أفق نيوز
الخبر بلا حدود

برنامج “رجال الله”.. قراءة في تحذير الإمام من تكرار مسار بني إسرائيل (اليوم الثاني والثالث)

50

أفق نيوز| 

ألم يقل الله: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (الزمر:47) لو أن لك الأرض بكلها، ومثلها معها، وملؤها ذهباً، يوم القيامة عندما ترى جهنم، عندما تُبَرَّز جهنم للغاوين فتسمع شهيقها وزفيرها، وتسمع صراخها المرعب توَد لو أن الدنيا بأضعاف ما فيها لك لسلمتها فدية مقابل أن تنجى.. أليست الدنيا إذاً ثمناً قليلاً؟ أليست ثمناً قليلاً؛ ولهذا تجدون في كل موضع يقول:(ثمنا قليلا، ثمنا قليلا).

 

كلنا سواء من ينطلقون مقابل مصالح مادية، أو من ينطلقون باسم الدين نفسه فيتكيف مع هذا، وينسجم مع هذا، ويكتم جزءاً من الدين من أجل أن يرضى عنه هذا، أومن أجل أن يحصل على مساعدة منه، يقف معه موقفا باطلاً من أجل أن يدفع له أكثر حتى يتمكن من إقامة مراكز أكثر، ويقول باسم الدين، من أجل نصر المذهب [وسهل هذه ليست مشكلة, وسهل ذي الموقف يدخل معهم فيه وإن كان باطل] هذا نفسه من بيع الدين،هذا نفسه من بيع الدين بثمن قليل، بل هذا أسوء من الآخرين.

الذين باعوا الدين وهم حملة الدين، أو يكونوا في مواقفهم وإن كان من باب مراعاة المصلحة للدين، إنهم أسوء وأكثر أثراًَ وضرراً على الأمة؛ لأنه إذا باع أهل الدين الدينَ فمن أين ستلقى الدين نظيفاً ونقياً؟ بنو إسرائيل عندما باعوا الدين باعوه وهم حملته فكان بيع الدين هو إضلال للأمة؛ لأنهم من ينظر إليهم الناس في مختلف مراحل التاريخ أنهم الجهة التي يتلقون منها إرشادهم وتعليمهم، ويتلقون منها الكتب التي أورثهم الله إياها.

نحن كذلك إذا ما انطلقنا وقلنا: لدينا مشاريع دينية، ثقافية دينية، ولكن لا بأس ندخل مع هذا الحزب أو مع هذا، ونحاول أن نحصل على مساعدات من هنا أو من هنا، [وسهل نسكت عن هذه, ونسكت عن هذه، ونسكت عن هذا المبدأ، ونلغي هذا المبدأ، ونقف في هذا الموقف] إنه من بيع الدين، إنه من بيع الدين في العصر الذي الأمة أحوج ما تكون إليه كاملاً ونقياً.

أولسنا نرى الدين الآن على رقعة واسعة من الدنيا هذه؟ أليست البلاد العربية كلها تحمل اسم بلاد إسلامية؟. أليست هناك شعوب أخرى تمتد إلى أوساط آسيا، وإلى أوربا، وإلى بلدان أفريقيا، أليست رقعة البلاد الإسلامية واسعة؟ أليست إذاً مساحة الدين منتشرة بشكل واسع؟ لكن ما بال هذا الدين لم يعمل شيئاً لهذه الأمة؟ ما باله؟ إنه قدم ناقصاً.

حينئذ سيكون عملك وأنت مرشد، وأنت تملك مشروعاً ثقافياً دينياً لن يعمل شيئا للأمة، ولست تختلف عن الكثير من أمثالك، وعن من يملكون أكثر مما تملك من مشاريع دينية على طول وعرض هذه الرقعة الإسلامية الكبيرة، ممن لم يقدموا للأمة الحلول التي تضمنها ديننا، الحلول التي تضمنها كتابنا، الحلول التي وجهنا إليها نبينا (صلوات الله عليه وعلى آله).

