أفق نيوز
الخبر بلا حدود

اليمن في ميزان الردع .. من إسناد غزة إلى خطر استراتيجي معلن يقض مضاجع الاحتلال

43

أفق نيوز| تقرير تحليلي|

لم يعد اليمن مجرد “بؤرة توتر إقليمية” في السردية الصهيونية، بل أصبح اليوم يمثل تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا ومعلنًا.

تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة بشأن “التهديد اليمني” تشكل اعترافًا تاريخيًا بتحول موازين القوى الإقليمية.

هذا الإقرار ليس مجرد زلة لسان، بل يتويج لمسار عملياتي نجحت فيه القوات المسلحة اليمنية في فرض واقع أمني جديد يتجاوز قدرة الردع التقليدية للكيان، خصوصًا في سياق الإسناد الثابت لغزة والتأثير غير المسبوق على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

لقد برزت قوة يمنية قادرة على هز أركان المشروع الصهيوني عبر استراتيجية واضحة تقوم على منطق “الردع بالتكلفة” وتوسيع جبهات المواجهة بشكل غير مسبوق.

الكيان الصهيوني أدرك أخيرًا أن اليمن لم يعد مجرد داعم ثانوي للقضية الفلسطينية، بل تحول إلى لاعب استراتيجي رئيسي قادر على إغلاق الممرات البحرية الحيوية واستهداف العمق الإسرائيلي.

إن الاعتراف بـ”التهديد الوجودي” الذي يمس ميناء إيلات وبنية التجارة العالمية، لم يكن ليتحقق إلا عندما أصبح تجاهل تلك القوة أكثر تكلفة على الكيان من الاعتراف بها.

فشل استراتيجية التجاهل والاحتواء.. بوابة التحول نحو الحرب الناعمة

لم يكن اعتراف نتنياهو بأن صنعاء تشكل تهديدًا جديدًا للكيان من فراغ، بل جاء بعد فشل استراتيجيات سابقة في الردع بالقوة الخشنة.

النقاشات داخل المنظومة الأمنية الصهيونية أظهرت أن استراتيجية تجاهل الهجمات قد “فشلت دائمًا” أمام التهديد اليمني.

كما أن الإشارة إلى “استقلالية في إنتاج الأسلحة وتطوير الصواريخ” تعد تكتيكًا للتهرب من إظهار عجز الدفاعات الإسرائيلية.

لو كان التهديد مجرد امتداد إيراني بسيط، لكان الرد الجوي التقليدي كافيًا لحسمه.

لكن التنويه بـ”التطوير الذاتي” يبرر عدم القدرة على الحسم العسكري، ويُمهّد لاستراتيجية المواجهة طويلة الأمد التي تعتمد على الاستنزاف الداخلي والحرب النفسية.

وبعد استنفاد خيارات القوة الخشنة، تحول التركيز الاستخباراتي والسياسي للعدو نحو “الحرب الناعمة” و”الحرب التركيبية”.

هذا التحول يؤكد أن الكيان غير قادر على تحمل كلفة الردع المباشر، ويبحث بدلاً من ذلك عن استراتيجيات استنزاف داخلية أقل عرضة للانتقام المباشر.

 

الإقرار الصريح بـ “التهديد المباشر” وعمق القدرات اليمنية

إن النجاح الاستراتيجي لصنعاء في إسناد غزة يرتكز على مفهوم الردع العقائدي-الاقتصادي، حيث لا يقتصر الأمر على الحماية الذاتية، بل يشمل فرض تكلفة اقتصادية على الخصوم.

العمليات اليمنية فرضت قيودًا غير مسبوقة على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وتعطيل ميناء إيلات بشكل كامل، مما يمثل تحولًا نوعيًا في تاريخ الصراع.

التهديد الوجودي اليمني يعكس امتلاك صنعاء لأسلحة متطورة، حيث تمتلك صواريخ فرط صوتية وطائرات مسيرة بمدى يتراوح بين 1300 و2200 كيلومتر، مما يضمن وصول الأهداف إلى عمق الكيان الذي يبعد 1600 كيلومتر عن اليمن.

