشيونال نيوز”، وهي وسيلة إعلام صهيونية، إعلان القوات المسلحة الحظر على ميناء حيفاء بأن القوات اليمنية “باتت توجه أنظارها نحو الشمال، ما يدل على توسع متصور لمنطقة الصراع” وأشارت “معاريف”، وهي صحيفة إسرائيلية أخرى، على وجه التحديد إلى تقدم العقوبات اليمنية، قائلة: “بعد ميناء أم الرشراش والبحر الأحمر، يفرض اليمن عقوبات جديدة على ‘إسرائيل’، إذ جاء دور حصار ميناء حيفا” وهو ما يسلط الضوء على الاعتراف باستراتيجية يمنية منهجية. وصفت “جيه دي إن نيوز” اليمنيين بأنهم يشكلون “تهديدًا جديدًا بإعلانهم فرض حصار على ميناء حيفا”، وربطت ذلك مباشرة بالتصعيدات السابقة، بالإشارة إلى أنه جاء “بعد يوم من توجيه تهديدات بتصعيد الهجمات على مطار اللد. وأشارت “القناة السابعة” كذلك إلى أن اليمنيين “يتجهون شمالًا” بإعلانهم إضافة حيفا إلى قائمة الأهداف لفرض حصار بحري .
العواقب الاقتصادية على “الشحن الإسرائيلي”:
تتعمق التحليلات الإعلامية الإسرائيلية أكثر في تفصيل تداعيات القرار اليمني المترتبة بمراجعة عمليات يمنية سابقة.. يتحدث الصهاينة بالقول: لقد أدت هجمات اليمنيين بالفعل إلى “تراجع الشحن إلى إسرائيل والتجارة المحلية”، حيث توقف الشحن التجاري إلى ميناء أم الرشراش “إيلات” “بشكل شبه كامل”، يستذكر الكاتب أن الرئيس التنفيذي لميناء أم الرشراش “إيلات” كان قد أفاد بانخفاض “85% في النشاط” بحلول ديسمبر 2023 بسبب الهجمات اليمنية، وقد أدت الضربة المالية الشديدة في مارس إلى أن “نصف العاملين في ميناء أم الرشراش “إيلات” كانوا معرضين لخطر فقدان وظائفهم”. وبحلول يوليو، أعلن ميناء “أم الرشراش “إيلات”” رسميًا “إفلاسه وطلب دعمًا من الحكومة “بسبب الانخفاض المستمر بنسبة 85% في النشاط الناجم عن الحصار اليمني في البحر الأحمر”.
إن السابقة التي أحدثها ميناء أم الرشراش “إيلات”، وما لحقه من إفلاس شبه تام وتوقف الشحن التجاري إليه، تُعد دليلاً ملموسًا وصارخًا على قدرة القوات المسلحة على إلحاق أضرار اقتصادية جسيمة بموانئ العدو الإسرائيلي، وهو ما يضفي وزنًا ومصداقية على حصار حيفا المعلن حديثًا، تجد صداه لدى خبراء وإعلام العدو الصهيوني، حتى لو اختلفت آلية الإنفاذ المباشرة لحيفا، ويعكس القلق الفوري والواسع النطاق الذي عبرت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية فهمًا واضحًا بأنه إذا كان ميناء أم الرشراش “إيلات”، وهو بوابة أقل أهمية للاقتصاد الإسرائيلي الإجمالي، قد شُلّ بهذه الفعالية، فإن حيفا، الميناء البحري الرئيسي والأكثر حيوية، حسب ما جاء في أحادث الخبراء الصهاينة، واجه تهديدًا أكبر وربما مدمرًا، كما أن نجاح اليمنيين في أم الرشراش “إيلات” يوفر لهم نقطة ضغط نفسية واقتصادية قوية. يضيف الصهاينة: إن الحوادث السابقة تؤكد صحة استراتيجيتهم غير المتماثلة ويعمل كرادع قوي لشركات الشحن الدولية، وهو ما قد يؤدي إلى “حصار ذاتي” لحيفا من قبل الصناعة، حيث تتجنب الشركات الميناء طواعية بسبب المخاطر المتصورة والتكاليف الباهظة، دون أن يطلق اليمنيون صاروخًا واحدًا في البحر الأبيض المتوسط. ويشير الإعلام العبري إلى أن هذا يسلط الضوء على كيف يمكن استغلال نجاح محلي ضد هدف أقل أهمية استراتيجيًا لإحداث اضطراب اقتصادي أوسع وأكثر تأثيرًا ضد هدف رئيسي.
وفقاً لما رشح في الإعلام الإسرائيلي في المواقع وعلى لسان خبرائهم، فإن القرار اليمني بمباشرة فرض حظر بحري على ميناء حيفاء يُعدُ تصعيدًا استراتيجيًا ذا أبعاد متعددة، يتجاوز نطاق عملياتهم السابقة في البحر الأحمر، وذلك بالاعتماد على استراتيجية حرب ذكية هجينة، وفق وصفهم، تستغل الاستراتيجية هذه سيطرتهم على نقاط الاختناق الحيوية في البحر الأحمر، وقدراتهم الصاروخية الفعّالة والموثوقة باستهداف السفن المتجهة إلى حيفا في أكثر من مكان أو ممر بحري، أو تلك التي لها صلة مباشرة بكيان العدو الإسرائيلي، لفرض حصار اقتصادي فعلي يضرب عصب الاقتصاد الصهيوني، وقد أدت هذه التكتيكات بالفعل إلى تداعيات اقتصادية وخيمة على “إسرائيل”، ويقدّم الإعلام العبري شهادات على فاعلية التهديد اليمني بتجربة ميناء أم الرشراش والذي وصل الى حد الإفلاس، وأسفر عن اضطرابات واسعة النطاق في كيان العدو. يسأل الصهاينة بإلحاح، كيف سيكون الحال مع حيفا بوابتنا الوحيدة إلى العالم ؟!
موقع أنصار الله يحيى الشامي