ثم يقول: [حفاظاً على المذهب، حفاظاً على الدين، مراعاة للمصلحة العامة!] وكأن الدين أمامه هو أن يرى أن مدرسة كهذه أصبح في قاعتها ألف طالب.. هذا هو الدين! إن هناك ألف مليون, هناك ألف مليون مسلم.. أليس كذلك؟ فأنت تقول: ألف طالب أصبح لدينا (15) ألف طالب، لدينا (20) ألف طالب، لدينا كم معاهد، لدينا كم مراكز, عبارات من هذه.

انظر إذا كنت ممن لا يعمل على أن يقدم الدين كاملاً بنقائه وإن كنت تشعر بخطورة بالغة عليك فإن تلك الأرقام لا تشكل أي شيء في إضافتها إلى هذه الأمة التي هي أوسع مما لديك، والكثيرون داخلها يمتلكون أكثر مما تمتلك.

إن بيع الدين – سواء من قِبَل من يحملون اسمه, ومن يتحركون باسمه, أو من قبل بقية الناس – مقابل مصالح مادية لا يبررها إطلاقاً، لا تجد مبرراً لها إطلاقاً، لا أن تقول: حفاظاً على المصلحة العامة، ولا أن تقول: حفاظاً على المذهب.. ماذا يضرنا إذا سكتنا عن هذه مقابل أن يبقوا لنا [حي على خير العمل]، ويبقوا لنا أشياء من هذه الأخرى؟ فهذا هو المذهب نحافظ عليه!.

هذا ليس مبرراً، أنت تريد أن تحافظ على الدين، أنت تريد أن تعمل للدين؟ إن الدين للأمة، فانظر ما الأمة بحاجة إليه، انظر وضعيتها، وحلل وضعيتها، وانظر ما هو الذي ضاع من الدين في أوساطها فانطلق لتحييه إنه الدين، والحفاظ على الدين، والحفاظ على المصلحة العامة للأمة.. أنت تريد أن تحافظ على المصلحة العامة للأمة، أو لبلد، أو لشعب فحافظ على الدين بأكمله أن يُقدم لتلك الأمة، أوليس الدين لمصلحة الأمة؟ إن الدين لمصلحة الأمة فمن يهمه مصلحتها فليقدم الدين لها كاملاً، وليوجهها بتوجيه الدين كاملاً.

أما إذا قدمت الدين منقوصاً فأنت من تضرب الأمة وإن قلت من أجل مصلحة الأمة، وأنت من تضرب الدين وإن قلت حفاظاً على المذهب وعلى الدين.. الله لم يفرق، هو الذي تكفل بالمصلحة العامة لعباده, متى؟. متى ما ساروا على دينه على نحو كامل وصحيح، أما إذا آمنوا ببعض وكفروا ببعض، ألم تضرب المصلحة العامة في الدنيا والآخرة؟. {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة: من الآية33) ألم يقل هكذا؟. الخزي في الدنيا هو حفاظ على المصلحة العامة؟! العذاب العظيم في الآخرة هو حفاظ على المصلحة العامة؟! من أين جاء الخزي في الدنيا؟ ومن أين جاء العذاب العظيم في الآخرة؟ إنه من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض. فأنت يا من تُعلِّم، يا من ترشد، يا من لديك مشاريع, معاهد علمية، أو مراكز، أن تكون حركتك على هذا النحو هي في واقعها: إيمان ببعض وكفر ببعض، فإنك من تعمل على أن توقع الأمة في الخزي في الدنيا، وأن تسير بالأمة إلى العذاب العظيم في الآخرة.

في هذه النقطة؛ لأن الزعماء يعرفون أن السوق ينفق فيها بيع الدين بالدنيا، أننا أصبحنا جميعاً كمسلمين في مختلف الأقطار الإسلامية لا يهمنا الدين، يهمنا أن نرى مشاريع وإن كانت مشاريع بسيطة، وإن كانت مشاريع هي من قوتنا، هي قروض، هي من قوتنا، أو هي فضلة, فضلة ما انتهبه الآخرون من ثرواتنا.. متى ما أحد وعدنا بشيء من هذه انطلقنا وراءه، ولا نسأل عن دين.

