من الجلد إلى الحقل.. مشاريع يمنية تعيد للاقتصاد المحلي حيويته
أفق نيوز|
في مشهد يعكس تحولات اقتصادية صامتة تشهدها البلاد، تعود الصناعات الجلدية في اليمن لتخطّ طريقها من جديد بعد عقود من التراجع والإهمال، في ظل جهود رسمية ومجتمعية متصاعدة لإحياء هذا القطاع الذي ظل لعقود أحد أهم ملامح الهوية الصناعية اليمنية.
وفي مهرجان “خيرات اليمن” في نسخته الثانية، الذي أقيم مطلع أكتوبر الجاري، برزت منتجات الجلود المحلية كأحد أبرز معالم المعرض، إلى جانب وفرة المحاصيل الزراعية والمشغولات اليدوية.
عارضون من مختلف المحافظات قدموا نماذج لحقائب وأحذية وأحزمة ومحافظ جلدية مصنوعة محلياً، أعادت للأذهان صورة “صنعاء القديمة” حين كانت تضج بأسواق الدباغة والحرف اليدوية.
من الهدر إلى الصناعة
من جانبه قال محمد العراقي، مدير المعارض في اتحاد المنسوجات والملبوسات، إن اليمن كان حتى سنوات قريبة يصدر الجلود الخام إلى الخارج بأسعار زهيدة ثم يستورد المنتجات الجلدية بأضعاف ثمنها.
وأضاف العراقي في لقاء مع قناة المسيرة، ضمن برنامج نوافذ، فقرة “نأكل مما نزرع”: “نحن بلد يمتلك ثروة حيوانية ضخمة، لكن ما بين 70 إلى 80% من الجلود كانت تُهدر، بسبب غياب الوعي وضعف البنية التحتية الصناعية، خاصة بعد توقف معظم المدابغ التقليدية في صنعاء والحديدة وتعز بسبب العدوان والحصار.”
وأشار إلى أن مصنع “أحمد سالم باشمخ” في الحديدة هو من بين المنشآت القليلة التي واصلت نشاطها رغم الصعوبات، مؤكداً أن الدولة تعمل حالياً على إعادة تشغيل المدابغ المتوقفة وتشجيع إقامة مصانع جديدة محلية.
وأفاد مدير المعارض في اتحاد المنسوجات والملبوسات أن الدولة اليوم تتجه بجدية نحو إحياء الصناعات الوطنية، ومن ضمنها الجلود، لما تمثله من قيمة اقتصادية وتراثية. ما نحتاجه هو دعم فني وتمويلي، وتسهيل استيراد الآلات والتقنيات الحديثة.
النساء في طليعة الصناعة الجلدية
في أروقة المهرجان، عرضت عدد من الأسر المنتجة ومشاريع السيدات منتجات جلدية يدوية تعكس ذوقاً رفيعاً وابتكاراً لافتاً.
تقول إحدى المشاركات، وهي صاحبة مشروع “أنامل التراث اليمني”: “كل قطعة ننتجها تُحاكي روح التراث اليمني الأصيل، نستخدم جلوداً طبيعية من مدابغ الحديدة ونقوم بالنحت والسباغة والتصميم يدوياً، دون أي آلات حديثة. هذا العمل يحتاج دقة وصبراً، لكنه يمنحنا شعوراً بالفخر والانتماء.”
وتضيف أخرى: “رغم الإقبال المتزايد، نواجه صعوبات في الحصول على المواد الخام والإكسسوارات، ونتمنى من الدولة إنشاء معارض دائمة لتسويق منتجاتنا ودعمنا في توفير الخامات.”
صعوبات ومعوقات
تتنوع التحديات التي تواجه الصناعات الجلدية المحلية، من ضعف البنية التحتية للمدابغ إلى غياب المعدات الحديثة، فضلاً عن نقص الكوادر الفنية والتقنية المتخصصة.
كما يشير المنتجون إلى أن ضعف الوعي في المسالخ حول طرق سلخ الجلود النظيفة يؤدي إلى تلف جزء كبير منها قبل وصولها إلى المصانع.
وتبقى تكاليف التشغيل والنقل وغياب الدعم التسويقي من أبرز التحديات التي تواجه الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة.
ورغم الصعوبات، تؤكد المؤشرات أن اتحاد المنسوجات والملبوسات، بدعم من الجهات الرسمية، يعمل على تأسيس معارض دائمة للصناعات المحلية، وفتح قنوات للتسويق الداخلي والخارجي.
وفق تقديرات غير رسمية، ينتج اليمن آلاف الأطنان من الجلود سنوياً، لكن ما يُستغل منها لا يتجاوز 30%.
في المقابل، تشير تقارير اقتصادية إلى أن تطوير قطاع الجلود يمكن أن يدرّ على البلاد عائدات مالية ضخمة، ويوفر آلاف فرص العمل في مجالات التصنيع، والخياطة، والتسويق، والتصدير.
اليوم، بينما تستعيد الأرض خصوبتها في الحقول الزراعية، تستعيد أيضاً المصانع اليدوية في صنعاء والحديدة وتعز ذاكرة الصناعة اليمنية الأصيلة.
إن إحياء الصناعات الجلدية لا يمثل فقط خطوة اقتصادية، بل هو عودة للهوية والإبداع اليمني الذي قاوم الحصار والعدوان بالعمل والإنتاج.
وبينما يتحدث المزارعون عن “خصب الأرض”، يتحدث الحرفيون عن “خصب الأيدي”، وكلاهما وجهان لنهضة يمنية قادمة.