في ذاكرة اليمنيين، لا يُعدّ يوم الشهيد مُجَـرّد مناسبة وطنية عابرة، بل هو يوم الخلود، يومٌ تتجسد فيه معاني الإيمان والتضحية في أسمى صورها، هو اليوم الذي تتحدث فيه الأرض بلغة الدم، وتُعيد الأُمَّــة قراءة تاريخها من خلال وجوهٍ أبت الركوع وصدورٍ واجهت النار بثبات المؤمنين.

الشهادة.. ميلاد جديد للوطن

منذ فجر النضال اليمني، كانت الشهادة هي البُوصلة التي تهدي الأحرارَ نحو درب الكرامة والسيادة.

فالشهيد في الوعي اليمني ليس ضحيةَ حرب، بل هو معلِّم الطريق، وصانع النصر، ومؤسِّس الوعي الجمعي الذي لا يُهزم.

لقد كتب الشهداء بدمائهم أن الأوطانَ لا تبنى بالكلمات، بل بالعطاء الذي لا حدود له.

الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.. روحُ المشروع القرآني

في صدارة سِجِلِّ الخلود يقفُ الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي، رجل الكلمة والموقف، الذي فجّر ثورة الوعي في زمن الغفلة.

أدرك أن معركةَ الأُمَّــة ليست معركةَ بنادق فقط، بل معركة وعي وإيمان، فأسّس مشروعه القرآني ليُعيدَ الأُمَّــةَ إلى مسارِها الحقيقي.

واجه الطغيانَ بشجاعةِ العالم والمجاهد، وسقط شهيدًا لكنه ترك خلفَه أُمَّـةً حرةً تقاتلُ تحتَ راية “هيهات منا الذلة”.

بقي دمُه مِشعلًا أنار دروب الصمود، ومشروعه جسرًا بين الماضي المظلم والمستقبل المشرق.

الرئيس الشهيد صالح علي الصماد.. رجل الدولة والميدان

ثم يأتي الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، ذاك القائد الذي آمن أن الدولةَ لا تُصان إلا بالتضحية، وأن القيادة أمانة وليست امتيَازًا.

عاش بين الميدان والمكتب، بين البناء والمواجهة، يحمل شعار: “يَدٌ تَبْنِي وَيَدٌ تَحْمِي”.

لم يكن الصمَّاد رجل كلمات، بل رجل أفعال، وحين واجه العدوان لم يختبئ خلف الجدران، بل اختار ميدان الشرف حتى نال وسام الشهادة.

رحيله كان صدمة، لكنه رسّخ مبدأ أن القائد الحق هو من يموت في مقدمة الصفوف.

إبراهيم الحمدي.. الحلم الذي استُشهد مبكرًا

في ذاكرة اليمن السياسيّة يبقى إبراهيم الحمدي رمز النزاهة والنهضة المجهضة.

حاول بناء دولة القانون والعدالة، وأراد أن يحرّر القرار اليمني من الوصاية الخارجية، فاغتالته الأيدي المأجورة وهو في أوج عطائه.

لكنّ روحه بقيت تعيش في ضمير كُـلّ يمني حر يرى في الحمدي نموذجًا للوطنية الصادقة.

كان مشروعه حلمًا يُراد له أن يموت، لكن دمه أنبت في الوعي الجمعي نبتة الكرامة التي لا تذبل.

الشهيد الفريق محمد الغماري ورفاقه.. القادة الذين واجهوا الموت بصدورهم

أما الشهيد الفريق محمد الغماري ورفاقه من القادة العسكريين، فهم نموذج الفداء الميداني.

لم يعرفوا التراجع، وحين دعاهم الواجب، وقفوا على خطوط النار الأولى يقودون الرجال لا من المكاتب، بل من قلب المعركة..

ارتقوا شهداء وهم يسطرون ملاحم العزة في وجه أعتى آلة حرب، ليؤكّـدوا أن الكرامة لا تحمى إلا بدماء الأبطال.

