العمليات اليمنية البحرية.. بصماتٌ منحوتة في ردع العدوّ ورعاته
أفق نيوز|
أعلن السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في خطابه يوم التاسع من أُكتوبر الجاري، مواكبة اليمن المُستمرّة، والتنسيق التام مع المقاومة الفلسطينية، والرصد لكل تفاصيل تنفيذ بنود الاتّفاق من قبل كيان العدوّ الصهيوني، ومراقبة مسار الأحداث ومستجداتها.
وبهذا يتوِّج السيد القائد عامين كاملين بخطاب انتصار عقبَ ملحمة العمليات اليمنية الإسنادية، التي شكّلت عاملَ ضغطٍّ متصاعد، وأدّت إلى اضطراب كبير في الاقتصاد الصهيوني وشلت حركة تجارته البحرية، وألقت بكل ثقلها على شركات الشحن البحري الدولي المتعاملة مع كيان الإبادة والذي لم يشهده العالم منذ جائحة “كورونا”.
خبراء استراتيجيون واقتصاديون يؤكّدون أنَّ عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، على مدى عامين؛ إسنادًا لقطاع غزة، أحدثت تأثيرًا قويًّا وفعالًا، على الكيان الإسرائيلي وحلفائه الغربيين.
إذ بدأ دخول اليمن في إسناد “طوفان الأقصى” في الـ 10 من أُكتوبر 2023م، وبعد 3 أَيَّـام فقط من انطلاقته، بعمليات لم تتوقف؛ دعمًا للمقاومة الفلسطينية، ركّزت على إطلاق دفعات من الصواريخ المجنّحة في البحر إلى الباليستية مُرورًا بالفرط صوتية وانتهاء بالانشطارية متعددة الرؤوس، والطائرات المسيَّرة الانقضاضية بأنواعها، باتّجاه أهداف صهيونية حيّويّة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ورغم تكرار المزاعم الأمريكية والصهيونية باعتراض جزءٍ منها من قبل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية بمختلف طبقاتها، ودفاعات القِطَع البحرية الأمريكية؛ إلا أنَّ الحقيقة التاريخية أثبتت استمرار ونجاح العمليات اليمنية الاستنزافية، التي أثرت بشكلٍ متزايّد على عصب الاقتصاد وضربت عُمقَ النظرية الأمنية التي يقوم على أَسَاسها كَيانُ الاحتلال.
اليمن يضيّق مرور الأكسجين للاقتصاد الصهيوني:
ويؤكّـد الخبراء أنَّه واعتبارًا من الـ 18 من نوفمبر 2023م، ومنذُ سيطرة القوات الخَاصَّة في البحرية اليمنية على السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر”، واقتيادها إلى الساحل؛ شهدت الاستراتيجية اليمنية تحولًا خطيرًا، أصاب هالة “الردع الصهيوني والهيبة الأمريكية”.
وسعى الجيش اليمني من خلال استهداف السفن -حربية وتجارية- التي تمر عبر البحر الأحمر والمرتبطة بالكيان المحتلّ، ثم إلى توسيع عملياته لتشمل خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط بمحاذاة ميناء حيفا؛ لإحكّام الحصار البحري على الكيان والمسّ باقتصاده وإجباره على وقف عدوانه الوحشي على غزة.
تدرُّجٌ وتغييرٌ وانتقال استراتيجي، قرأهُ الخبراء؛ بأنَّه كان “مؤثرًا ومؤلمًا” بشكلٍ مباشر على اقتصاد العدوّ، والذي يعتمد بشكلٍ كاسحٍ على التجارة البحرية؛ إذ تمثل ما نسبته 99 % من البضائع التي يستوردها الكيان المحتلّ، تصل عن طريق البحر، و30 % من وارداته تمر عبر البحر الأحمر.