هذا يضمن استمرار المواجهة على البحر الأحمر كرافعة ضغط استراتيجية لا يمكن للعدو تجاوزها.

 

“حرب الاختراق” – الأدوات الاستخباراتية الصهيونية والرهان على الداخل

بعد أن استنفد العدو خياراته في الحسم بالقوة المباشرة، تحول الثقل الاستراتيجي إلى الحرب الناعمة والأدوات الاستخباراتية التي تهدف إلى تفكيك الجبهة الداخلية لليمن.

الولايات المتحدة، التي تدعم “إسرائيل”، تسعى إلى استنزاف طويل المدى في اليمن، بهدف منع صنعاء من تثبيت دولة مستقرة.

هذه استراتيجية الفوضى الأمنية تعتمد على فكرة أن أي انهيار للهدنة سيخلق فراغات أمنية تخدم مصالحهم.

يتم استدعاء ورقة “القاعدة” لتبرير الوجود العسكري والاستخباراتي الأطول أمداً، لتصوير الفصائل المدعومة من الخارج في شبوة وحضرموت كـ”بيئة رخوة” تهدد المصالح الغربية.

وفي الحرب الناعمة، كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية أن ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي عقدوا لقاءات مع شخصيات إسرائيلية، مؤكدين لهم أن أنصار الله يمثلون”عدواً مشتركاً”.

التنسيق بين الانتقالي وإسرائيل يهدف إلى إنشاء حزام أمني حول البحر الأحمر يمتد إلى شرق اليمن، لتفكيك الجبهة اليمنية وتحويل الصراع من صراع وجودي إلى صراع داخلي.

 

التناقضات والفشل المحتوم – الحدود الذاتية للأدوات المحلية

الرهان على الأدوات المحلية ليس رهانًا على قوة حاسمة، بل على إدامة الانقسام.

هذه الأدوات محكوم عليها بالفشل بسبب التناقضات الهيكلية في هذه الفصائل وعجزها عن تشكيل رافعة استراتيجية موحدة.

في المحافظات اليمنية الشرقية، شهدت فصائل موالية للإمارات والسعودية صراعات على النفوذ والموارد.

هذا التفكك يعكس أن هذه الفصائل غير مؤهلة لأن تكون رافعة استراتيجية موحدة للعدو. إن الصراع الداخلي على الموارد يعزز استراتيجية الاستنزاف الصهيونية.

الادعاء بأن هدف السيطرة على حضرموت والمهرة هو “تأمين الملاحة” يتناقض مع الواقع الجغرافي، حيث أن التهديد الرئيسي للكيان ينبع من البحر الأحمر وباب المندب، وليس من شرق اليمن.

التعاون مع الكيان الصهيوني يضع هذه الفصائل في عزلة شعبية تامة ويعتبر خيانة عظمى للشعب اليمني.

كما أن التنسيق المباشر مع إسرائيل يضع هذه الفصائل في خانة الخيانة التاريخية والسياسية.

ختاماً

اليمن اليوم يُعتبر قوة استراتيجية حقيقية تملك القدرة على تهديد أمن كيان الاحتلال بشكل مباشر.

وإن الحرب النفسية التي يقودها الاحتلال لن تُضعف من عزيمة اليمن، بل على العكس، تعزز من عزم صنعاء على الاستمرار في مقاومة الهيمنة والمضي قدمًا نحو تعزيز استقلاله.

وفي ظل هذه التحديات، تظل صنعاء مستعدة لمواجهة كافة المحاولات الرامية إلى تدمير الوحدة الوطنية اليمنية، ولن تسمح بأي محاولات لإضعاف موقفها العسكري أو السياسي

وستبقى صنعاء على يقظة تامة تجاه استراتيجيات الاستنزاف التي قد تتبعها القوى الخارجية، مواصلة تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية، مع تمسكها بالسيادة الوطنية وحماية المصالح العليا للشعب اليمني.

يمانيون