أفق نيوز
الخبر بلا حدود

إغلاق ميناء إيلات.. شهادة العدو على نجاح اليمن في نصرة غزة

106

في لحظة تاريخية فارقة، يسدل الستار اليوم في مشهد طالما أرق الكيان الإسرائيلي، مع الإعلان الرسمي عن إغلاق ميناء أم الرشراش “إيلات” الواقع في أقصى الجنوب الفلسطيني المحتل. هذا الإغلاق، الذي يأتي ثمرةً مباشرة للعمليات البحرية اليمنية المستمرة في البحر الأحمر، لا يمثل مجرد ضربة اقتصادية موجعة، بل هو شهادة دامغة من ألسنة الأعداء أنفسهم على حجم الدعم اليمني غير المسبوق لغزة، وتأكيد على قدرة القوات المسلحة اليمنية على فرض معادلات جديدة في المنطقة.

لم تكن نصرة اليمن لغزة مواقف سياسية عارية من التواجد على أرض المعركة، وإنما تجسدت في خطوات عملية أذهلت العالم. فمنذ اللحظة الأولى للعدوان على القطاع، تحول اليمن، رغم ظروفه الصعبة والحصار المفروض عليه، إلى قلعة صمود لا تلين. ففي مواجهة الترهيب الأمريكي والإسرائيلي، كان الألم الفلسطيني دافعاً للقوات المسلحة اليمنية نحو الابتكار والتصنيع. هكذا أبصرت النور صواريخ فرط صوتية وطائرات مسيرة متطورة، لتوجه ضربات موجعة إلى عمق الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، محدثة صداعاً لا ينتهي في أروقة “تل أبيب”.  القصة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي عرض البحر، حيث تتجلى قوة السيطرة والتحدي، يسجل اليمنيون انتصاراً بحرياً فريداً من نوعه. لقد تمكنت القوات البحرية اليمنية، بإمكاناتها المتواضعة، من فرض حصار خانق على الكيان الإسرائيلي، مانعة مرور السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة عبر البحر الأحمر. كان ميناء “إيلات” في قلب هذه المعركة، حيث تحولت حركة الملاحة فيه إلى سراب، لتتكبد شركات النقل خسائر فادحة، ويصبح الإغلاق النهائي حقيقة ماثلة.

 لماذا تم إغلاق ميناء “إيلات”؟

في الـ16 من يوليو الجاري أعلن العدو الإسرائيلي أنه سيوقف العمل في ميناء “إيلات” في الـ20 من يوليو، لعجزه عن سداد ديونه إثر انخفاض حاد في إيراداته جراء الحصار البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية. القناة 12 العبرية قالت: “اضطرت بلدية إيلات إلى الحجز على حسابات الميناء، وبالتالي ستُغلق أبوابه ابتداءً من الأحد”. وأوضحت أن سبب الإغلاق هو الحجز على جميع حسابات الميناء بسبب ديون مستحقة للبلدية.
وأضافت أن الديون تبلغ نحو 10 ملايين “شيكل” (حوالي 3 ملايين دولار)، وتراكمت على الميناء نتيجة عدم دفع الضرائب للبلدية. مشيرة إلى أن “الديون تراكمت على الميناء نتيجة الانخفاض الحاد في إيراداته”، جراء “النشاط العدواني للحوثيين في البحر الأحمر” حسب قول القناة.
وحسب البيانات المالية للميناء، بلغت إيراداته في عام 2024 نحو 42 مليون “شيكل” فقط (12.52 مليون دولار)، مقارنة بحوالي 212 مليون “شيكل” (63.19 مليون دولار) في عام 2023، بانخفاض قرابة 80% وفق القناة.
ويُعد ميناء “إيلات” أحد أهم الموانئ بالنسبة للكيان الصهيوني، فهو الميناء الوحيد المطل على البحر الأحمر، ويمثل بوابة رئيسية للتجارة مع آسيا وأفريقيا، ويوفر الميناء للعدو الإسرائيلي منفذاً إلى دول الشرق دون الحاجة إلى قناة السويس.
وحتى بداية الحرب على غزة، كان النشاط الرئيسي للميناء هو استيراد السيارات، حيث تم فيه تفريغ نصف السيارات المستوردة، إضافة إلى تصدير الأسمدة والمعادن. كما يوجد فيه خط أنابيب “إيلات ـ عسقلان”، لنقل النفط الخام من ميناء “إيلات” إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسط، حسب القناة.
وبدأ الانهيار في نشاط حركة البضائع (حركة الشحن) في ميناء “إيلات”، مع بداية الربع الأخير من العام 2023 (أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول)، وصولاً إلى الأشهر الـ6 الأولى من العام 2024، ويقصد بحركة البضائع الشحنات التي تم تفريغها في الميناء، وتلك التي تم تحميلها منه إلى السفن.
وخلال الفترة المذكورة، سجل الميناء أسوأ رقم له منذ 10 سنوات من حيث نشاط حركة البضائع، إذ تظهر البيانات، أنه خلال العام 2014، وصل نشاط حركة البضائع في ميناء “إيلات” إلى 2 مليون و310 آلاف طن، لكنه بلغ في العام 2024 (حتى شهر حزيران)، 354 ألف طن فقط، أي أن الميناء خسر نحو 85% من نشاطه في حركة البضائع.
وانخفضت نسبة الشحنات الواصلة للميناء خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2024، بنسبة 85%، مقارنة مع نفس الفترة من 2023. كما انخفضت نسبة الشحنات الخارجة من الميناء خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2024، بنسبة 54.3%، مقارنة مع نفس الفترة من العام 2023.
وسجل الميناء خلال أشهر أكتوبر، ونوفمبر، وديسمبر 2023 بداية الانخفاض الملحوظ في نشاطه، وأصبح شبه مغلق بعدما بدأ الجيش اليمني في نوفمبر 2023 بضرب السفن في البحر الأحمر، وفي هذه الأشهر الثلاثة وصل نشاط حركة البضائع في ميناء “إيلات” إلى 438 ألف طن، فيما كان نشاط البضائع في الميناء خلال الربع الثالث من 2023، قد سجّل 539 ألف طن.

