أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الأبعاد الاستراتيجية لـ #ثورة_21_سبتمبر .. كيف أعادت الثورة تشكيل موازين القوى الإقليمية والدولية؟

44

أفق نيوز|

يمني برس | ماجد محمد

 لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014م حدثاً محلياً منعزلاً، بل كانت زلزالاً جيوسياسياً أعاد تعريف موقع اليمن ودوره في المنطقة والعالم، وشكلت الثورة تحدياً مباشراً لمنظومة الهيمنة والوصاية التي استمرت لعقود، وأطلقت ديناميكيات جديدة أثرت بشكل عميق على موازين القوى الإقليمية والدولية.

 

إنهاء عصر الوصاية السعودية وإعادة تعريف العلاقة مع الجوار الإقليمي

يمثل هذا البعد أحد أهم التحولات الاستراتيجية التي أحدثتها الثورة، لعقود طويلة، كانت المملكة العربية السعودية تعتبر اليمن حديقتها الخلفية، وتتعامل معه كدولة تابعة يخضع قرارها السياسي لهيمنتها.

تفكيك شبكات النفوذ: قبل الثورة، كانت السعودية تدير نفوذها في اليمن عبر شبكة معقدة من الولاءات تشمل شخصيات قبلية وعسكرية وسياسية بارزة، على رأسها أسرة آل الأحمر والجنرال علي محسن، كانت هذه الشبكة تضمن تبعية القرار اليمني للرياض، وتعيق أي محاولة لبناء دولة قوية ومستقلة.

جاءت ثورة 21 سبتمبر لتضرب هذه الشبكة في الصميم، حيث أطاحت برموزها الأساسيين وأنهت نفوذهم بشكل شبه كامل، هذا الإجراء لم يكن مجرد تغيير في السلطة، بل كان تفكيكاً بنيوياً لأدوات الهيمنة السعودية التي استمرت لعقود.

من التبعية إلى الندية: بإنهاء الوصاية، فرضت الثورة معادلة جديدة في العلاقة مع السعودية ودول الخليج، قائمة على الندية واستقلال القرار، لم يعد بإمكان الرياض إملاء سياساتها على صنعاء، هذا التحول الجذري هو ما دفع السعودية إلى قيادة عدوان عسكري، في محاولة يائسة لاستعادة نفوذها المفقود، وهو ما يفسر حجم الحقد الذي ظهر في استهداف البنية التحتية والمجتمع اليمني.

 مواجهة المشروع الأمريكي-الصهيوني وتشكيل محور مقاومة جديد

منذ اللحظة الأولى، حددت الثورة بوصلتها بوضوح، حيث رفعت شعارات مناهضة للهيمنة الأمريكية والمشروع الصهيوني، مما

سيارات الدوبلوماسيين الأمريكيين بعد فرارهم من صنعاء

وضعها في موقع استراتيجي متقدم ضمن محور المقاومة في المنطقة.
رفض الهيمنة الأمريكية: كانت اليمن قبل الثورة مسرحاً مفتوحاً للتدخلات الأمريكية تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، كانت طائرات الدرونز تجوب الأجواء اليمنية، وكانت السفارة الأمريكية في صنعاء هي الحاكم الفعلي للبلاد.

جاءت الثورة لترفض هذا الواقع، وتؤكد على سيادة اليمن واستقلال قراره، وتعتبر الهيمنة الأمريكية الخطر الأكبر على المنطقة، هذا الموقف المبدئي شكل تحدياً مباشراً للمشروع الأمريكي في منطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى.

مركزية القضية الفلسطينية: تبنت الثورة القضية الفلسطينية كقضية مركزية، ورفضت بشكل قاطع أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، هذا الموقف لم يكن مجرد شعار، بل تحول إلى عقيدة راسخة وسياسة ثابتة، مما جعل اليمن لاعباً محورياً في محور المقاومة ووصل إلى أن أصبح اليمن أبرز المساندين لغزة في وجه العدوان الصهيوني منذ 7 أكتوبر 2023م.