الشهيد أحمد غالب الرهوي ورفاقه الوزراء.. شهداء الواجب والمسؤولية

ومن بين الشهداء الأبرار، يبرز اسم الشهيد رئيس وزراء حكومة التغيير والبناء أحمد غالب الرهوي ورفاقه الوزراء الذين نالوا شرف الشهادة وهم يؤدون واجبهم الديني والوطني في معركة إسناد غزة وبكل إخلاص في خدمة الشعب وقضاياه الوطنية وقضيته المركزية فلسطين.

اغتالتهم طائرات الغدر الصهيوني وهم يحملون ملفات الوطن وفلسطين على أكتافهم، لكنّ دماءهم كتبت أعظم دروس التضحية في سجل القيادة المسؤولة.

كانوا يعلمون أن العدوّ لا يفرّق بين مقاتل وجندي ووزير، وأن كُـلّ مخلص في اليمن مشروع شهادة.

شهداء مواجهة العدوان.. جبهة العزة الممتدة منذ 2015

منذ بدء العدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن عام 2015، ارتقى عشرات الآلاف من الشهداء في مختلف الجبهات، رجالًا ونساءً، مقاتلين ومدنيين، كانوا جميعًا على موعدٍ مع القدر الذي يصنع الأبطال.

هؤلاء هم أبناء القرى والجبال والسهول الذين تركوا خلفهم بيوتًا مهدمة وأحلامًا مؤجلة، لكنهم آمنوا أن الدفاع عن الأرض والعرض أسمى من الحياة نفسها.

واجهوا قوى التحالف المدججة بأحدث الأسلحة بروح الإيمان والإصرار، وأثبتوا أن الإيمان أقوى من الحديد والنار.

سقطوا شهداء، لكنهم سطّروا ملاحم النصر التي غيّرت موازين القوى في المنطقة، وأعادوا لليمن وجهه الحقيقي: يمن العزة والإباء.

إن دماء هؤلاء الشهداء هي التي حافظت على هوية الوطن ووحدته، وكسرت غطرسة العدوان الذي أراد أن يركّع اليمن فرفعه إلى مصافّ الأمم الحرة.

شهداء الحركات التحرّرية اليمنية.. جذور الوعي الوطني

ولا يمكن الحديث عن الشهادة في اليمن دون العودة إلى مقاومي الاحتلال في الجنوب، وُصُـولًا إلى شهداء المسيرة القرآنية اليوم.

دماء أُولئك جميعًا امتزجت في نهر واحد اسمُه اليمن.

هم الذين كتبوا التاريخ بدمهم، وأثبتوا أن الاستقلالَ لا يُستجدَى، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع.

يوم الشهيد.. عهد يتجدد

يوم الشهيد ليس يومًا للدموع، بل يومًا للعهد.

هو مناسبة لتجديد البيعة للأرض والهوية، وللتأكيد أن الأجيال الجديدة ستحمل الراية كما حملها الآباء.

فدم الشهيد لا يجف، بل يتحول إلى فجرٍ جديد يضيء طريق الأُمَّــة نحو العزة.

الوفاء للشهداء.. بناء ووعي ومقاومة

الوفاء الحقيقي للشهداء لا يكون بالخطب ولا بالشعارات، بل بمواصلة الطريق الذي بدأوه: طريق الوعي والمقاومة والبناء.

أن نحمل فكرهم في عقولنا، ونستلهم عزيمتهم في أعمالنا، ونبني دولة العدل والسيادة التي حلموا بها واستشهدوا لأجلها.

ختامًا.. الخلود في سبيل الله والوطن

إنّ الشهداء لا يموتون؛ لأنهم اختاروا الحياة الحقيقية في حضرة الله.

حسين بدر الدين الحوثي، وصالح الصماد، وإبراهيم الحمدي، ومحمد الغماري، وأحمد غالب الرهوي، ورفاقهم من القادة والمجاهدين والوزراء، هم نبراس الأُمَّــة الذي لا ينطفئ.

لقد سطّروا بدمائهم معنى الكرامة، وتركوا للأجيال دربًا من نور، لتبقى اليمن عصيةً على الانكسار، مرفوعة الرأس بين الأمم.

“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.

سلامٌ على أرواحهم يوم استشهدوا، ويوم نُحيي ذكراهم، ويوم يُبعثون أحياءً خالدين في ذاكرة الأرض والسماء.