بل ولا نسأل عن واقع الدنيا أنه ما قيمة ما يريد أن يقدمه لنا، أو ما قد قدمه لنا بالنسبة لما أكله علينا! أنه من أين جاء ما قدمه لنا، وما لمع شخصيته أمامنا به؟ هل هو من ثرواتنا الطبيعية؟ أم أنه من عرق جبيننا ومن قوتنا؟ أم أنه قروض تثقل كاهلنا، وتصنع لنا الأزمات، وتخنقنا سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، وتجعل زمام أمورنا بأيدي أعدائنا؟ حتى عن جانب الدنيا لا نستوضح، أما الدين فهو ذاك الذي لا نلتفت إليه.

لمّا كانوا قد عرفوا أن الأمة أصبحت على هذا النحو؛ انطلقوا كلهم كما انطلق فرعون يوم قال لأولئك في مواجهة ما كان يدعوهم نبي الله موسى إليه: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الزخرف:51) ألم يعرض مشاريع وخدمات‎مقابل هدي الله؟ ألم يقل هو لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}(غافر: من الآية29) اتركوا هذا الفقير، اتركوا هذا الصعلوك، اتركوا هذا المهين، هكذا يقول لموسى.

فانشدوا نحو فرعون، ليقل الله لفرعون ولهم في الأخير يوم غرقوا في قعر البحر: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} (طـه:79) أضل فرعون قومه وما هدى يوم قال: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} إنه المنطق الذي يتكرر على مسامعنا دائماً من وسائل إعلامنا، إنه كل ما يعرض في المناسبات الوطنية.

تأملوا التليفزيون في اليمن، في السعودية، في أي دولة عربية تعرض ما تسمى منجزات ومع أنشودة حماسية، وصور لمشروع هنا ومشروع هناك، ومصفاة للبترول هنا ومصنع هناك وأشياء من هذه.. هي نتاج عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً، والعشرون عاماً والثلاثون عاماً هي لأمة كفيلة بأن توصلها إلى دولة صناعية إذا كان هناك من يقومون على أمور الناس ممن هم مخلصون، ممن هم يعرفون كيف يبنون شعوبهم.

أولم تصل إيران الآن إلى دولة صناعية، ودولة منتجة، ودولة مصدرة لمختلف المنتجات؟ دولة استطاعت الآن أن تهدد أمريكا فعلاً، ألم تسمعوا أنتم في هذا الأسبوع أنهم هددوا أمريكا؟ وأولئك الذين ينتجون ما بين خمسة ملايين برميل بترول، وتلك الثروات التي يمتلكها هؤلاء العرب – لأنهم لم يبنوا نفوسهم ولم يبنوا شعوبهم؛ لأن كل ما يلمعون به أنفسهم إنما هو من فضلات ما ينتهبه الآخرون من ثرواتهم – هاهم يخضعون، ويركعون، ولا يستطيعون أن يقولوا كلمة.

الإيرانيون خرجوا في هذا الأسبوع وملئوا الساحات، وخرج الإمام الخامنئي, وكلهم هددوا أمريكا، وكلهم لعنوا أمريكا، وهم من كنا نسمع عنهم مباشرة أنهم كانوا يتمنون أن يدخلوا في حرب مباشرة مع أمريكا، قالوا: أمريكا هي كانت وراء العراق, يوم دخل العراق معهم في حرب شديدة وطويلة، أمريكا هي التي دفعته، أمريكا هي التي دفعت البلدان العربية الأخرى لترسل جيوشها، ولترسل مساعداتها

الكبيرة للعراق، ويقاتلون جميعاً صفاً واحداً ضد الإمام الخميني، وضد الشعب الإيراني، وضد الثورة الإسلامية، على الرغم من ذلك كله ألم يهدد هؤلاء الأمريكيين، هددوهم وفعلاً بدأ منطق أمريكا ضعيفاً.

