أفق نيوز
الخبر بلا حدود

بين فشل عسكري وتضليل سياسي .. السعودية تراوغ في استحقاقات السلام

29

أفق نيوز| تقرير|

في مارس 2015، قادت المملكة العربية السعودية عدواناً شاملاً تحت ذريعة دعم ’’الشرعية’’ في اليمن، وعلى الرغم من الدعم الدولي الكبير الذي تزعمته أمريكا ، خرجت السعودية بخسائر استراتيجية وعسكرية فادحة، فيما صمدت صنعاء الصمود ، عسكرياً وسياسيًا وميدانيًا

 

لكن بعد ما يقارب عقداً من الزمن، وفي ظل هزائم ميدانية، وتآكل نفوذ التحالف، وصمود صنعاء عسكرياً وسياسياً، فشلت السعودية في تحقيق أهدافها، واضطرت إلى تغيير خطابها والاتجاه نحو التفاوض.

ورغم دخول الرياض في مفاوضات مباشرة مع حكومة صنعاء، إلا أن الوقائع تؤكد أن هذا التفاوض لم يكن إلا امتدادًا لنهج المراوغة والتسويف، مع رفض واضح للوفاء بما تم التوصل إليه من اتفاقات ، وعلى رأسها صرف الرواتب، فتح الموانئ والمطارات، ورفع الحصار.

 

ومنذ إعلان العدوان، كانت السعودية هي القائد السياسي والعسكري والمالي له،  وشاركت بشكل مباشر في شنّ آلاف الغارات الجوية على صنعاء وكل المحافظات الحرة، وفرض حصار شامل على الموانئ والمطارات، ما تسبّب في كارثة إنسانية شاملة، وكذلك تمويل وتسليح فصائل مسلّحة متنازعة، أضعفت كيان الدولة اليمنية بدل دعمها، ورغم المشاركة الأمريكية والغربية للسعودية، لم يتمكن التحالف من تحقيق أياً من أهدافه، ولا السيطرة على الجغرافيا اليمنية، التي بقي معظمها خارج سيطرة تحالف العدوان .

بل إن القوات الأمريكية والغربية الموالية للرياض تعرّضت لهزائم مدوية، أبرزها انسحابها من الحديدة، وفشلها في دخول صنعاء، وتصاعد الهجمات اليمنية داخل العمق السعودي بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

 

تفاوض تحت ضغط الهزائم وليس قناعة بالسلام

بعد هذه الإخفاقات والهزائم المتكررة، وجدت السعودية نفسها مضطرة إلى فتح قنوات تفاوضية، لا سيما بعد الضربات الدقيقة على منشآتها النفطية (مثل أرامكو 2019)، لكن المراقبين يجمعون على أن دخول السعودية في مسار تفاوضي لم يكن خياراً نابعاً من نية حقيقية لصنع السلام، وإنما محاولة لإعادة ترتيب أوراقها في اليمن، وتقليل كلفتها السياسية والاقتصادية، ومنذ 2022، جرت عدة جولات تفاوضية بين الرياض وصنعاء، منها، مفاوضات عبر الوسيط العُماني، ولقاء رسمي في الرياض مع وفد من صنعاء في سبتمبر 2023، وكذا اتصالات غير مباشرة عبر الأمم المتحدة بشأن خارطة طريق للسلام.

لكن هذه الجولات لم تُترجم إلى نتائج ملموسة، لأن السعودية تستمر في نهج المراوغة والتلكؤ، ولا تُظهِر التزاماً حقيقياً بتطبيق ما يتم الاتفاق عليه.

 

مماطلة واضحة في تنفيذ استحقاقات السلام

وضع الوفد اليمني المفاوض شرط سماحة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه، للرياض قبل أي تفاوض، أو تسوية سياسية يجب أن تسبقها استحقاقات إنسانية واضحة، تشمل، صرف رواتب موظفي الدولة من عائدات النفط والغازـ ورفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة بشكل كامل، وإنهاء التواجد العسكري الأجنبي في الأراضي اليمنية، ورغم أن هذه البنود طُرحت مراراً وتكراراً، إلا أن السعودية لم تنفذ أياً منها بشكل عملي، بل راوغت في دفع الرواتب، رغم أن عائدات النفط تمر عبر بنوك تابعة لها، وبقي مطار صنعاء مفتوحاً جزئياً، عبر رحلات محدودة وغير منتظمة، وتضغط باتجاه مفاوضات مشروطة تُبقي لها نفوذاً أمنياً واقتصادياً في اليمن.

