مفاهيم أسس التقاضي والتحكيم في العرف القبلي “الدعوى والإجابة والبرهان” والذمم المسنونة والوقت الزمني لفصل النزاعات “الجزء العاشر”
أفق نيوز| تقرير| محسن علي
تشكل منظومة “العدالة في العرق القبلي اليمني” العريقة من قديم الزمن وحتى اليوم إطارا فعالا لإصلاح ذات البين وفض الخصومات وتحقيق العدالة الناجزة بين أوساط القبائل باعتبارها منظومة قضائية اجتماعية تنظر إليها القبيلة على أنها الأنجع والأسرع لحل القضايا في زمن تتسارع فيه وتيرة التقاضي وتطول فيه أمد النزاعات في أروقة محاكم القضاء ونياباته, كما أنها تتميز بالسرعة والحسم وترتكز على آليات فريدة تضمن الفصل في أعقد الخصوم والقضايا والنزاعات والمشاكل بين المتخاصمين خلال 6 أيام فقط, وبعيدا عن تعقيد الإجراءات في أورقة القضاء , يقوم الحكم العرفي لقبائل اليمن على ثلاثة أركان صلبة : الدعوى, والإجابة, والبرهان.. كيف يتم تحديد سيدالأدلة؟! وماهي “فراضة الـ44 حلاف” وكيف تنتهي “شرف النقاء” النزاع؟ وماهي أنواع البراهين المعتبرة في هذا العرف، والقواعد المسنونة المتعلقة بـالذمم (حلف اليمين)، والوقت الزمني المحدد لفض النزاعات ..هنا نسلط الضوء في هذا الجزء العاشر من سلسلة قواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة لقبائل اليمن على مفاهيم وأسس والتقاضي وأركان هذه المنظومة ..ومع التفاصيل:
أولاً: الدعوى والإجابة والبرهان.. الأركان الأساسية للحكم العرفي:
تُعد الدعوى والإجابة والبرهان هي أساس بناء الأحكام العرفية القبلية، ولا يكون الحكم العرفي صحيحاً ما لم يستند إليها, ويُلزم العرف أن تكون الادعاءات والإجابات مكتوبة خطياً وموقعاً عليها من أطراف الخلاف.
الدعوى
الدعوى هي كل ما يدعيه الغريم (المدعي) على غريمه (المدعى عليه)، وتشمل حجج الاعتداءات في العرض، أو الأروش في الدم، أو الحقوق في المال.
الإجراءات المسنونة للدعوى:
التقديم : تُقدم الدعوى خطياً من الغريم إلى يد المحكم المتولي للقضية
الشروط : يجب أن تكون الدعوى مفهومة، ومحددة، وواضحة
الرفض : تُرفض أي دعوى مجهولة وتُعاد للغريم لتصحيحها
القبول : عند قبول المحكم للدعوى، يتم تسليمها أو تسليم نسخة منها للغريم (المدعى عليه) للإجابة عليها
الإجابة
الإجابة: هي الرد على دعوى الغريم (المدعي) من قبل غريمه (المدعى عليه).
الإجراءات المسنونة للإجابة:
طبيعة الإجابة: تكون عادةً بـالاعتراف أو الإنكار من المدعى عليه
الرفض : تُرفض من قبل المحكم في حال كانت مجهولة، أو مزودة بادعاء، أو شرح مطول
القاعدة : المسنون أن تكون بالاعتراف أو الإنكار، فـ”خير الجواب ما قل ودل”
البرهان
البرهان هو الأدلة والإثباتات التي يُستدل بها لمعرفة الحق والحقيقة في العرف القبلي.
قاعدة البرهان
عبء الإثبات يُطلب البرهان من الطرف المدعي، تأكيداً للقاعدة الشرعية والعرفية التي تنص على: “المدعي البينة والمنكر اليمين”
قوة الاعتراف : إذا اعترف المدعى عليه بصحة دعوى غريمه، فإن الاعتراف كافٍ عن أي برهان آخر، لأنه “سيد الأدلة”
حالة الإنكار : عند عدم توفر البرهان من المدعي، وكانت إجابة المدعى عليه بالإنكار، تُفرض الذمة (اليمين) على المنكر
التراجع عن اليمين : إذا تراجع الغريم المنكر عن الذمة (حلف اليمين)، يُعتبر تراجعه اعترافاً صريحاً بصحة الدعوى، ويُحكم للمدعي بما تضمنته دعواه
حق الدفع : يحق للمدعى عليه أن يقدم دفعاً (مستندات قوية وجلية، أو شهود) لإبطال الدعوى، وإذا كان الدفع أقوى من برهان المدعي، يُحكم بموجبه، ويعفي المدعى عليه من الذمة على إنكاره
ثانياً: أنواع البراهين في العرف القبلي
للبراهين صور متعددة في العرف القبلي، تُشكل بمجموعها الأدوات الإثباتية المعتمدة:
نوع البرهان وتفاصيله
المراقيم الجلية (المكتب) المستندات الخطية الواضحة، مثل: بصائر الشراء، سندات الديون، مراقيم الرضا، السندات والأوراق المحررة على النفس، والأحكام الصادرة من القضاء الرسمي أو الفرعي (المحكمين)، وفصول القسمة الشرعية من أقوى البراهين، ويُحكم بموجبها في الأحكام العرفية
