أمريكا أُمُّ الإرهاب.. والواقع يشهد
أفق نيوز| شاهر أحمد عمير
إلى أُولئك الذين قامت الولايات المتحدة الأمريكية على أنقاض وجودهم، أُولئك الذين صارت جماجمهم وعظامهم ودماؤهم المسفوكة حجارة الأَسَاس لقيام كَيانٍ لم يعرف في تاريخه سوى منطق القوة والهيمنة، وإلى الشعوب التي دُفعت إلى المحارق كي تبقى واشنطن واقفة على جبل من الجثث والثروات المنهوبة، ترفع راية الديمقراطية زيفًا وتغطي خونتها وإرهابها بغلافٍ من الأكاذيب المصنوعة.
منذ نشأتها الأولى، لم تبنِ أمريكا نفسها إلا فوق المقابر.
فقد استنبتت كيانها من تربةٍ رُويت بدماء الهنود الحمر، ونمت دولتها فوق جراح الشعوب الأصلية التي أُبيدت بشكل ممنهج، ثم مضت – عبر رؤسائها المتعاقبين – في إنتاج نموذج جديد من الإرهاب، إرهاب مُعمّم على مستوى العالم، حوّل سياساتها إلى ماكينة تدخلات وانقلابات واحتلالات، توظّفها لخدمة أجندة الهيمنة على الشعوب وإخضاع الدول الرافضة لسياستها.
إن الولايات المتحدة لم تكن يومًا ضحيةً للإرهاب كما تحاول أن تظهر للعالم، بل كانت ولا تزال أُمَّ الإرهاب وصانعته الأولى.
فمن رحم سياساتها خرجت أخطر الجماعات، ومن مصانع سلاحها ودهاليز استخباراتها تشكّلت التنظيمات المتطرفة التي دمّـرت دولًا عربية بالكامل.
وما جرى في العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا ليس سوى فصل من فصول الإرهاب الأمريكي الذي يُدار بأشكال متعددة، مرة بالاحتلال المباشر، ومرة بالمرتزِقة، ومرة بالحروب بالوكالة، ومرة بالجماعات التي تلبس عباءة الدين بينما تصنعها غرف واشنطن ووكالاتها الأمنية.
في الشرق الأوسط تحديدًا، برز الدور الأمريكي بأوضح صوره عبر دعمها المباشر للتحالف السعوديّ–الإماراتي الذي شن حربًا مدمّـرة على اليمن طوال تسع سنوات.
إن واشنطن هي التي قدمت السلاح، والغطاء السياسي، والمعلومات الاستخباراتية، وهي التي أدارت غرف العمليات وكانت شريكًا كاملًا في كُـلّ غارةٍ قتلت مدنيًّا أَو دمّـرت منزلًا أَو هجّرت أسرة.
لقد مات مئات الآلاف من اليمنيين تحت القصف والحصار، بينما كانت أمريكا تواصل إبرام صفقات السلاح وتمنح الرياض وأبوظبي الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من الجرائم.
وما جرى في اليمن لا يمكن فصله عن إرهاب أمريكا الأوسع الذي يتنقل بين جبهات المنطقة.
ففي السودان، لم تتردّد واشنطن في دعم جماعات مسلحة بشكل مباشر أَو عبر أدواتها الإقليمية، وفي مقدمتها الإمارات التي تحوّلت إلى واجهة تمويل وتسليح ونقل مرتزِقة، مما أجّج الحرب ومزق البلاد.
وفي ليبيا، كرّرت الولايات المتحدة السيناريو ذاته، فسمحت لأبوظبي بتمويل الفصائل المتصارعة ودعمت بشكل غير مباشر الجماعات التي أشعلت حربًا لم تنطفئ منذ أكثر من عقد.
وتتجلى صورة الإرهاب الأمريكي اليوم بوضوح في فلسطين ولبنان واليمن.
فأمريكا هي الداعم الرئيس للإرهاب الإسرائيلي، وهي التي شكّلت التحالف الدولي لفك الحصار عن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، وشنت عدوانًا صريحًا على الشعب اليمني الذي حاول – ولا يزال – إيقاف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.
لقد أدارت واشنطن الحرب في غزة، وقدمت السلاح والطائرات والقنابل التي مزقت أجساد الأطفال، ووفرت للكيان الغطاء السياسي الكامل في مجلس الأمن ووسائل الإعلام الدولية.
وحين نتأمل مشهدًا كهذا، يصبح واضحًا أن الإرهاب ليس مُجَـرّد سياسة أمريكية عابرة، ولا هو خطأ تاريخي أَو انحراف مؤقت، بل هو البنية العميقة التي قام عليها هذا الكيان منذ ولادته.
فأمريكا لم تعرف نفسها إلا من خلال الحروب، ولم يُبن نفوذها إلا على الدمار، ولم تتقدم إلا عبر تحويل العالم إلى ساحة صراعاتٍ تخدم اقتصادها ومصالحها الاستراتيجية.
لقد صنعت واشنطن الإرهاب في صورته الحديثة، من الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، إلى صناعة التحالفات المجرمة، إلى توظيف الأنظمة التابعة مثل السعوديّة والإمارات لتأدية دورها في تفكيك الدول وتمزيق المجتمعات.
وهي اليوم، وهي تحاول حماية كَيان الاحتلال الصهيوني من السقوط عبر البحر الأحمر وغزة ولبنان، تكشف عن وجهها الحقيقي: دولة لا يمكنها البقاء دون إرهاب، ولا تستطيع السيطرة دون قتل، ولا تعيش إلا على دماء الآخرين.
وهكذا، يتضح أن أمريكا ليست فقط صانعة الإرهاب، بل هي نظامٌ قائمٌ عليه، وهي مركز إنتاجه وراعيته وناشرته الأولى، وأن كُـلّ ما نشهده من فوضى وحروب وانهيار دول إنما هو جزء من مشروعها العالمي للسيطرة، مشروع لا يتوقف إلا عندما تنهض الشعوب وتدرك أن مقاومة الإرهاب الأمريكي ليست خيارًا سياسيًّا فقط، بل ضرورة وجودية للبقاء والحرية والكرامة.