الاقتدار اليمني يكشف عما يخشاه الغرب
أفق نيوز| تقرير | وديع العبسي
بحشد الإمكانات، وبكل ما أوتوا من قوة، حاول قادة المؤامرة ومنفذوها -خلال العامين الماضيين- كتم الصوت اليمني الذي اخترق حالة الصمت العربي والإسلامي تجاه جرائم الصهاينة في فلسطين، فصار يتهدد وضعية التدجين التي عليها الأمة، وتكوّنت على إثر ذلك المخاوفُ من أن يتحول اليمن إلى نموذج للشعوب.
دفعت هذه المخاوف أمريكا -حيث وكر الشيطان الأكبر- إلى الاشتغال ضد اليمن على كافة الاتجاهات الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، غير أن العالم وثّق المآلات الفاشلة لكل تلك الاجتهادات، ومعها الانكشاف المخزي لساتر القوة الزائفة، وعقلية الشر.
يخلص المتابعون والمراقبون إلى أن استقلالية القرار اليمني، وتحرره من قيود الولاءات والتبعية، ومن الإغراءات الخادعة، وقبل ذلك إيمانهم بصدق توجههم، هو ما جعل تحركهم قويًا وموقفهم ثابتًا، ولذلك شهد العامان الماضيان كثيراً من المفاجآت اليمنية على صعيد عمليات الإسناد ومواجهة الأعداء، فمرّ التحرك اليمني بعدة مراحل، كل مرحلة كان لها سماتها وخصائصها تبعًا لجغرافيا العمليات أو طبيعية الأهداف ونوعية السلاح المستخدم، وارتكزت على تحليل طبيعة العدو، وما يمتلكه من قدرات عسكرية، وحتى ما يتمتع به من مستوى أخلاقي لجهة التزام قواعد الاشتباك بمنطقها العسكري البحت، وفي الأثناء قراءة التعقيدات المحتملة للوصول إلى الهدف ووضع التكتيك المناسب والذي كان ينتهي إلى صفعة جديدة في كل مرة يصل فيها السلاح اليمني إلى هدفه.
أثارت التكتيكات العسكرية اليمنية الكثير من الاهتمام وعلى نحو استثنائي، إذ لم تكن قراءته من قبل خبراء وقادة العمل العسكري تقف عند حدود طبيعة المفاجأة، وحدوث ما لم يكن متوقعًا من اليمن كبلد فقير مُنهك قادم من حروب متوالية طوال عقود، وإنما أن يأتي بهذا العنفوان، مُقدِمًا هذا النموذج الجديد والفريد لشكل المواجهة، مدعومًا بمحطات إعجازية اعترف بها الجميع.
جاء الإسناد اليمني لغزة بما لم تتضمنه الحسابات العسكرية في ما شهده العالم من حروب، وفيما كانت الصواريخ التقليدية هي أقصى ما توقعت القوى العدوانية أن يمتلكه اليمن، خصوصًا وأنه قد شهد موجة من تدمير قدراته العسكرية، ظهر رائدًا في تصنيع واستخدام الصاروخ الباليستي لضرب الأهداف البحرية، وكان هذا أول مثير للانتباه على صعيد التقنية، وإنْ كان سبق ذلك في جذب الاهتمام، ثقة اليمن بقدراته، إلى مستوى الجرأة في مواجهة قوى كأمريكا وألمانيا وفرنسا وهن من الدول المصنفة في المرتبة الأولى على صعيد امتلاك القدرات والتصنيع العسكري والخبرات. وظهرت التقنية اليمنية القادرة على قطع المسافات البعيدة (أكثر من 2000 كيلو متر)، وضرب الهدف بدقة، كما ظهر الصاروخ الفرط صوتي، والصاروخ الانشطاري متعدد الرؤوس، وتواتُر امتلاك أسلحة نوعية فرض على المحللين توقع استمرار المفاجآت اليمنية على صعيد التصنيع العسكري.
وبالتزامن، القدرة الاستثنائية التي أحبطت العدو الصهيوني (أمريكا وإسرائيل) إلى درجة زعزعة ثقتهم بأنفسهم، مع تحطيم اليمن لهيبة الأنظمة الدفاعية، إذ تسببت الهجمات بالصواريخ -على أنواعها المُجنحة والفرط صوتية ومتعددة الرؤوس- والطائرات المسيّرة في نفاد مخزون الكيان من الصواريخ المضادة نظرًا لتزايد وتيرة إطلاقها، وتراكمت “شِيكات” التمويل لتصنيع الجديد، وتراجعت قدرة واشنطن على الدعم المريح للاحتلال، ومعه لم تنجح بالمطلق في الحفاظ على سمعتها.
ربما كانت هذه هي التجربة الأولى الجادة لـ”إسرائيل” في اختبار فاعلية وقدرات منظومتها الدفاعية والجوية في مواجهة امتدت لعامين، حاولت خلالها وعقب كل هجوم يمني معرفة أسباب سقوط هذه المنظومة، أكان في الاعتراض أو التعقب. وكلما تصورت أنها عالجت أسباب الفشل، تأتي الهجمات تباعًا وتصل أهدافها، لتبقى الفضيحةُ العنوانَ الملازم لقدرة العدو في الدفاع عن كيانه ومجتمعه الغاصب.