لأنهم وعلى مدى عشرين عاماً فقط, عشرين عاماً التي هي قد تكون عمر رئاسة شخص، أو ملك من ملوك العرب، وبعضهم يبقى في حكمه خمسة وعشرين عاماً أو ثلاثين عاماً، وترى شعبه ما يزال فقيراً، ترى شعبه ما يزال ذليلاً، ترى شعبه متى ما سمع تهديداً ونظر ورجع إلى نفسه رأى أنه لا يمتلك قوته فيخاف أن يقول كلمة جريئة أمام أعدائه. أولئك هم من استطاعوا أن يخفضوا إنتاج البترول عما كان عليه أيام ملك إيران السابق، خفضوه بنحو مليونين برميل في اليوم، واستطاعوا بعد التخفيض أن يبنوا إيران في مختلف مجالات الحياة، وهاهم لما انطلقوا وعلى مدى عشرين عاماً فقط لما سمعوا تهديد أمريكا استطاعوا أن يصرخوا في وجه أمريكا وأن يتحدوها، ورأينا فعلاً كيف بدا زعماء آخرون من الغرب وكيف بدا [الكونجرس] الأمريكي نفسه يهاجم [بوش] على سياسته القاسية، ستضرب مصالح أمريكا هوِّن.

هذا ما كنا نقوله للناس: أولئك جبناء، أولئك يرون أن مصالحهم تحت أقدامنا لو نعرف واقعنا إنهم أحوج إلينا من أي أمة أخرى، إنهم من يجب أن يكونوا تحت رحمتنا لو كنا نفهم، إن مجاميعنا هذه هي سوقهم الاقتصادية، إن خيرات أوطاننا هي المواد الأولية التي تحرك مصانعهم، إن البترول هو من أرضنا أكثر من 85% من احتياطي العالم من البترول هو في البلاد الإسلامية أكثر من 85%, هم من هم تحت رحمتنا لو كنا نفهم.

هل تحرك [الكونجرس] الأمريكي وهاجم [بوش]؟ متى تحرك؟ بعدما تحرك الإيرانيون وتهددوا وقالوا: لو تضرب أمريكا، أو تفكر أن تضرب فسيتلقون ضربة مباشرة وشديدة. هم يعرفون إيران، ويعرفون شعب إيران، ويعرفون أن إيران استطاعت أن تبني نفسها عسكرياً واقتصادياً وثقافياً.

لكن الآخرين مازالوا هكذا، همهم أن يبقوا في مناصبهم، ونحن همنا أن ننظر إلى ما يمكن أن يقدموه لنا من مشاريع بسيطة لا تعمل شيئاً، ليست في قائمة (البُنَى التحتية الاقتصادية) – كما يقولون – ولا تشكل في واقعها تنمية حقيقية؛ لأنهم عرفوا أن هذا هو همنا، أن هذا هو ما نريد، أننا نفوس حقيرة، أننا نفوس ضعيفة، ليس لدينا طموحات، ليس لدينا أهداف، ليس لدينا شعور بكرامة، ولا بعزة، يُسْلِينا أي شيء، يرضينا أي شيء، وليكن هذا الشيء البسيط هو ثمن ديننا لا نفكر ولا نعبأ به.

 

تراهم في كل مناسبة وطنية يعرضون علينا المنجزات! نحن نقول: أين المنجزات الحقيقة التي تحافظ على كرامتنا؟ أين البناء الاقتصادي، والتنمية الحقيقية التي تجعلنا أمة تستطيع أن تقف على قدميها؟ إذا كنتم تبنون مستشفى هنا، ومستوصف هناك من أجل متى ما أحسسنا بألم ما صداع في الرأس، أو جرح، أو ضيق في الشرايين، أو في التنفس،

يكون هناك أمامنا مستشفى.. إننا نعيش الألم النفسي، نعيش ألماً شديداً ليس من نقص في الفيتامينات إنما من نقص في الكرامة وفي العزة، نقص في الحياة الكريمة التي أراد ديننا أن تتوفر لنا، نعيش الألم فأين هو العلاج؟ نعيش الجوع الذي سيجعلنا مستسلمين أمام أعدائنا فأين هو الغذاء من أوطاننا؟ هذا هو العلاج الحقيقي، هذا هو العلاج الحقيقي.. هل هناك عمل على توفيره؟ لا يوجد. لماذا؟ لأن الشعوب نفسها لا تتحدث مع أولئك.

