اليمن من خطاب السيادة إلى معادلة الردع: قراءة في كلمة السيد القائد
أفق نيوز|
أحلام الصوفي
في مشهد سياسي متقلّب ومعقّد، جاءت كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي كموقف استراتيجي يلامس جوهر الصراع ويعيد ضبط البوصلة نحو الأولويات الوطنية العليا. لم تكن الكلمات مجرد مناسبة خطابية، بل وثيقة تحدد معالم المرحلة المقبلة سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا.
الخطاب حمل رسالة مباشرة إلى الشعب اليمني أولاً، دعاه فيها إلى الثبات والاستمرار في معركة الوعي، مؤكدًا أن المواقف المبدئية لا تُساوَم مهما كانت التحديات. في كل سطر، كان واضحًا أن الرهان ما زال على وعي الجماهير وصلابتها في وجه محاولات التدجين الناعم تحت مسميات التسوية أو الهدنة.
أما للعدو، فقد أرسل القائد إشارات حاسمة، مفادها أن الصبر له حدود، وأن الاستمرار في نهب الثروات وفرض الحصار هو عدوان بوجه آخر، لن يُترك بلا رد. الإصرار على خنق الشعب اليمني اقتصاديًا وحرمانه من أبسط حقوقه لن يكون ثمنًا مقبولًا لأي هدنة سياسية.
السيد القائد في خطابه لم يغفل الجوانب الإنسانية التي يعيشها الشعب، بل أكد أن اليمنيين لا يطلبون صدقات، بل حقوقًا مشروعة، وأن المعاناة التي يعيشونها هي نتيجة مباشرة لسياسات ممنهجة تسعى إلى تركيعهم، وهذا لن يحدث.
أما في البُعد العسكري، فقد كانت الرسالة واضحة: أدوات الردع حاضرة، وجاهزية القوة لم تتراجع. فكما استطاع اليمن فرض معادلات جديدة في ميدان المعركة، فإن قدرته على الردع السياسي والعسكري باقية ومتصاعدة.
أعاد السيد القائد التأكيد على أن معركة اليمن لم تكن يوماً من أجل سلطة أو نفوذ، بل معركة تحرر وكرامة، وأن أي مسار لا يضمن السيادة الكاملة هو طريق لن يُسلك. السيادة ليست شعارًا يُرفع، بل واقع يُنتزع، ومشروع يُحمى بدماء الشهداء وإرادة الأحرار.
وفي تتويج رسالته الوطنية، شدّد السيد القائد على أن السلام الحقيقي لا يُبنى على الوهم أو المناورات السياسية، بل على العدالة ورفع المعاناة وتمكين الشعب من حقوقه كاملة دون ابتزاز أو مماطلة. فاليمن لا يبحث عن تهدئة تخدّر وجعه، بل عن حلول جذرية تنهي العدوان وترفع الحصار وتوقف النهب المنظّم لثرواته.
الكلمة كانت أيضًا تذكيرًا للداخل بأن التراخي في مرحلة عضّ الأصابع قد يكون مكلفًا، وأن المراهنة على الخارج ضربٌ من التوهّم. فلا أحد سيمنح اليمن كرامته على طاولة تفاوض دون أن يرى قبله موقفًا وطنيًا موحدًا، وجبهة داخلية تعرف جيدًا أين تقف، ولِمَ تقاتل، وماذا تريد.
في هذا السياق، جاء الخطاب كجرس إنذار يُسمع في العواصم التي تدير ظهرها للعدالة، وتُدير صفقات تضمن مصالحها على حساب الشعوب المظلومة. أما اليمن، فقرر أن يكون جزءًا من صناعة التوازن، لا من ضحاياه، ومن معادلة الفعل، لا من ردات الفعل.
رسائل القائد كانت متماسكة وذات نَفَس استراتيجي طويل. لم تكن مندفعة، بل محسوبة، فيها الحكمة التي تحيط بالقوة، وفيها الشجاعة التي تنبع من الحق. أعاد بها ضبط إيقاع الخطاب السياسي الوطني ليبقى منسجمًا مع تطلعات الشارع، وقادرًا على مخاطبة الخارج بلغة المصالح لا التوسّل.
الخطاب لم يكن معزولاً عن السياق الإقليمي والدولي، بل خاطب الجميع: من يتحركون في الكواليس، ومن يظهرون بدور الوسيط، ومن يحاولون هندسة حل على مقاس مصالحهم. رسالة اليمن لهم كانت واضحة: لا قرار فوق قرار الشعب، ولا وصاية بعد اليوم.
خلاصة القول: خطاب السيد القائد لم يكن استعراضًا، بل خارطة طريق، رسم فيها ملامح المعركة القادمة، وذكّر بأن اليمن الذي واجه عدوانًا عالميًا لسنوات لن ينكسر في مفاوضات تُدار بمعايير الهيمنة. هذا خطاب يصنع الثقة، ويُشعل الوعي، ويُبقي القضية حيّة في وجدان الأحرار.