من التلمود إلى التنكيل.. العنف الصهيوني كتطبيق ديني متطرف
فهد شاكر أبوراس
لطالما استند الكيان الصهيوني في مشروعه إلى منظومة مدروسة من المعتقدات الدينية المتطرفة، التي تمتد جذورها إلى نصوص تلمودية وتوراتية مشوَّهة. فاليهودي لا يرى في العربي مُجَـرّد كائن منبوذ فقط، بل يصنّفه في مراتب أدنى حتى من الكلاب والخنازير.
الحاخام “يعقوب بيرين” يصرّح في دروسه السرية بأن “أرواح العرب من عالم الشرور”، بينما يروّج حاخامات المستوطنات أن “دم العربي مباح كالحشرات”، مستندين إلى نصوص من كتاب “شولحان عاروخ” التي تسوّغ إهانة غير اليهود.
وهذه العقيدة العنصرية ليست مُجَـرّد تراث ميت، بل هي الوقود اليومي الذي يحرّك جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. فما يحدث اليوم في غزة من ذبح للأطفال وتدمير للمستشفيات ليس سوى ترجمة عملية لنصوص تلمودية تعلن أن “الأميين خُلقوا ليخدموا اليهود كالبهائم”، كما ورد في “مشنا توراة”.
وإذا ما انتقلنا إلى آلة القتل المنظّمة، نجد أن الصهيونية حوّلت تلك النصوص التلمودية المتطرفة والدموية إلى ممارسات منهجية. فالحاخام الأكبر “إسحاق هرتسوغ” بارك مجازر غزة قائلًا: “هذا تطهير مقدّس”، فيما وزير الأمن الإسرائيلي يتلو مزامير داوود أثناء قصف البيوت!
لقد تجاوز الكيان الصهيوني كُـلّ الأعراف الدولية والإنسانية، وما ذلك إلا لإيمانه بأن الدم الفلسطيني ليس أكثر من “قربان” يُقدَّم على مذبح “هيكل سليمان” المزعوم. فالمقاتل الصهيوني – وفقًا لكتيبات الجيش الدينية – يعتبر كُـلّ شهيد فلسطيني “قربانًا” يرضي الرب، وهذه ليست تأويلات متطرفة، بل هي سياسة دولة تكرّسها الكتب المدرسية في المستوطنات، حَيثُ تُعلّم الأطفال اليهود أن العرب “أمة من العبيد” خُلقوا لخدمتهم.
وهذا “الاحتقار المقدس” للعرب عند اليهود تحوّل إلى استباحة كاملة لكل ما يملكون. فالمستوطن الذي يحرق بساتين الزيتون في نابلس يعتقد أنه ينفّذ وصية “تثنية 20: 14” التي تأمر باغتنام ممتلكات الأمم، والجنود الذين يسرقون التحف الأثرية في غزة يستندون إلى فتاوى حاخامية تزعم أن “ثروات الأمم جميعها ملك لشعب الله المختار”. وحتى اغتصاب الأرض لا يتم بقوانين الاحتلال فقط، بل بتعاليم دينية كتلك التي يروّجها حاخام “حائط المبكى” شموئيل رابينوفيتش، الذي يدّعي أن “أقدام غير اليهود تدنس الأماكن المقدسة”. وهي نفس العقلية التي تمنع العائلات الفلسطينية من استعادة منازلها، لأن “التلمود” يعتبرها أملاكًا يهودية مؤبَّدة.
والحلم التوسعي للصهيونية الدينية هو أخطر ما في هذه العقيدة، فخرائط “إسرائيل الكبرى” المعلَّقة في الكنيست ليست مُجَـرّد أحلام سياسية، بل هي تحقيق لنبوءات دينية، كتلك المذكورة في “سفر يشوع” عن حدود “من الفرات إلى النيل”.
وحتى عبارات “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” ليست شعارًا سياسيًّا فقط، بل هي عقيدة تلمودية تقوم على إنكار وجود الشعب الفلسطيني أصلًا، تمامًا كما فعل “بن غوريون” عندما ادّعى أن “الفلسطينيين ليسوا إلا مُجَـرّد غبار تاريخي”.
والدماء التي تسيل في فلسطين ليست نتاج صراع حدودي فقط، بل هي حلقات في مشروع ديني متطرف يهدف إلى تحقيق “أرض إسرائيل الكبرى” عبر إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين. والمجازر المتكرّرة من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا وحتى غزة اليوم تُنفَّذ وفق سيناريو واحد: تحويل النصوص التلمودية إلى واقع.
إن العالم الذي يتحدث عن “حق الدفاع عن النفس” يتجاهل أن الاحتلال يقتل الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، ويتجاهل حصار غزة الذي حوّله الاحتلال إلى أكبر سجن مفتوح، في تطبيق حرفي لتعاليم “ميمونيدس” الذي أوجب “إذلال غير اليهود”.
لذلك، فإن مقاومة هذا المشروع الصهيوني ليست معركة فلسطينية فحسب، بل هي معركة لكل العرب والمسلمين ضد عقيدة عنصرية تشرعن قتل الأطفال والنساء، وتجعل من قتلهم عملًا مقبولًا. وما الصمت الدولي على جرائم الإبادة في رفح وخان يونس إلا غطاء لاستكمال المشروع التوراتي الذي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، تمامًا كما طُردوا من يافا وحيفا تحت ذريعة “التطهير الديني”.
إن مواجهة هذه الآلة الإبادية تتطلّب فضح الجذور الدينية للصهيونية، وكيف أنها حوّلت نصوصًا ظلامية في كتبها المشوّهة إلى قنابل تُلقى على رؤوس العرب في أرض فلسطين.