نحن قلنا في الجلسة السابقة أنه يجب في كل انتخابات أن نقول: نحن لسنا مستعدين أن نصوت لأحد إذا لم نراه يهتم باقتصادنا، ببناء اقتصادي تقوم عليه أقدامنا، اقتصاد صحيح، تنمية حقيقية، زراعة.

النساء عندما كن يصوتن في حجة, وفي مناطق أخرى مقابل [تنانير]، تنور من الغاز، بعض الأعضاء وزعوا كميات كبيرة من التنانير، تنانير الغاز للنساء ليصوتن، وزوجها مرتاح أن صوت زوجته وفَّر له تنور، لكن التنور هذه, الخبز الذي تريد أن تصنعه فيها من أين يأتيك؟ حاول – على أقل تقدير – أن تصوت للخبز أولاً، صوت ولا تعط صوتك إلا لمن يوفر لك خبزك وطعامك من داخل وطنك، أما التنور فهي تلك التي لا تنفعك فيما بعد عندما ترى لا دقيق ولا قمح موجود.

عند ما يقال أن هناك إرهابيين في اليمن إذاً فليحاصر اليمن، إذاً فليضرب اليمن، التنانير ستبقى حينئذ باردة لا تشتغل، وسنرى الأراضي الواسعة الشاسعة في بلادنا بيضاء, بيضاء لا تزرع، ويتعاقب الزعماء زعيما بعد زعيم، وأعضاء مجلس النواب عضواً بعد عضو، وأعضاء الحكومة عضواً بعد عضو أيضاً، وما تزال أراضي بيضاء.

لكن إذا ما كانت الزراعة لصالحهم فسيزرعون (المانجو) ليبيعوه بالملايين، ويصلحون تلك الأراضي الواسعة ومن مال من يصلحونها؟ الله يعلم من مال من يصلحونها؟ وتلك العائدات التي تدرُّ عليهم هذه المزارع الكبيرة, مزارع (المانجو) الله أعلم في أي بنوك تودع؟ الله أعلم من هو الذي يستثمرها فيجني من ورائها أكثر مما يجنونه هم من تلك المزارع؟ ألم تصبح حينئذ الأراضي قابلة للزراعة؟!. لكن للحبوب غير قابلة للزراعة، لمختلف المنتجات الزراعية التي المواطنون بحاجة إليها غير قابلة للزراعة!.

القروض الكثيرة جداً تتوارد على البلاد أيضاً لا تصرَّف إلى المجال الزراعي. لماذا مشى كل هذا؟ لأننا لا نتفوه بكلمة، نحن لا نعرف مصالحنا، ما قالوا هم بأنه مصلحة لنا نُسلِّم! حتى عندما يقولون: نحن سنكافح الإرهاب، وأمريكا تريد منا أن نتصدى للإرهاب, لأي كتاب إرهابي، لأي مدرسة إرهابية، لأي مدرسة تحفيظ قرآن إرهابية تُصَنَّف عند أمريكا إرهابية، لأي شخص يقال أنه إرهابي سنضربه حفاظاً على مصلحة الوطن لأن لا تضربه أمريكا، أو نواجه بحصار من جانب أمريكا!. أليسوا هم من يرسمون لنا المصالح، ونسلِّم؟ مع أنها ليست مصالح حقيقية.

الأمر الذي يكف عنكم الضغط الأمريكي، الذي اضطركم إلى أن تجندوا أنفسكم وتستعدوا لمكافحة كل ما قالت أمريكا أنه إرهابي، وأنتم من رأيتموهم يسألونكم عن مدارس تحفيظ القرآن، ويسألونكم عن (مركز بدر)، وسيسألونكم عن مراكز [الشباب المؤمن]، وسيسألونكم عن المساجد الفلانية، وعن العلماء الفلانيين، وعن، وعن… قائمة طويلة عريضة.

دعوا الشعب يصرخ في وجه الأمريكيين، وسترون أمريكا كيف ستتلطف لكم.. هي الحكمة. ألسنا نقول: أن الإيمان يماني، والحكمة يمانية؟ أين هي الحكمة؟ إن من يعرف اليهود والنصارى، إن من يعرف أن كل مصالحهم في بلادنا، لو وقف اليمن ليصرخ صرخة في أسبوع واحد لحولت أمريكا كل منطقها، ولعدّلت كل منطقها، ولأعفت اليمن عن أن يكون فيه إرهابيين.