الاعتراف : الإقرار الصريح من الغريم بصحة الدعوى المقدمة ضده والذي يعتبر سيد البراهيم ويحكم بموجبه
شهادة الشهود: شهادة شخصين، حيث تعادل شهادة الرجل شهادة امرأتين ويعتبر برهان قوي، ويُحكم بموجبه
طروح الفروع: ما يتم وضعه من السلاح وما في حكمه من الغريم لغريمه باسم فروع، وتُعبر عن الاعتراف بالفعل أو الجريمة أو الحق أو الخطأويعتبر برهان قوي، ويُحكم بموجبه
تقرير العدول : تقرير يرفعه أشخاص لديهم إلمام وخبرة ومعرفة كاملة في مجال معين، يتم اختيارهم من قبل طرفي النزاع وهو برهان قوي، ويُحكم بموجبه
الثبوت : ما كان تحت اليد وثبت عليه الإنسان وقتاً من الزمن دون مستندات خطية ويعتبر أعلى مراتب القوة، ويُحكم بموجبه
الحيازة: ما يحوزه الإنسان لنفسه دون غيره، ودون مستندات خطية، ويكون تحت سيطرته لوحده ويعتبر برهان، ويُحكم بموجبه
المنع: الذي يمنع غيره من السيطرة على ما هو تحت يده ويعتبر أحد البراهين، ويُحكم بموجبه
القرائن: دلائل تقود لمعرفة حقائق الأمور ويعتبر برهان، يُستند إليه في الأحكام العرفية
البرهان الناقص : البرهان غير المكتمل للحكم بموجبه (مثل شاهد واحد)، ولكنه يحجز سبقاً لصاحبه ويُعطيه الأولوية في توفية ذلك البرهان بـاليمين المتممة وهذا النوع ليس برهاناً كاملاً، ولكنه يؤدي إلى اليمين المتممة
ثالثاً: الذمم المسنونة (حلف اليمين) في العرف القبلي
الذمة هي حلف اليمين الشرعية, وقد سُنّت خمس فراضات عرفية للذمم، وهي طرق مختصرة لفض النزاعات بسرعة وحرصاً على إصلاح ذات البين. تُسمى الذمة في العرف القبلي “شرف النقاء”.
نوع الفراضة وعدد الحلافة ومجال التطبيق:
فراضة الذمة الواحدة: يمين واحدة تُفرض على الطرف المنكر لدعوى غريمه في حال عدم وجود برهان من المدعي, وهي شرعية الأصل
فراضة الخمسة الحلافة: 5 أشخاص, تُفرض عند الخلاف على أمور متسالف عليها، ويكون فرضها للتصويب والإلزام أو النفي
فراضة العشرة الحلافة: 10 أشخاص تُفرض في قضايا الأموال التي يصاحبها لوابث اعتداءات في العرض
فراضة اثنين وعشرين حلافاً :22 شخصاً تُفرض في قضايا المكاوين (الإصابات)، وقضايا الخلافات على الحدية لإثبات العيب أو نفيه في القضايا المصحوبة بلبث العيب, وتكون بين جماعة وجماعة (قرية وقرية، أو فرع وفرع، أو قبيلة وقبيلة
فراضة أربعة وأربعين حلافاً : 44 شخصاً تُفرض في قضايا القتل بأنواعه (مثل القتل الهامي حيث الجاني مجهول) على أهل الساحة أو الحد، لإزالة اللبث والخروج من أحكام العيوب. كما تُفرض في الاعتداءات على واسطة الحرب
رابعاً: الوقت الزمني المسنون لفصل موقف الخلاف
سُنّت قواعد العرف القبلي وقتاً زمنياً محدداً لفض أي موقف خلاف بين طرفين، وهو ستة (6) أيام، وتكون الغرامة في هذه الأيام الستة إلزامية ومسنونة على طرفي الخلاف بالتساوي.
المرحلة العرفية والمدة الزمنية والتفصيل:
مرحلة العد : يومان (يوم لكل طرف) لتقديم الادعاءات والأجوبة من الطرفين
مرحلة الشد : يومان (يوم لكل طرف) لتقديم البراهين اللازمة (الأدلة والإثباتات) من الطرفين
صياغة الحكم : يوم واحد (اليوم الخامس) لصياغة الحكم العرفي.
سماع وتنفيذ الحكم : يوم واحد (اليوم السادس والأخير) لسماع الحكم وتشريفه وتنفيذه
ختاما:
يُظهر نظام التقاضي في العرف القبلي منظومة متكاملة ومحكمة، ترتكز على أركان واضحة (الدعوى، الإجابة، البرهان) وتستند إلى مجموعة متنوعة من الأدلة الإثباتية، بدءاً من المستندات الخطية (المراقيم الجلية) وصولاً إلى الإقرار (الاعتراف) واليمين (الذمة), كما يحدد العرف آليات سريعة وفعالة لفض النزاعات عبر تحديد وقت زمني بستة أيام، مما يعكس حرص هذه المنظومة على سرعة البت في القضايا وتحقيق العدالة وإصلاح ذات البين.
المصدر: قواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة لقبائل اليمن للشيخ صالح روضان.
نقلا عن موقع يمانيون