ومنذ أنَّ أصبحت الموانئ الرئيسية في فلسطين المحتلّة، مثل أم الرشراش “إيلات” على البحر الأحمر وعسقلان وأسدود وحيفا على البحر المتوسط، في مرمى نيران اليمن؛ تشكّل الحصار الفعليّ، وتجنبت شركات الشحن الكبيرة الاقتراب من هذه الموانئ، وبالأخص ميناء أم الرشراش الذي تم عزله تمامًا وباعتراف العدو عينُه، بعد أنَّ كان نقطة حيوية لواردات العدوّ من السلع الآسيوية، كالمعدات اللازمة للبنية التحتية، والمنتجات الاستهلاكية، والإلكترونية.
ويشير مراقبون إلى تصريحٍ لـ “رون مالكا”، الرئيس التنفيذي لميناء حيفا؛ بأنَّ “الموانئ هي أكسجين الاقتصاد الإسرائيلي”، مؤكّـدين أنَّ آسيا هي الشريك التجاري الثاني للكيان بعد أُورُوبا؛ ما يجعل الشحن البحري شريان حياة حقيقي للواردات والصادرات.
وهو الهدف الذي سعت إليه الاستراتيجية اليمنية للتأثير المقصود، وخنق شريان حياة الاقتصاد الصهيوني؛ إذ بلغ عدد العمليات على سفن الاحتلال الصهيوني والمرتبطة به أَو المتجهة نحوه أكثر من 24 هجومًا في الفترة ما بين 19 نوفمبر و3 يناير 2024م، وفقًا لبيانات القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، والتي تضاعفت حتى أوائل أُكتوبر 2025م.
وأكّـد الخبراء أنَّ العمليات اليمنية تجاوزت تأثيرها على الاقتصاد الإسرائيلي لتشكّل “صدمة مفاجئة” للاقتصاد العالمي، وعملت بشكلٍ غير مقصود، إرباكًا لسلاسل التوريد العالمية المرتبطة والمساندة للعدو، على اعتبار الأهميّة الاستراتيجية للبحر الأحمر، كطريقٍ حيوي يربط أكبر المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وأُورُوبا والولايات المتحدة بكبار الموردين في آسيا.
ووفقًا لتقاريرَ عالمية؛ فإنَّه يمّر عبر المنطقة حوالي 12 % من حجم التجارة العالمية؛ بما في ذلك 30 % من حركة الحاويات العالمية، بقيمة تتجاوز تريليون دولار سنويًّا، مضافًا عليها مسارات الطاقة والغاز، والتي تشكّل ما نسبته 8 % من تجارة الغاز الطبيعي المسال و8 % من تجارة الحبوب العالمية تمّر عبر هذا الطريق أي “حوالي 80 مليون طن من الحبوب سنويًّا”.
اللافت أنَّه ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، زادت أهميّة البحر الأحمر كطريقٍ رئيسٍ للنفط الخام، حَيثُ تزايد المرور به شمالًا إلى أُورُوبا، وجنوبًا للصين والهند، بـ 140 %، وصل إلى 3.8 مليون برميل يوميًّا؛ الأمر الذي ضاعف أهميّة العمليات اليمنية، ونجاحها في الوصول إلى الهدف الذي جاءت؛ مِن أجلِه.
تداعيات تغيير المسار:
في السياق، أعلنت كبرى شركات الشحن العالمية، ومنها 8 من أكبر شركات شحن الحاويات في العالم، تعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر وتحويل مسار السفن إلى طريق “رأس الرجاء الصالح” جنوب إفريقيا لتجنب المخاطر.
وَأَضَـافَ طريق “رأس الرجاء الصالح” ما بين 10 إلى 14 يومًا إضافيًّا للرحلة بين آسيا وأُورُوبا مقارنة بطريق قناة السويس “36 يومًا مقابل 26 يومًا تقريبًا”، وهذا التأخير كلف السفينة الواحدة ملايين الدولارات في صورة وقود إضافي وتكلفة تعطيل سلاسل التوريد.