هكذا عمل الإيرانيون، هل انطلق رئيسهم، هل انطلق قائدهم الأعلى ليقول: اسكتوا أمريكا تهددنا؟ والمواطنون يعلمون فعلاً أنهم مستهدفون، وقد عانوا من حصار اقتصادي طويل، لكن الإمام الخميني كان يقول لهم: إنه في مصلحتكم، إنكم حينئذ ستتجهون لبناء أنفسكم, والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات داخل وطنكم.

هؤلاء هل انطلقوا ليقولوا للناس اسكتوا؟ أم أنهم خرجوا إلى الميادين زعماء، وإمام، وشعب ليتحدوا أمريكا؟. ويأتي التهديد من كل المسئولين بما فيهم وزير الدفاع نفسه يتهدد بضربة مباشرة. ألم تغير أمريكا منطقها؟ تأملوا أنتم، لأن الكثير منا يخافون أيضاً [قد يضربنا الأمريكيون، قد يحصل.. قد يحصل]..

إذا كنت تريد أن تسلم أولئك فامش على قاعدتهم هم، هم الذين يقولون: [إذا أردت السلام فاحمل السلاح] هذا مثل أمريكي [إذا أردت السلام فاحمل السلاح].

عرفات ألم يبحث عن السلام؟ هل وجد سلاماً؟ متى فقد السلام؟ ومتى فقد الفلسطينيون السلام؟ يوم القوا بأسلحتهم وانطلقوا على طاولات المفاوضات، مفاوضة بعد مفاوضة، مفاوضات طويلة عريضة ثم بعد فترة تتلاشى كلها وتتبخر. هل حصلوا على سلام؟ إن هذا هو منطق الأمريكيين أنفسهم: [إذا كنت تريد السلام فاحمل السلاح].

إذا كان اليمنيون يريدون أن يسلموا شر أمريكا فليصرخوا جميعاً في وجهها، وليتحدوها، وليقولوا: ليس هناك إرهاب داخل بلادنا. لكن ما الذي يحصل؟ أمر بالسكوت من الكبير والصغير، وكله يُقدم تحت عنوان [حفاظاً على مصلحة الشعب].

نحن نقول: إن القرآن الكريم هو الذي علمنا مصالحنا، إن الله سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا أن من يسارع إلى اليهود والنصارى لا يمكن أن يبرر مسارعته بأنه من منطلق الحفاظ على المصلحة, وأنه فيما لو قال ذلك وكان في واقع نفسه معتقداً لذلك فإنه مخطئ، فإنه مخطئ؛ لأنها ليست مصلحة، أنت تريد أن تحافظ على مصلحة شعبك دع شعبك أن يصرخ كله، وأن يخرج في مسيرات كبيرة.. إذا ما قال الأمريكيون: أن هناك إرهابيين في اليمن، وهم من سيكفون أيديهم، وسينسلون، ويكممون أفواههم حينئذ ستحافظ على مصلحة شعبك.

ولا تتوقع أنهم سيحاصرونك اقتصادياً، هم جربوا عندما حاصروا إيران اقتصادياً أنهم هم من خسروا، أن الشركات الأمريكية هي من صرخت في وجه الحكومة الأمريكية جرّاء الخسارات الكبيرة التي فقدتها، بينما شركات أخرى فرنسية، وألمانية، وصينية، وغيرها هي التي كانت هي المستفيدة، من الذي خسر في الحصار ضد إيران؟ إنهم الأمريكيون أنفسهم، من الذي خسر من الخروج من إيران؟ إنهم اليهود, إسرائيل هي التي خسرت.

وما الذي يحصل أيضاً مع الأمر بالسكوت؟ من يتأمل – وحاولوا أن تتأملوا وتسمعوا كثيراً – هناك منطق يتكرر كثيراً، منطق يقوم على أساس أن يرسخ في نفوسنا أنه لا شرعية لأحد أن يتحرك ضد أمريكا اللهم إلا إذا كان قد أصبح يُعاني ويُضرَب كما هو الحال في فلسطين، حينئذ يمكن أن يقال: أن المقاومة مشروعة، ولكن بمنطق بارد، وقليلٌ من يؤيد هذا.

