أفق نيوز
الخبر بلا حدود

اتفاق تبادل الأسرى… فرحٌ مؤجَّل وقلوبٌ ما زالت تنتظر

43

أفق نيوز| د. نبيل عبدالله القدمي

بمجرد الإعلان في مسقط عن اتفاق لتبادل الأسرى، عمّ الفرح أرجاء اليمن، وارتفعت الأكف إلى السماء سائلةً الله تعالى أن يتمّ هذا الاتفاق، وأن يعمّ الفرح كل بيت، وأن يُجبر خاطر كل أم، وكل زوجة، وكل طفل.
فقضية الأسرى ليست خبرًا عابرًا، بل جرحًا مفتوحًا في قلب كل أسرة أسير.
وقد شمل الاتفاق الإفراج عن 1700 أسير من أسرى حكومة صنعاء، مقابل 1200 أسير من الطرف الآخر، من بينهم 7 أسرى سعوديين و23 أسيرًا سودانيًا، في خطوة تعكس حجم هذا الملف الإنساني وتعقيداته، وتفتح باب الأمل لآلاف الأسر التي تنتظر عودة أبنائها.
وفي هذا السياق، نتقدم بالشكر والتقدير إلى سلطنة عُمان الشقيقة على دورها كوسيط في هذا الملف، والجهود التي بذلتها في رعاية المفاوضات الخاصة بتبادل الأسرى، بما عُرفت به من حضور دبلوماسي هادئ وتعامل مهني أسهم في تقريب وجهات النظر وإنجاز هذا الاتفاق.
ورغم هذا الفرح، تبقى في القلوب غصّة، وفي العيون دمعة مؤجَّلة، وفي الصدور سؤال لا يغيب:
هل سيكون جميع الأسرى ضمن هذه الصفقة؟ أم أن الانتظار سيطول من جديد؟
وأكتب هذا المقال لا من موقع المتابع أو المراقب فقط، بل من موقع المعاناة الشخصية المباشرة؛ فأنا واحد من آلاف اليمنيين الذين يعيشون هذا الوجع يوميًا، إذ لا يزال شقيقي عبدالكريم أسيرًا في سجون العدوان السعودي منذ ما يقارب تسع سنوات، بعد أن أخذه مرتزقة الداخل وهو مثخن بالجراح، ثم باعوه للعدو السعودي، ولا يزال مصيره معلّقًا بين الأمل والانتظار.
في كل صفقة تبادل أسرى، كنت أذهب إلى مطار صنعاء، أسبق الخبر بالقلب، وأسبق الإعلان بالدعاء، أبحث بين الوجوه عن ملامح تشبه عبدالكريم، أترقّب اسمه في القوائم، وأتشبّث بأي بصيص أمل.
وحين لا أجده، لا أبكي دموعًا فحسب، بل أبكي دمًا قبل الدموع.
ثم أرافق الأسرى المحرَّرين، أجلس معهم واحدًا واحدًا، أستمع لقصص يشيب لها رأس الطفل من شدة ما تحمله من تعذيب وقهر ومعاناة، وأسأل عن عبدالكريم، وطار قلبي فرحًا عندما وجدت أسيرًا يقول إنه حي. وقد سمعت منه ما ينفطر له القلب من قصص، وبكيت كثيرًا، حتى شعرت عند كل صفقة تبادل أسرى أن قلبي لم يعد يحتمل هذا الثقل.
ومع ذلك، ظل الأمل قائمًا، لأن قضية الأسرى ليست أرقامًا في بيانات، بل أرواح، وأعمار، وبيوت معلّقة على خبر.
أسرى حكومة صنعاء جميعهم يمنيون، بينما تضم صفقات الطرف الآخر أسرى من جنسيات متعددة، وهذه الحقيقة وحدها كافية لتكشف من يقاتل دفاعًا عن أرضه ووطنه، ومن يعمل ضمن مشاريع وأجندات خارجية لا تمتّ للوطن بصلة.
إن قضية الأسرى، قبل أن تكون ملفًا سياسيًا، هي قضية إنسانية خالصة، نظمها القانون الدولي الإنساني، وحددت اتفاقيات جنيف كيفية التعامل مع الأسرى وصون كرامتهم، لكن قبل ذلك كله، جاء القرآن الكريم بمنهج أخلاقي راقٍ في التعامل مع الأسير، حين قال الله تعالى:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾.
فقرن الله الأسير بالمسكين واليتيم، وجعل الإحسان إليه عبادة خالصة لوجهه الكريم.
وهذه هي الأخلاق التي يتعامل بها أنصار الله مع الأسرى، في مقابل ما شهدناه من دول العدوان ومرتزقتهم من انتهاكات جسيمة، وتعذيب، وجرائم موثقة، خالفت الدين، والقيم، وكل القوانين الإنسانية.
إن الأمل اليوم كبير، والدعاء أكبر، أن يكون الحل الكل مقابل الكل، وأن لا يُستثنى أسير طال أمد أسره، وأن يعود كل غائب إلى أهله، فخلف كل أسير حكاية ألم، وبيت ينتظر، وأطفال كبروا وهم يعدّون الأيام.
نأمل أن يكون هذا الاتفاق خطوة صادقة نحو إنهاء هذا الملف الإنساني المؤلم، وأن تتوّج الجهود العُمانية المشكورة بفرحة كاملة، لا منقوصة، تعمّ كل بيت يمني،
بعودة الأسرى إلى أحضان أسرهم.