أفق نيوز
الخبر بلا حدود

“السيد الأمة” في ذكرى العروج الأولى

45

أفق نيوز|

|| صحافة || لم يكن السيد حسن نصر الله مجرد شخصية عابرة، يمكن طيّها بعملية اغتيال غادرة، بل كان رجلاً وسيداً بحجم أمة، وقائداً تاريخياً استثنائياً.

السيد حسن مشروع أمة والأمم لا تموت، ذلك أن ما تركه من إرث على مدى أربعين عاماً ونيّف، لا يزال معيناً يرتوي منه كل حر وكل مقاوم، وصدى كلماته التاريخية لا يزال يتردد في أوساطنا كما لو أنه حيّ بيننا، غاب جسداً ولم يغب روحاً ومنهجاً ومشروعاً، إنما زادته الشهادة اشتعالاً وحضوراً في ذروة الغياب.

من يتأمل في كلمات وعبارات قادة حزب الله وجمهور المقاومة ومحبي السيد نصر الله ونحن نعيش الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده، يجد أن السيد الأمة صار أجيالاً تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، المصطنعة، وتعبر كل الطوائف والمذاهب والديانات باختلافها، الحضور المسيحي والسني والدرزي …الخ كان لافتاً وبارزاً على المستوى اللبناني خلال إحياء المناسبة، وكان المشاركون الحاضرون من مختلف الدول والقوميات والقارات واللغات تماماً كما كان الحضور يوم تشييعه ورفيقه السيد الهاشمي، هذا التنوع يقدم مجدداً معاني ودلالات واضحة على أن السيد حسن لم يكن رجلاً عادياً، بل شخصية استثنائية عابرة لكل حدود العالم وطوائفه وأديانه وقومياته ولغاته، فكلماته الخالدة وعباراته التاريخية لا يزال صداها يتردد في كل أرجاء الدنيا لتؤكد من جديد أنه حيّ في وجدان كل حر على وجه المعمورة.

مر عام على الفقد والغياب بعد أن شاهد الجميع مشاهد تلك العملية الغادرة وغبارها الملوّن بالدم الكربلائي يتصاعد في أجواء حارة حريك من ضاحية العزة والكرامة والمقاومة، كثيرون زاروا معراج الشهادة حيث ألقى العدو أكثر من ثمانين طناً من المتفجرات وحمم الحقد،  كثيرون شاركوا في تشييعه من مختلف الدول، زاروا مقامه الشريف ولا يزالون يترددون عليه في مساحة من جغرافية الضاحية كانت شبه ميتة لتصبح أكثر الأماكن حياة وحيوية منذ أن توسدها الجثمان الطاهر والشريف لـ “السيد الأمة”، ذلك يعني أن دمه أشعل في محبيه الحياة وبعثها فيهم، والمسألة أبعد من حدود لبنان وأبعد من حدود تصورات ورهانات العدو ومن شاركوه وزر تلك الجريمة الكبرى على كل الصعد، استخبارياً وعسكرياً ومالياً.

اليوم، بعد مرور عام بالتمام والكمال على استشهاد السيد نصر الله، لو سألت أي أحد من محبيه ذكراً أو أنثى، ستجد عبراته تسبق عباراته، ستتلمس أن الجميع لما يخرجوا بعد من حالة الصدمة، لم يستوعب بعد ما جرى وكأن السيد نصر الله سيعود من جديد ويطل من منبره ليتلو خطاب النصر، ويصلي بأحرار الأمة ومجاهديها ومقاوميها في القدس، وذلك الشعور وإن لم يكن واقعياً، لكنه يعبّر عن عمق العلاقة الوجدانية والروحية التي بناها الشهيد السيد نصر الله مع أجيال متعددة  في أمتنا على مدى أربعة عقود ليس في لبنان وحدها بل في كل منطقتنا والعالم، كما أن ذلك الشعور مصداق لقول الله عز وجل: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عن ربهم يرزقون”.

لم يكن السيد الشهيد الأممي، ملكاً ولا رسولاً ولا نبياً حتى يحظى بكل هذا الحب والود، بل كان بشراً مؤمناً بالله وقضايا أمته، فحمل على عاتقه مسؤولية الملائكة والرسل والأنبياء، كان يستشعر عبء تلك المسؤولية  وثقلها لكنه واصل المسير مع أنه  – كما قال في إحدى مقابلاته – كان يتمنى أن يأتي شخص آخر يحمل عنه ذلك العبء، ويكون هو معاوناً أو نائباً له، فكان ملاذه الوحيد مع أي شعور من هذا القبيل هو الرجوع إلى الله والخلوة به والدعاء له بالعون والثبات والنصر، منذ أن حمل الأمانة 1982 – 2024م، حمل همّ المستضعفين في لبنان، والشيشان، وفلسطين والعراق وسوريا واليمن والقائمة تطول، كان بحق نصير المستضعفين الذي لا يخاف في الله لومة لائم، رغم العقوبات والتهديدات والمؤامرات.