 

التطبيع مع إسرائيل والارتهان لأمريكا يعقّدان الملف

العديد من التحليلات ترى أن السلوك السعودي في اليمن لا يمكن فصله عن التوجهات الإقليمية الكبرى، ومنها السعي نحو التطبيع مع إسرائيل، حيث يُقال إن السعودية تحاول تهدئة الملفات الساخنة مثل اليمن لتمرير اتفاق تطبيع شامل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي تُعد الراعي الأساسي للتحالف، وصاحبة اليد الطولى في تحديد سقف الحلول المقبولة.

وبالتالي، فإنّ الموقف السعودي يُستخدم كورقة في تفاهمات سعودية أمريكية  إسرائيلية، وهذا يجعل الحلّ رهينة للمصالح الخارجية، لا للاستحقاقات الوطنية.

 

النتائج الكارثية للتعنت السعودي

استمرار السعودية في المماطلة والتنصل من الاتفاقات يؤدي إلى إطالة أمد المعاناة الإنسانية في اليمن، حيث لا تزال الرواتب مقطوعة، والمساعدات محدودة ، وضياع الثقة بأي تسوية سياسية برعاية الرياض، وتحول الدور السعودي على المستوى الإقليمي إلى معرقل للسلام .

 

حرب ناعمة من نوع جديد 

بينما كان السلاح التقليدي وسيلة  لإخضاع اليمن سياسياً وعسكرياً، تحوّلت الرياض إلى استخدام أدوات ناعمة تكتيكياً وسياسياً بعد فشلها الميداني، من أبرز هذه الأدوات ملف الرواتب الذي صار بمثابة ساحة للصراع النفسي والسياسي والإعلامي، تُدار من خلالها حملة تضليل ممنهجة تهدف إلى تفتيت الجبهة الداخلية في اليمن، وإضعاف ثقة الناس بقياداتهم المحلّية، واحتكار قرار السلام وفق شروطها، حيث­ تُدار حملة تضليل مزدوجة على السوشال ميديا ووسائل إعلام تقليدية تنشر روايات متضاربة حول الرواتب، والترويج لشائعات ومزاعم تستهدف المجتمع الداخلي لتضليله وحرف الحقائق وتفكيك التماسك الداخلي لدى اليمنيين لصالح المرتزقة من القوى الموالية للسعودية، والأخطر من ذلك تحويل ملف السلام إلى ورقة تفاوضية لاستخدامها في صفقات إقليمية لصالح العدو الصهيوأمريكي.

أمام هذا الواقع، باتت الجمهورية اليمنية ترى أن السعودية إذا لم تتمثل لشروط اتفاق السلام وتنفيذ الاستحقاقات المتفق عليها ، فإنها ستكون في مواجهة الغضب العارم للشعب اليمني، القادم بقوة الله لانتزاع حقوقه، وقد وجه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، تحذيرات متكررة، بأن الوقت ينفد، وأن الصبر لن يطول إذا لم تتحقق مطالب الشعب اليمني بشكل عملي.

 

السلام لا يُبنى على المراوغة

السعودية التي قادت العدوان على اليمن منذ اليوم الأول، تتحمّل المسؤولية الكاملة عن ما حلّ بالبلاد من دمار وحصار ومآسٍ، واليوم، وبعد أن فشلت في الخروج بأي مكسب، تسعى لتجميل صورتها عبر مسار تفاوضي ’’مخادع’’ كغطاء لتأجيل تنفيذ السلام الحقيقي، ومع أن اليمنيين يعرفون جيداً أن للسلام طرقاً متعددة ، فإنه لا يزال يعطي الفرصة تلو الأخرى للسعودية ، لكي لا تضطر إلى الرضوخ المذل للسلام بالطريقة التي لن تكون بالتأكيد في مصلحتها .

نقلا عن موقع يمانيون