أفق نيوز
الخبر بلا حدود

المجزرة الأمريكية في رأس عيسى .. إبادة جديدة تفضح نوايا واشنطن

83

أفق نيوز | جميل القشم

في تصعيد خطير يجسِّد النزعة الإجرامية والتوحش الأمريكي تجاه اليمن، شنَّت طائرات أمريكية غارات مباشرة على ميناء رأس عيسى النفطي بمحافظة الحديدة، مستهدفة منشأة مدنية وعمالا وموظفين، في واحدة من أبشع المجازر المرتكبة بحق الإنسانية.

مجزرة مكتملة الأركان ارتكبها العدو الأمريكي بدم بارد، ضد عمّال مدنيين يسعون خلف لقمة العيش، في مشهد تفوح منه رائحة القتل العمد والتوحش، لم تكن غاراته موجهة ضد موقع عسكري، وإنما موقع مددني مجرّم استهدافه وفقًا للقوانين الدولية والإنسانية.

عشرات الشهداء سقطوا في اللحظة الأولى، وأجسادهم تمزَّقت، واختلطت عظامهم بحديد الميناء، وتشوَّهت وجوههم حتى غابت عنها الملامح، وتحوَّلت الأرض إلى مشهد لا يُحتمل النظر إليه، إزاء هول الكارثة.

لم يمضِ وقت طويل حتى هرعت سيارات الإسعاف والدِّفاع المدني إلى المكان، غير أن طيران العدو الأمريكي كان في حالة ترصّد، وعاد مجددّا لقصف المكان ومن تبقى من الناجين، مستهدفاً طواقم الإنقاذ، في جريمة حرب مركَّبة تنتهك كل القوانين الدولية.

في حصيلة غير نهائية 74 شهيدا أزهقت أرواحهم ظلمًا وعدوانا، و171 جريحًا يصارعون الموت في المستشفيات، بعضهم بلا أطراف، وآخرون تعذّر على ذويهم التعرّف عليهم بسبب شدة التفحّم والتمزّق، ومنهم من يلفظ أنفاسه، وآخرون يرقدون بين الحياة والموت، بانتظار معجزة من السماء.

ما تزال فِرق الإنقاذ تحفر في الرُّكام بحثا عن مفقودين، الميناء تحوٍّل إلى مقبرة جماعية، وتحت كل حجر قصة شهيد، وتحت كل لوح حديدي جثة طمست ملامحها، فيما الأرض تئن من وطأة الجريمة.

واشنطن لم تخجل من فعلتها، لكنها خرجت ببيان متغطرس، يتحدَّث عن استهداف “موقع تهديد”، وكأن عمال وموظفي ميناء رأس عيسى كانوا يحملون القذائف، في وقاحة غير مسبوقة – تسمي المذبحة إنجازًا عسكريًا؟!

البيان الأمريكي ليس فقط استخفافا بالدّم اليمني، إنما يكشف نزعة إجرامية متأصلة، وعداء سافرا لكل من يرفض الهيمنة والاملاءات الأمريكية.

مجزرة رأس عيسى ليست معزولة، بل فصل من كتاب واحد عنوانه “الإبادة الأمريكية – الصهيونية”، وما يحدث في اليمن اليوم يتناغم مع ما يجري في غزة، القاتل نفسه، والقنابل نفسها، والأجساد ذاتها الممزقة تحت أنقاض الصمت الدولي.

العدوان الأمريكي على اليمن لم يعد عسكريًا فحسب، بل صار عدوانا على الروح الحرة، وعلى الموقف اليمني المناصر لفلسطين، والرافض للخنوع، فقررت واشنطن معاقبة الشعب اليمني بالقصف والمجازر الجماعية، واستهداف المدنيين والمنشآت المدنية.

مجزرة رأس عيسى فضحت مجددا زيف المجتمع الدَّولي، وأظهرت تواطؤ منظمات حقوق الإنسان التي صمتت، وحكومات الغرب التي ابتسمت بخبث، والأمم المتحدة التي عجزت عن تسمية القاتل، وهذا الصمت شراكة في الجريمة، ووصمة عار لن تُمحى.

لم تجرؤ أمريكا على مواجهة رجال اليمن في الميدان، فصوَّبت نيرانها إلى صدور المدنيين، في تصعيد يائس يكشف إفلاسها الميداني بعد فشلها في وقف الإسناد اليمني لغزة وحين خابت كل خياراتها، لجأت إلى سلاحها المفضل: قتل الأبرياء، ظنا منها أن الدّم يسكت الموقف.

تاريخ أمريكا مكتوب بالدَّم، من العراق إلى أفغانستان، ومن فيتنام إلى اليمن، وحاضرها لا يختلف عن ماضيها، فمدرستها لا تعرف سوى الحصار والقتل والتدمير.

عبر التاريخ اليمن لا يعرف الخنوع، ومن تحت الرّكام ينهض صوته لا ليستجدي تعاطفا، بل ليعلن الجهاد، ويرفع راية الصمود، ويبعث برسالة للعالم أن الشعب لا يُكسر، ولا ينسى، ولا يصفح.

صمود اليمنيين ليس شعارًا، بل فعل يتجسد في الميدان، وفي السفن المعطلة في عرض البحر، وفي موقف شعبي راسخ رغم الجراح والتداعيات.

والعدوان الأمريكي يؤكد رُعب واشنطن من صوت صنعاء، ومن الصواريخ التي عبرت البحار، ومن المواقف التي كسرت الصمت العربي، وجعلت من اليمن عنوانا للكرامة والمروءة.

لن يُمحى العار الأمريكي، ولن تنسى المجزرة، فكل شهيد سقط في رأس عيسى سيبقى شاهدا على الجريمة، ودمه سيكون عهدا لا يقبل المساومة، وإن ظنت أمريكا أن بوارجها ستحرسها، أو أن قواعدها ستمنحها الأمان، فهي لم تعرف عناد اليمنيين بعد، ولم تقرأ تاريخهم جيدا.

اليمنيون لا ينتظرون تحقيقات أممية شكلية، ولا مرافعات دولية مخدّرة، الدم اليمني وقود المعركة، وراية الكرامة، ومن تلك الدّماء المُراقة سيولد نصر، وتُكتب صفحة جديدة من صمود شعب لا يقبل الإذلال.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com