“وسارعوا إلى مغفرة من ربكم”.. دروس إيمانية في حضرة الشهيد القائد
أفق نيوز|
في هذه الملزمة، قدّم الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه- دروسًا ذات أبعاد روحية وسلوكية واجتماعية وغيرها في آنٍ واحد، مستندًا إلى قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
فتعالوا لنقف عند هذه الكلمات أذ يقول رضوان الله عليه: “إذا رجع الناس إلى القرآن، لو رجعوا إلى القرآن، وآمنوا بالقرآن، وخافوا من الله، من عذاب الله، من جهنم، وعملوا على أن يلتزموا بتوجيهات القرآن، وإرشاداته؛ فبالإمكان أن يتعاملوا فيما بينهم تعامل حسن، ما أحد سيقول لك: لماذا؟ عندما يعفو بعضنا عن بعض، عندما نكظم غيظنا مع بعضنا بعض، عندما نلتزم بالصدق فيما بيننا، عندما نلتزم بالعدل فيما بيننا، إذا حصل من شخص خلاف مع شخص؛ يكون مستعد أي واحد منهم أن ينصف الآخر من نفسه، أو أن يحلـُّوا قضيتهم بسهوله، لا تتطور فتصبح قضية تؤدي إلى خلق عداوة، وبغضاء فيما بينهم”.
ويواصل الشهيد القائد: “ثم فيما بين أسرهم، ثم على أوسع دائرة داخل مجتمعهم. الناس يستطيعون أن يكونوا أوفياء مع بعضهم بعض، يبذلوا معروفهم لبعضهم بعض، لا أحد يجرح مشاعر الآخر بكلمة سيئة، أو يدخل في باطل فيعين طرف على طرف آخر لكونه يكره الطرف هذا الآخر، فيدخل في باطل، فيعين ظالم على ظلمه. أشياء كثيرة في متناولنا أن نعملها هي نفسها تهيئ النفوس إلى أن تكون متآلفة، تهيئ المجتمع إلى أن يكون متوحدًا”.
بربكم هاتوا لي نص يصلح ويبني المجتمع كهذا النص لن تلقوه ولن يتطرق له أحد منذ خلق الله الارض ومن عليها؛ فقرة لا تزيد عن عشرة أسطر وحوالي 150 مفردة، قليلة في ظاهرها، لكنها تحمل الكثير من المدلولات، وتلخص آلاف الكتب والمؤلفات، ولها أثرها البالغ في النفوس، وقدرة فريد في إصلاحها وتزكيتها، أنها منبثقة من كلمات الله.
وأمام هذا النص تقف نفس القارئ الحصيف والمستمع الجيد، بكل خشوع أمام عمق المعنى، وحرارة الصدق، وسمو الهدف، تقف أمام هذا النص الذي ينساب من قلب رجلٍ صدق ما عاهد الله عليه، وبلغ رسالته في زمن عز فيه الناصحون وندر فيه المخلصون.
إنه كلام الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، لمن لا يعرفه؛ فهو ضمير أمة، يصرخ من وجعها، ويضمد جراحها، ويعيد توجيهها نحو أصلها الأصيل: القرآن الكريم؛ فحرك طلابه القلة بما استطاعوا لمواجهة أكبر مشروع استعماري، في مطلع القرن والواحد والعشرين، ومع ذلك الثقل لم يغفل الجانب الاجتماعي لما له من أهمية في لحمة الجبهة الداخلية وتوحيد الأمة.
هذه الكلمات تشكل طوق نجاة في وجه التمزق الاجتماعي، وانفلات القيم، وتكالب الأهواء، وهي دعوة للعودة إلى المنبع النقي، إلى الله، إلى القرآن، إلى القيم التي بُنيت عليها الفطرة الإنسانية.
ولها من الدلالة والمنطلق والوضوح؛ ما يبين أن القرآن هو الحل؛ فالمدلول عميق للخروج من مستنقعات الفتن والنزاعات، والفرقة والتظالم، والذي لا يتحقق إلا إذا عاد الإنسان إلى مرجعية الله وكلماته، تلك الكلمات التي تهدي إلى التي هي أقوم، وتضع الضوابط الأخلاقية التي تصلح بها النفوس وتُبنى بها المجتمعات.
