الأعراف القبلية اليمنية ودورها في مواجهة الحرب الناعمة
أفق نيوز|
القاضي: أحمد بن عبدالسلام القمراء
لطالما عُرفت اليمن بتمسكها العميق بالأعراف والتقاليد القبلية، التي شكلت على مر العصور الإطار الحاكم لحياتها العامة والخاصة تكتسب هذه الأعراف القبلية قيمتها وأهميتها من كونها مستمدة من روح الشريعة الإسلامية، وتُعد الأساس الذي يحكم سلوك الفرد اليمني في كافة تعاملاته وعلاقاته.
فمن خلال هذا الإرث، يتوارث الأبناء عن الآباء والأجداد صفات نبيلة كالشجاعة، والقيم الأخلاقية الرفيعة، والصدق، والكرم، والنخوة، والشهامو وبالتالي كلما كان الفرد اليمني متمسكًا بهذه الصفات، أصبح محل تقدير واحترام بين أفراد المجتمع.
إن استحضار الشباب اليوم لمواقف الآباء والأجداد البطولية، التي تروي قصص الشجاعة والأصالة، يرسخ لديهم مفهوم الشهامة والعراقة، وفي المقابل، تُروى المواقف المخزية والمُزرية لتكون محل استهجان واعتراض من المجتمع بأسره، ويظل مرتكبها منبوذًا وموصومًا بالعار بين القبائل كافة.
لهذا، من الضروري التأكيد على أن الأعراف القبلية اليمنية والتمسك بها من قبل أفراد القبائل اليوم، تمثل وسيلة فعالة للتصدي لما يُعرف بـ “الحرب الناعمة”.
ويمكن تأكيد هذا الدور من عدة جوانب:الالتزام الأخلاقي والقيمي: إن الفرد القبلي الأصيل لا يمكن أن يرتكب الخيانة، أو الكذب، أو الغدر، أو يتخلى عن أخيه، أو يتنازل عن مبادئ الشجاعة والقيم، ذلك لأن تربيته ومعرفته وتمسكه بالقواعد العرفية القبلية اليمنية الراسخة تجعله على وعي تام بحجم العواقب والعيوب التي قد تطاله جراء هذه الأفعال، وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم.
صون الشرف والمال والنفس: لا يمكن أن يصدر عن الفرد القبلي الأصيل أي عيب يمس الأعراض، أو المال، أو النفس، فهو يدرك تمامًا أن ارتكاب مثل هذه العيوب يمثل وصمة عار في حياة الرجل القبلي، ويؤثر على سمعته وسمعة قبيلته.
التعاملات الاجتماعية: يتوجب على الفرد القبلي الأصيل أن يكون صادقًا، وشجاعًا في موقفه، وصاحب كلمة، وغيورًا على الأرض والدين والعرض. كما يجب أن يكون سبّاقًا لنجدة المحتاج، ومكرمًا للضيف، ومتحليًا بالحياء، ومحترمًا للكبير، ومُنصتًا لمن هو أكبر منه سنًا أو مكانة هذه الصفات هي نتاج التربية الدينية والعرفية الأصيلة.
صيانة أعراض الآخرين: من الضروري أن يكون الفرد القبلي الأصيل ممن يغض البصر، ويستر العورات، ولا يتدخل في شؤون أعراض الآخرين، فمن غير المقبول أن يتتبع عورات الناس أو يرتكب أي فعل يمس شرفهم ذلك لأن هذه الأفعال تُعد من العيوب التي لا يمكن أن يرتكبها القبلي، كونها تمس بكرامته وأصله وقبيلته وآبائه وأجداده، وستكون وصمة عار تلاحقهم على مر الزمن.
وعلى هذا المنهج، تُقاس كافة جوانب الحياة الأخرى، وبما أن الحرب الناعمة تمثل إحدى أخطر الوسائل التي يستخدمها الغرب لاستهداف الإنسان اليمني الأصيل من كافة النواحي، فإن الواجب يحتم علينا مراجعة الإرث العرفي القبلي اليمني الأصيل الذي سار عليه الآباء والأجداد، والسير وفقه والتمسك به في كافة تفاصيل حياتنا اليومية من معاملات ومواقف، مهما كانت التحديات.
كما يجب الحذر من العبارات المغلوطة التي يحاول أعداء القبيلة والأعراف القبلية نشرها بين العامة، مثل وصف القبلي بأنه “متهبش” أو “متقطع” أو “نهاب” أو “يأكل حقوق الآخرين بالقوة” فهذه الأوصاف لا تمت للحقيقة بصلة، إذ تُعد جميع هذه الأفعال من العيوب في قواعد العرف القبلي اليمني الأصيل، ومن يرتكبها يُعتبر “عايبًا” ومنبوذًا، وقد يصل الأمر إلى تبرؤ قبيلته وعشيرته منه وإهدار دمه.
إن هذه الأعمال هي أعمال دخيلة على كافة القبائل اليمنية وأبسط الأمور في السلوك القبلي:لا يمكن للقبلي أن يحلق حلاقة فيها تشبه بالنساء أو الغرب، ولا يمكن أن يرتدي لباسًا مُخلًا بالحياء.، يجب عليه أن يتجنب الكلام البذيء، وأن يحترم الكبير ويوقره، المرأة القبلية هي التي تستر عورتها وتتعامل بحزم وتتحلى بالصفات التي تصون كرامتها.
القبلي لا يجالس السفهاء، ولا يرتكب الزنا، ولا يتتبع عورة أخيه وصديقه، لا يعتدي على المرأة بالقول أو الفعل أو الإشارة، ولا يسرق، ولا يكذب، ولا يخلف الوعد، لا يهرب وقت النزال، ولا يتأخر عن تلبية داعي القتال وحماية العرض والأرض والدين
إن العبارة الشائعة “لا عملها لا أبي ولا جدي” تُستخدم للاستدلال على أن الأعمال الخسيسة والمخالفة للعرف والعادات التي تربى عليها الفرد لا يمكن أن يرتكبها ما دام آباؤه وأجداده لم يرتكبوها من قبله، وهي دلالة على أنه أصيل أباً عن جد.
كما أن عبارة “رعى الله الأولين كانوا أصحاب كلمة وموقف” تستدل على تمسكهم بالأعراف والعادات والتقاليد القبلية اليمنية الأصيلة.
رسالة ختامية:إلى الآباء والأجداد والمشايخ والأعيان: الواجب عليكم أن تقوموا بتربية ونشر وتوعية وحث جميع أبنائكم على التمسك بالمبادئ والقيم والقواعد والأحكام العرفية القبلية الأصيلة، قواعد الآباء والأجداد، في كافة أمور حياتهم، وأن تعلموهم بأن العيب بكافة صوره لا يمكن ارتكابه من قبل الفرد القبلي الأصيل.
إلى كافة أبناء القبائل من أبناء الشعب اليمني: يجب علينا جميعًا الحرص في كافة حياتنا اليومية على أن تكون أمورنا محكومة بما سار عليه آباؤنا وأجدادنا من قيم ومبادئ شامخة، وأن نتمسك بكافة القواعد العرفية اليمنية الأصيلة، قواعد الآباء والأجداد، مهما كان الأمر.
إلى كافة الجهات الرسمية العامة والخاصة: عليكم بتوعية الشباب والشابات بالقواعد العرفية الأصيلة، والمواقف والمبادئ والقيم التي سار عليها الآباء والأجداد.