وإلى جانب التأخير شهد العالم موجّةً من ارتفاع أسعار الشحن الفوري؛ حَيثُ قفزت الأسعار الفورية لشحن الحاويات بين آسيا وشمال أُورُوبا بنسبة 173 % من منتصف ديسمبر 2023م، وتجاوزت 4000 دولار للحاوية الواحدة، مع توقعات بزيادات إضافية تصل إلى 100 %.
بدورها، ارتفعت تكاليف التأمين على مخاطر الحرب في المنطقة عشرة أضعاف؛ حَيثُ تم تحديدها كنسبةٍ مئوية من قيمة بدن السفينة؛ فعلى سبيل المثال، قد يصل تأمين سفينة قيمتها 100 مليون دولار إلى 700 ألف دولار للرحلة الواحدة.
وحذّر الخبراء من أنَّ هذه الزيادات في تكاليف الشحن والتأمين ستؤدي إلى زيادة معدلات التضخم في العالم، خَاصَّة في أُورُوبا التي تعتمد بشكلٍ متزايد على الغاز المنقول بحرًا، ممّا اضطرت شركات مثل “أبركرومبي آند فيتش” وشركات السلع الحساسة والقيمة “كالإلكترونيات والملابس المصممة والأدوية” إلى استبدال الشحن البحري بالشحن الجوي، وهو خيار مكلف جِـدًّا يرفع التكاليف بخمسة إلى خمسة عشر ضعفًا عن النقل البحري.
الرسائل اليمنية والردّ الأمريكي الغربي:
وفي مقابل الأضرار الاقتصادية واللوجستية التي ضربت عمق التجارة البحرية لكيان الصهيوني؛ ما دفع العدوّ وحلفائه، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وأُورُوبا، للاستنجاد والبحث عن حَـلّ عسكري.
ويؤكّـد خبراء أنَّه ومنذ بداية “المعركة البحرية” في 18 نوفمبر، وعمليات معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”؛ اعتُبرت بمثابة رسالة رمزية موجهة لكيان العدوّ الإسرائيلي والولايات المتحدة؛ بأنَّ العدوان على غزة قد يتوسع إلى مسارح أُخرى في المنطقة.
واستمرارية ونجاح عمليات اليمن، دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء آخرين إلى إصدار “إنذار أخير” في 3 يناير 2024م، بضرورة وقف الهجمات، أَو التعرض لضربةٍ عسكرية، في تحريضٍ أمريكي لردٍّ دولي على إجراءات اليمن نصرةً للشعب الفلسطيني، أعلن وزير الحرب الأمريكي “أوستن” عن إطلاق ما يسمى “عملية حارس الازدهار”، تلاها تشكيل تحالف بحري، تحت مسمى “اسبيدس”، والذي فشل أمام اليمن أَيْـضًا لم يصمّد طويلًا كسابقه.
ووفقًا لكل المعطيات والمؤشرات الميدانية؛ تأكّـد للجميع آنذاك، أنَّ تلك القوة العسكرية “الضخمة”، إضافة لمّا تلاها من عمليات أمريكية منفردة، وأُخرى بشراكةٍ صهيونية، وانتهاء بتفردٍ للعدوّ الإسرائيلي؛ جميعها لم تنجح في ثني اليمن عن موقفه وإيقاف هجماته على السفن التجارية الصهيونية أَو المرتبطة به، ولم تستطع تلك المحاولات إقناعَ شركات الشحن العالمية العبور من البحر الأحمر.
ويخلص العديد من الخبراء في تحليلاتهم لتداعيات العمليات البحرية اليمنية وأثرها في الصدمة المفاجئة لاقتصاد العدوّ؛ بتساؤل عن سبب عدم قيام أمريكا والغرب، بدلًا عن محاولة وقف العمليات اليمنية التي تأتي إسنادًا لغزة، “بإجبار الاحتلال الإسرائيلي على إيقاف حربه الدموية” التي هي السبب الرئيس لهذه الأزمة.