وفي الوقت الذي يقتتل الناس على التفاهات، ويتعصبون للأهواء، يأتي الشهيد القائد ليقول: إن “كظم الغيظ، العفو، الصدق، العدل، الإنصاف” ليست أخلاقًا مثالية يُمدح بها الناس فقط؛ بل هي أسس لنهضة مجتمع، وبنية لاستقرار أمة، كما أنها تحمل قيَمًا ربانية نبيلة، منها الخوف من الله، الذي يمثل رادع داخلي يمنعك من الظلم حتى لو أمنت العقوبة البشرية.
والعفو والتسامح قوة تخلق الانسجام وتكسر دوائر الانتقام، إضافة إلى أن العدل والصدق، عمودان لبناء الثقة بين الناس، مهما اختلفوا وتباينوا، كما أن نُصرة الحق لا الأشخاص، ألا تعين ظالمًا، ولو كان من أحب الناس إليك.
وهذه القيم تمثل أهداف عملية لبناء مجتمع لا تمزقه الأحقاد ولا تفتك به المصالح؛ بل يجتمع فيه الناس على المعروف، وينصر بعضهم بعضًا بالحق.
وانعكاسات ذلك كما أرادها الشهيد القائد على الجانب الاجتماعي وزكاء النفوس، وكأن يريد أن يقول: المجتمع الفاضل لا تصنعه القوانين وحدها، بل تصنعه النفوس المهذبة، والنفس لا تزكو إلا إذا ارتبطت بالله، واستشعرت رقابته، واهتدت بنور كتابه.
حين نؤمن فعلاً أن الله يرانا، وأن جهنم ليست ببعيد عمن يظلم، حينها نتحول من أناسٍ يتدافعون إلى أناسٍ يتعاونون، يتواصون بالحق، يتسامحون، يُنصفون، ويحتوون الخلاف قبل أن يتحوّل إلى خصومة.
هنا يكون المجتمع تقيًا، نقيًا، متآلفًا، متماسكًا، يردع أفراده أنفسهم قبل أن تردعهم القوانين، ويحمل بعضهم بعضًا بحب، لا بغلّ، وهنا تظهر وجدانية، صادقة، نادرة، يلامسك كصوتٍ نابع من القلب، يدخل قلبك دون استئذان، ليس فيه زيف، ولا زخرفة، بل فيه صدق الفطرة، وحرارة التجربة، وبصيرة من عرف القرآن وعاشه؛ فكان له قرين ونعم القرين هو.
وبلسان أبٍ رؤوف، وأخٍ ناصح، ومربٍ حكيم، يحدثك الشهيد القائد عن وجعنا المجتمعي، ويعطيك العلاج من جذوره، وكأنها وصية حياة من قائد عظيم وعلم هداية نادر من آل البيت “عليهم السلام”، سبقنا إلى الخالق جل في علاه على طريق الشهداء من أبائه واجداده “عليهم السلام”؛ فقدم لنا النموذج الذي يحتذى به، وجسد كل معاني المسارعة الفعلية إلى الله، ومن اتبعه من طلابه وزملائه المجاهدين إلى يومنا هذا، وترك لنا من كلامه ما يُحيي موات القلوب، ويوقظ الضمائر، دون في ملازم غيرت المعادلات والموازين، وأطلقت العنان لشمس الحق في كبد الظلام، فكانت لمن بعده قبس وتنامت بفضل الله ورعايته لتكون نهاراً مشرقاً على عالم الظلمات.
الجواب لأنه ببساطة ينبع من القرآن، ويعود إليه، وقاله خير قرين، تحدث بلسان من ذاق حلاوته، وخشي يوم يسأله الله عن آياته وبيناته، فآمن به كدستور حياة، وأعاد تقديمه بجاذبيته وكماله وجماله، دون أي رتوش أو ملابسات في المقاصد والاهداف والغايات؛ فكانت ملازمة كلمات من نور فعلاً، وتبيان من البيان، وحركته في الحياة بحركة الأنبياء والمرسلين؛ فقدم لشعبه وأمته وللعالمين مشروع حياة، يهدي، ويبني ويعمر الأرض ويحافظ على المجتمع البشري من الطغاة والمستكبرين.