كان قائد الانتصارات وصانعها من تحرير جنوب لبنان عام 2000 إلى تحرير جرود عرسال عام 2017م، وكان السد المنيع وسر الانتصار على المؤامرات الإقليمية والدولية على سوريا من 2011- 2024م، كان نصير اليمن على مدى قرابة عشر سنوات من العدوان الأميركي- السعودي من 2015 -2022م، كان سنداً ونصيراً نموذجاً لغزة وفلسطين منذ عقود ومع بداية الطوفان، وبقي ثابتاً على مبادئه ثبات جبل صافي في الجنوب اللبناني، حتى نال الوسام الرباني بالشهادة على طريق القدس في معركة “طوفان الأقصى” بتاريخ الـ 27 من أيلول/سبتمبر المحزن والحزين عام 2024م، وشخصية بحجم سيد الأمة لا يليق بها أن تموت كما يموت زعماء الأمة عرباً ومسلمين بلا عروبة وبلا إسلام، بل وفي ذلة واستسلام.

 

سيد الأمة في وجدان اليمنيين

لقد كان اليمن في وجدان السيد حسن نصر الله، وهذا ظهر في خطاباته علناً، رغم ما كان يتعرض له من ضغوطات وتهديدات ومؤامرات، والسيد حسن لا يزال يملأ وجدان اليمنيين وقلوبهم وعقولهم،  ولن ينسوا وقفته التاريخية معهم على مدى تسع سنوات من العدوان الأميركي- السعودي على اليمن منذ عام 2015م.

من الصعب أن تُحصر شخصيةٌ بحجم “السيد الأمة” والشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله بكل مؤهلاتها وصفاتها ومواقفها في مقال أو كتاب أو حتى كتب، لكن ما قدمه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي من توصيفات في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله يعبّر عن الوجدان اليمني، ومن ذلك أن السيد نصر الله شهيد للإسلام والإنسانية و “من القادة التاريخيين النادرين”، وأنه كان بمنزلة “صمام أمان للمنطقة في مواجهة وهزيمة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي جورج بوش عام 2002م” ، وصنع انتصارات من بينها “انتصار تموز 2006 بما مثله من نصر تاريخي كان له صداه العالمي”، مضيفاً بأن شهيد الإسلام والإنسانية “كان ولا يزال رعباً وكابوساً حقيقياً للصهاينة لأكثر من أربعة عقود وغرس في الوعي الصهيوني مفهوم الهزيمة”.

كان قادة العدو يدركون هذه الحقائق في شخص السيد حسن نصر الله، بل وصفه المجرم نتنياهو بأنه كان “محور المحور” وذهب للتبشير بمشروع الشرق الأوسط الجديد فوراً عقب عملية الاغتيال الآثمة، لأن العدو يدرك أن السيد نصر الله كان عائقاً كبيراً أمام مشروعهم الشرق أوسطي.

اللافت في ما قدمه السيد عبد الملك من توصيفات عن الحبيب الشهيد أنه “كان ولا يزال رعباً وكابوساً حقيقياً للصهاينة لأكثر من أربعة عقود …الخ”، كلمة “لا يزال” لها مدلول كبير وتتمثل في أن السيد نصر الله بما تركه من إرث وبما بناه في أمة حزب الله على مدى أكثر من 40 عاماً، لا يزال إلى اليوم يمثل كابوساً مرعباً للكيان المؤقت، رغم الضربات التي أصابت الحزب خلال جولة الحرب الأخيرة، ورغم وهم البعض بضعف حزب الله، ويعزز ذلك أن السلوك الإسرائيلي المستمر في الانتهاكات والاعتداءات المتكررة على لبنان نابع من خوف وليس من قوة، كما أن التخادم الإسرائيلي- الأميركي لتفعيل عدد من أوراق الضغط على حزب الله سياسياً على مستوى الداخل اللبناني وفي ما يرتبط بمسألة “سحب السلاح” يندرج ضمن هذا الإطار، والأمين العام الحالي الشيخ نعيم قاسم حسم المسألة في أكثر من خطاب ومناسبة بموقف حازم وحاسم، وطرح في خطابه في الذكرى السنوية لاستشهاد السيد حسن نصر الله، سبع نقاط تحمل في طياتها الأولويات الأربع: انسحاب قوات العدو من النقاط الخمس، وقف الاعتداءات الإسرائيلية وحماية السيادة واستعادة الأسرى، وإعادة الإعمار.

ختاماً، لا أحد ينكر أن الألم والحزن يتجددان لدى كل محبّي السيد نصر الله مع حلول الذكرى السنوية الأولى لرحيل شهيد الإسلام والإنسانية، لكنه الألم الذي يرافقه الأمل بالنصر الحتمي مهما اشتدت الظروف وتعالى العدو، فنصر الله شق طريقه من ظروف مماثلة عقب اجتياح العدو للبنان، ومن ذلك الواقع الصعب صنع الانتصارات والمعادلات الصعبة، وأصبح كابوساً مرعباً للصهاينة على مدى أربعين عاماً، والأمل يأتي من حواف اليأس، والنصر يولد من رحم التحديات والآلام، فلئن رحل نصر الله، فإن نصر الله آت.

 

علي ظافر: الميادين نت