إن التهديد الذي بات يمثله اليمن، بقدراته الصاروخية والبحرية، على الكيان الصهيوني ومصالحه في البحر الأحمر، هو أحد أهم الأبعاد الاستراتيجية التي أقلقت واشنطن وتل أبيب.

السيطرة على الممرات المائية الحيوية وتغيير معادلات الأمن البحري

تكمن أهمية اليمن الاستراتيجية في موقعه الجغرافي الذي يطل على أحد أهم الممرات المائية في العالم، وهو مضيق باب المندب، لقد أدركت قيادة الثورة هذه الأهمية وعملت على توظيفها لخدمة أهدافها الاستراتيجية وأبرزها تضييق الخناق على السفن الصهيوني في إطار إسناد غزة حتى فشلت كل التحالفات التي شكلتها أمريكا في مواجهة اليمن ما جعلها أن تتراجع وسحب حاملات طائراتها وإعلان ترامب إنهاء حربه على اليمن وتخليه عن إسناد الاحتلال الإسرائيلي في اليمن.
من التهديد إلى الحماية: قبل الثورة، كان الحديث عن باب المندب يدور في سياق “حمايته” من قبل القوى الدولية، وهو ما كان يعني في الحقيقة السيطرة عليه لضمان مصالحها، بعد الثورة، تحولت المعادلة؛ أصبحت اليمن، بقواتها البحرية المتطورة، هي القوة القادرة على حماية أمن الملاحة في هذا المضيق، وفي نفس الوقت، استخدام هذا الموقع كورقة ضغط استراتيجية في أي مواجهة مستقبلية.
توازن الردع البحري: إن تطوير القوات البحرية اليمنية، وتصنيع صواريخ وزوارق وألغام بحرية متطورة، قد خلق توازن ردع جديد في البحر الأحمر وخليج عدن، لم تعد البوارج والسفن الحربية المعادية قادرة على التحرك بحرية كما كانت في السابق، وأصبح أي اقتراب من السواحل اليمنية محفوفاً بالمخاطر، وكان آخرها في أواخر مايو الماضي قيام بريطانيا بالتواصل باليمن ممثلة بحكومة ثورة 21 سبتمبر في صنعاء للسماح لها بمرور حاملة الطائرات البريطانية HMS وأكدت خلالها بأنها ستعبر للمناورة، ولن تنفذ أي عمليات قتالية في البحر الاحمر، وتم خلالها السماح لها بالمرور ما دامت في مهمة غير قتالية أو توجه عدواني لإعتراض القوات المسلحة عن إسناد غزة، التي تباد من الكيان، هذا التحول الاستراتيجي كما يراه خبراء له تداعيات هائلة على أمن الطاقة العالمي وعلى موازين القوى البحرية في المنطقة يجعل من تلك القوى العالمية المهيمنة أن تعيد النظر في سياساتها الرعناء تجاه الشعوب وأنها لن تستمر غطرستها .

ختاما:

لقد أحدثت ثورة 21 سبتمبر تحولاً استراتيجياً عميقاً، نقلت اليمن من خانة الدولة التابعة والهامشية إلى موقع اللاعب الفاعل والمؤثر في المعادلات الإقليمية والدولية، بإنهاء الوصاية السعودية، ومواجهة المشروع الأمريكي، والسيطرة الفعلية على الممرات المائية الحيوية، فرضت الثورة واقعاً جديداً لا يمكن تجاهله.

لقد أثبتت السنوات التي تلت الثورة، رغم العدوان والحصار، أن اليمن لم يعد تلك “الحديقة الخلفية” لأحد، بل أصبح قوة سيادية تمتلك قرارها، وقادرة على الدفاع عن مصالحها وفرض معادلاتها، وهو ما يمثل الإنجاز الاستراتيجي الأهم والأعمق للثورة.