ألسنا نسمع الآن بأنه نحن نمنع أن تكون حماس إرهابية؟ أو أن يصنف الفلسطينيون بأنهم إرهابيون؟ أو أن يصنف حزب الله بأنه إرهابي؟ لأنهم ماذا؟ لأنهم يقاومون احتلالاً.. لكن آخرون ينطلق منهم مواقف ضد أمريكا في أي بلد عربي إسلامي سيقول الجميع: أنتم إرهابيون! لماذا؟ لأنه لا مبرر لكم أن تتحركوا، أليس هذا هو ما يحصل؟ يفهموننا نحن أنه لاشرعية لأحد أن يتحرك ضد أمريكا اللهم إلا متى ما أصبحت وضعيته كوضعية الفلسطينيين.

أي لا شرعية لك أن تقاوم وأن تتحرك وأن تواجه إلا بعد أن يصل بك اليهود والنصارى إلى وضعية لا يكون لتحركك أي جدوى، فحينئذ سيتفضل عليك هؤلاء الزعماء ويقولون: لا بأس أنت لن نسمح بأن تصنف إرهابي. لكن لن يقدموا لك شيئاً، ولن يدفعوا عنك شيئاً، أليس هذا هو ما يحصل مع الفلسطينيين أنفسهم؟.

يتمنن زعيم من هنا أو هناك أن يقول: لا، الفلسطينيون ليسوا إرهابيين، هم يقاومون الاحتلال.. ويرى هذه كلمة كبيرة، ويراها منّة على شعبه، ويراها منّة على الفلسطينيين، لكن هل عمل هؤلاء للفلسطينيين شيئاً؟ ألسنا نرى الفلسطينيين يذبحون كل يوم، وتدمر مساكنهم، ومزارعهم تقلع وتدمر؟ ما الذي عمل هؤلاء للفلسطينيين؟ ماذا عمل هؤلاء لحزب الله؟ ماذا عمل هؤلاء لحماس؟.

لماذا أما الغربيون: دول، وشعوب، وأفراد وهو ما حصل بعد حادث [الحادي عشر من سبتمبر] بشكل صريح.. ألم ينطلق المواطنون في فرنسا، وفي بريطانيا، وفي أمريكا، وفي استراليا، وفي ألمانيا، وفي مختلف المناطق ضد المسلمين في تلك البلدان؟ ألم تنطلق الصحف؟ ألم تنطلق وسائل الإعلام كلها لتهاجم الإسلام والمسلمين؟ هم انتظروا أحداً يمنحهم شرعية؟ أم أنهم يرون أن لهم شرعية؟ لأنهم يعتبرون الإسلام والمسلمين أعداء ولك حق في أن تقف في مواجهة عدوك.

لكننا نحن المسلمين نُثقف هكذا: ليس لليمنيين حق أن يقفوا في مواجهة أمريكا وإسرائيل، وليس للسعوديين حق، وليس للإيرانيين حق، وليس لأي مواطن في أي بلد عربي حق أن يقف ضد أمريكا، سيقولون ماذا تعني؟ ماذا تريد؟ ماذا تريد عندما تقول هكذا؟ أنت الآن إرهابي، هل ضربتك أمريكا الآن أو عملوا بك شيئاً؟.

نقول: أنت تريد أن أنتظر حتى يدوسوني بأقدامهم، ثم فقط يكون كل ما أريده وأنا منتظر منك، كل ما أريده منك أن تقول لي في الأخير: أنني لست إرهابياً, وأنت في الأخير لا يمكن أن تعمل لي شيئاً!.

الزعماء أنفسهم هم من سيقعون فيما وقع فيه عرفات.. وهل أحد من زعماء العرب عمل لعرفات شيئاً؟ بل يقول بعض الكتاب في الصحف: أنه فعلاً حتى الاتصالات، الاتصال من زعماء العرب أنفسهم بعرفات كلهم أقفلوا الاتصالات معه, ولا كلمة يسمعها، ويسجن داخل بيته ولا أحد يقدم له شيئاً، ولا أحد يتصل حتى يواسيه بكلمة!. هذه ما يجب أن نقاومها.. هذا ما يجب أن نرفضه.