لم يكن الأمر عفويًا أو بمحض الصدفة أو ضربة حظ، بل يعكس ذلك الثقة التي كانت تستند إليها القوات اليمنية في تحديد الهدف وتوجيه الضربات تباعًا، لتستمر في عملياتها غير عابئة بمحاولات الكيان الترويج لرواية رد الصواريخ والمسيّرات، بقصد عدم التأثير على جبهته الداخلية من جهة، وعدم إعطاء اليمن الشعور بنجاح عملياته من جهة ثانية. مع ذلك سرعان ما كانت غيمة محاولات الإخفاء تَنْقَشِع، لتظهر تفاصيل رواية مختلفة موثقة، أبطالها الغاصبون أنفسهم بكاميراتهم وتحليلاتهم التي تفضح حجم الضرر وكذب قادة كيانهم.
في البحر -وكحقيقة ثابتة- نجحت القوات المسلحة اليمنية وبإسناد شعبي لم يحدث من قبل، في استعادة القدرة العربية والإسلامية على المواجهة، واستعادة الهوية الحقيقية للمياه العربية، وإعادة الاعتبار لمعادلة الردع، بعد أن كانت بحار العرب عمومًا مرتعًا للغزاة.
لم يكن هدف التحرك اليمني في إسناد غزة الوقوف عند حدود تفعيل مراقبة حركة الملاحة وفرض الحماية فقط، وإنما أيضًا رسم حركتها بما يجعلها بلا نوازع استحكام يتحول فيها أبناء المنطقة إلى عابري سبل ومستأجرين مكشوفين.
وقد أدرك اليمن -منذ البداية- أن إحداث الوجع والتأثير في العدو هو التحرك الذي يمكن أن يخلق واقعًا مغايرًا لما استكانت عنده الأمة من حالة موات لا تقوى فيها على الانتصار حتى لقضاياها، ولأن العدو الصهيوني قد وجد في حالة الخضوع العربي والإسلامي بيئة مناسبة للبدء في مخطط توسعة كيانه غير القانوني، أدرك اليمن بأن عليه تحريك أوراقه الموجعة سريعًا، فرسم تفاصيل خارقة لمشهد البحار العربية، وفرْض حصاره البحري على الكيان.
خضوع المحتل الإسرائيلي للحصار أحدث هزة في الإدراك العالمي، لم تتمكن كل التكتلات والتحالفات والمواقف المتوارية والباهتة استيعابه، فيما لم يكن اليمن في وارد الاهتمام بجذب نقاط إعجاب، وإنما الامتثال لتوجيهات الله سبحانه، التي تفرض الانتصار للمظلوم أينما كان.
تداعيات الحصار اليمني على الكيان ظهرت سريعًا وبقوة، فبدأ ميناء أم الرشراش بالترنح، مروراً بإعلان توقفه بشكل رسمي، وصولًا إلى تجرع آثار اقتصادية موجعة جراء ذلك، فمنطقة أم الرشراش لم تكن فقط ميناءً، وإنما أيضًا عصباً اقتصادياً مهماً، وأحد مصادر التمويل لخزينة العدو، ومزارًا سياحيًا استراتيجيًا. بعض الغاصبين ورؤوس الأموال غادر المنطقة، والبعض بدأ بتصفية حساباته لإعلان الإفلاس، والبعض ذهب إلى الشراكة مع مؤسسات أخرى للهروب من الإفلاس، فيما البعض غرق في الديون، وصارت بصمات العمليات اليمنية شاهدة على الوعي بأن عزة الأمة تستدعي العمل بمقتضيات هذا الهدف، أي تفعيل أدوات القوة ومواجهة الأعداء باللغة التي يفهمونها.
فرض اليمن إرادته على ما تسمى “إسرائيل”، مستندًا إلى المرجعيات القانونية التي شددت على أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية تستوجب الردع والعقاب، ولأن العالم كان له حساباته النابعة من الخوف الناتج عن السلوك الإرهابي في التركيبة الأمريكية الراعية للبلطجة الإسرائيلية، فإن هذا العالم المنافق ذهب إلى التزام الصمت والحياد، وفي أحسن الأحوال إصدار بيانات وحسب، فيما تجاوز اليمن ذلك إلى إعمال العقوبات القانونية على “إسرائيل”.
حاول رعاة الشر وأنصار الشيطان (أمريكا ومجموعتها) كسر القرار اليمني، واستعادة السلوك الاستخفافي بالعرب والمسلمين، ومنهم اليمن المحسوب في العقلية الغربية بأنه الأضعف، ليأتي الرد قاسيًا بدرجة إهدار كرامة هؤلاء المتغطرسين، فلقيت (76) سفينة عقوبتها جراء مخالفتها وتحدّيها قرار حظر الملاحة على مجرمي الحرب الإسرائيليين.
ومع اضطرار كبريات الشركات إلى تحويل مساراتها التجارية إلى “رأس الرجاء الصالح”، وارتفاع التكاليف وزيادة زمن الرحلة، كان الكيان الصهيوني ينحدر بشكل متسارع إلى حالة العزلة، بالتزامن مع أوجاع اقتصادية غير مسبوقة أثرت على معيشة الكيان، فزعزع ثقة الغاصبين بقدرته على تحقيق وعوده لهم بحياة رغيدة في أرض منهوبة من أصحابها الفلسطينيين.
والمثير في هذه المتغيرات -التي شهدت تسارعًا في عملية التراكم- أنها لم تكن حاصل مواجهة طويلة زمنيًا، وإنما جرى الأمر خلال أشهر قليلة هي الأشهر الأولى من إعلان اليمن معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” إسناداً لغزة، ضد العدو الإسرائيلي.
نقلا عن موقع انصار الله