التأثير على ميناء حيفا

وخشية أن يلقى ميناء حيفا مصير ميناء “إيلات”، تواصل العدو الإسرائيلي مع شركات التأمين البحري بشأن تغطية مخاطر الحرب للسفن التي لها علاقات غير مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، وسط مخاوف من أن هجمات الجيش اليمني المتتالية في البحر الأحمر قد تضر بحركة المرور في ميناء حيفا، حسبما قال مصدران في مجال الشحن لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
وقال أحد مصادر الشحن لموقع ميدل إيست آي: “هناك نقاش كبير في السوق حالياً حول ما إذا كان ينبغي لشركات التأمين تغطية السفن التي لها اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل”. وأضاف: “هذا ليس في صالح “إسرائيل”. الصورة العامة سيئة. لقد تواصل الإسرائيليون مع شركات التأمين والشحن”.
العدو الإسرائيلي أعرب عن قلقه بعد أن قررت شركة التأمين الأمريكية “ترافيلرز” عدم تمديد تغطية مخاطر الحرب على سفينة “إترنيتي سي” قبل مرورها في البحر الأحمر. ومن المرجح أن يؤدي هذا القرار إلى إلحاق خسائر بالمشغّل اليوناني، كوزموشيب مانجمنت، تُقدّر بنحو 20 مليون دولار بناءً على القيمة التقديرية للسفينة.
وهذا يعني أيضاً أن مالكي السفن ومشغّليها قد يتجنبون الرسو في الموانئ الإسرائيلية خوفاً من عدم الحصول على تغطية في المستقبل.
وقال مسؤول في الأمن البحري: “ستبدأ السفن بتجنب الرسو في الموانئ الإسرائيلية. الأمر لا يتعلق بالتعرض لهجمات الحوثيين، بل باحتمالية عدم الحصول على التأمين”. وتساءل: “هل يعني الارتباط الثانوي أو الثالث بإسرائيل إمكانية حرمانك من التغطية التأمينية؟”

 شهادات دامغة على قوة التأثير اليمني

لطالما سعت وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية إلى التقليل من شأن العمليات اليمنية، لكن الواقع على الأرض كان أشد بلاغة. ففي الفترة الأخيرة، ومع تفاقم الأزمة في ميناء “إيلات”، بدأت التقارير الصحفية تكشف المستور، لتعترف بلسان حالها بعمق التأثير اليمني.  لقد أكدت صحيفة “ذا كريدل” الأمريكية، استحالة استمرار ميناء “إيلات” في العمل طالما استمرت العمليات اليمنية ضد السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر. وأشارت الصحيفة إلى أن اليمن نجح في إغلاق أهم الموانئ الحيوية للكيان، مؤكدة أن “الميناء الإسرائيلي لا يمكنه الاستمرار في العمل مع استمرار البحرية اليمنية في فرض حظرٍ على الملاحة المتجهة إليه عبر البحر الأحمر”.  الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فصحيفة “غلوبس” الإسرائيلية المتخصصة في الشأن الاقتصادي، أشارت إلى أن الحصار اليمني تسبب في شلل كامل لميناء “إيلات” وإغلاقه بشكل رسمي في هذا اليوم، 20 يوليو 2025، وهي سابقة لم تحدث منذ نشأة الكيان الإسرائيلي. هذا الإغلاق لم يأتِ من فراغ، بل سبقه حجز الحسابات البنكية للميناء، وفشل مفاوضات التسوية، ما يؤكد حجم الضغط الذي مورس عليه.  كما نقلت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية عن مصادر عبرية، في وقت سابق، أن إغلاق ميناء “إيلات” يعد انتصارا واضحا للقوات المسلحة اليمنية، وهزيمة للاقتصاد الإسرائيلي برمّته”.