إن اليهود والنصارى يقاتلوننا كافة، والله يأمرنا أن نقاتلهم كافة كما يقاتلوننا كافة، إنهم يتحركون في كل شعب، وهل هناك دولة إسلامية تضرب بريطانيا، أو دولة إسلامية تضرب فرنسا حتى ينتظر الفرنسيون أن يوجد لهم المبرر أن يتحركوا ضد المسلمين؟ أم أن كثيراً من المسلمين الآن ما يزالون سجناء بما فيهم يمنيون؟ سجناء في أمريكا، وسجناء من مختلف المناطق، وأشخاص قتلوا.

حتى نشرت بعض الصحف أن أربعة يمنيين من مدينة [القاعدة] قتلوا واستجوب كثير منهم؛ لأن في وثائقهم اسم [القاعدة] – والقاعدة هي مدينة في اليمن – ظنوا أنه من تنظيم القاعدة تنظيم [أسامة بن لادن] وهو من مدينة القاعدة مدينة هنا اعتقد في محافظة [إب]. محل الميلاد [القاعدة], قالوا: إذاً أنت من القاعدة .. قتل أربعة أشخاص لاشتباههم في الاسم.لكننا نحن لا يجوز لنا أن نصرخ في اليمن، ولا في أي بلد عربي آخر، ونحن نُضرب في كل مجالات حياتنا، ونحن نرى ديننا يهدد، أولسنا كلنا نعرف أن الإسلام والمسلمين يواجهون بهجمة شرسة جداً من دول الغرب كلها؟. أليس هذا هو ما نلمسه؟. فلماذا يريد هؤلاء أن لا نتكلم لا في اليمن ولا في أي منطقة أخرى؟. لأنه لاشرعية لك أن تقول إلا بعد أن يصل أولئك إلى عندك فيدوسونك بأقدامهم.

تأملوا ستسمعون هذه العبارات تتكرر، ودائماً وسائل إعلامنا تخدم إسرائيل من حيث تشعر أو لا تشعر، وترسخ في أذهاننا شرعية بقاء إسرائيل كدولة، وشرعية تحرك أمريكا ودول الاستكبار ودول الكفر دول اليهود والنصارى ضد المسلمين شعوباً وحكومات ولا تمنح الشرعية إلا لفئات معينة!. ماذا يعني هذا المنطق عندما نسمع [أنه لا أما حماس وحزب الله وحركة الجهاد والفلسطينيين لا نسمع أن يصنفوا أنهم إرهابيين] ماذا يعني هذا؟، أما الباقون فإذا ما صرخ أحد ضدكم فهو إرهابي، أما الباقون في مختلف الشعوب الإسلامية فإذا ما تحركوا لمواجهتهم فهم إرهابيون وسنكون معكم ضدهم.

أليس هذا هو ما يعني حصر؟ حصر ماذا؟ حصر من نعزلهم عن قائمة اسم إرهاب في منظمات معينة بحجة أنها تقاوم احتلالاً مباشراً أولسنا محتلين في اقتصادنا، في سياستنا، في كل شئون حياتنا؟.أوليس العرب مستعمرين الآن؟ هم مستعمرون، أي زعيم يمكن أن يقول كلمة جريئة إلا ويسحبها بعد ساعة أو ساعتين؟ أليس هذا يعني استعمار؟.

استعمار في كل مجالات شؤوننا، وحرب لديننا نراها ونشهدها، وإفساد في أرضنا، وإفساد لشبابنا، وإفساد لنسائنا، وإفساد لكبارنا وصغارنا.. أليس هذا هو ما يحصل في البلاد العربية كلها؟.

 

 

 

اسأل الله سبحانه وتعالى أن يسير بنا على طريق رضوانه وجنته، على الصراط المستقيم، صراط

الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

 

دروس من هدي

القرآن الكريم

((من   ملزمة لتحذن حذو بني))

القاها: الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ  2002/2/7

اليمن – صعدة