خيارات صعبة وتداعيات طويلة المدى  

وضع الحصارُ البحري اليمني الكيانَ الإسرائيلي أمام معضلة حقيقية. موقع “أويل برايس” البريطاني، المتخصص في شؤون الطاقة، أكد أن “الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين صعبين: إما تحمل الخسائر مع استمرار إغلاق الميناء الاستراتيجي، أو التخلي عن ممر البحر الأحمر تماماً”. وأشار الموقع إلى أن هذا الحصار البحري يحمل تداعيات طويلة المدى، مؤكداً “من منظور قطاع الطاقة، فإن الإغلاق لا يؤثر سلباً على أحجام التجارة العامة فحسب، بل يؤثر أيضاً على التدفقات الاستراتيجية، مثل صادرات البوتاس الإسرائيلية، وحركة النفط الخام عبر خط أنابيب إيلات-عسقلان”.  الانهيار المالي في “إيلات”، بحسب موقع متخصص في شؤون الطاقة، يعكس “هشاشة البنية التحتية اللوجستية للكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر، والتي تتعرض لضغط هائل ودائم بسبب العمليات البحرية اليمنية”.

   رسالة ردع قوية.. اليمن يفرض معادلات جديدة  

يمثل إغلاق ميناء إيلات نصراً استراتيجياً كبيراً للقوات المسلحة اليمنية، التي فرضت ردعاً جديداً غيّر مفاهيم النفوذ وموازين القوى في المنطقة. هذا التطور غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ويؤكد على أن كل الخطط الاقتصادية والعسكرية الأمريكية والإسرائيلية فشلت في تخفيف وطأة الحصار الذي فرضته قوات صنعاء على الملاحة الإسرائيلية. لقد كانت المحاولة الأخيرة لحكومة الاحتلال لإعادة تشغيل ميناء “إيلات”، والتي قوبلت برد حاسم من قبل القوات المسلحة اليمنية بإغراق سفينتي “إتيرنيتي سي” و”ماجيك سيز” في البحر الأحمر، بمثابة رسالة ردع قوية لشركات الملاحة البحرية من خطورة التعامل مع الموانئ الإسرائيلية ومغبة خرق قرار الحظر المفروض.  باتت السفن العابرة في البحر الأحمر تحرص على التعريف بنفسها والتواصل مع القوات البحرية اليمنية، والتأكيد على عدم علاقتها بالكيان الإسرائيلي. هذا المشهد يؤكد أن اليمن، بإمكاناته المتواضعة وظروفه غير المواتية، سجل أروع صور الإخلاص في إسناد غزة، وقدم درساً ملهماً لكل الدول، يؤكد أن النصر لا يكمن في العتاد، بل في الإيمان بالحق والصمود في وجه التحديات.

    تراجع الهيبة الأمريكية وتحدي الهيمنة الغربية

إن فشل القوات البحرية الأمريكية والغربية في حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، أمام القدرات اليمنية المتنامية، يُشكل تراجعاً كبيراً في هيبة القوة العظمى، ويُقدم دليلاً مادياً على محدودية تأثيرها. فبعد إعلان واشنطن عن تشكيل تحالف دولي لـ”حماية الملاحة في البحر الأحمر”، جاء إغلاق ميناء “إيلات” ليُفند هذه المزاعم، ويُظهر أن الإرادة اليمنية كانت أقوى من أعتى الأساطيل البحرية في العالم.  هذا التطور سيُعزز من الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على فرض هيمنتها في المنطقة، ويُشجع قوى إقليمية أخرى على تحدي الوجود الغربي، ما قد يُسهم في تسارع وتيرة التغير في موازين القوى العالمية، نحو عالم متعدد الأقطاب.