لم تعد المساعداتُ الإماراتية والسعوديّة مُجَـرَّدَ مبادراتٍ إنسانية، بل تحوّلت إلى أدوات نفوذ واستعمار جديد يُمارس تحت غطاء الشعارات الخيرية؛ فالأنظمة التي تدّعي الحرصَ على الشعوب هي نفسها التي تُغرقها في الدماء وتغذّي الصراعات الداخلية باسم “الدعم الإنساني”.

في السودان، كما في جنوب اليمن، يُعلنُ أن الطائرات تحمِلُ الغذاء والدواء، لكنها في الحقيقة تحمل المال والسلاح والولاءات المصطنعة.

فالدعم الإماراتي في السودان غذّى النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وحوّل البلادَ إلى ساحة حرب بالوكالة.

في اليمن، دخلت الإمارات والسعوديّة بذرائع واهية لاستعادة “الشرعية”، لكن سَرعانَ ما ظهر الوجه الحقيقي: مليشيات موالية، سيطرة على الموانئ والجزر، وإقامة قواعدَ عسكرية.

فقد تحوّلت الأرضُ اليمنية إلى مخلبٍ لخدمة الأجندة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.

كما تحوّلت المساعداتُ من إنقاذ الجائع والمريض إلى تسليح المرتزِقة وتثبيت أدوات الاحتلال.

ليس النفاقُ الخليجي جديدًا؛ فمنذ انكشاف ولاء هذه الأنظمة للغرب والكيان الصهيوني، أصبح واضحًا أن كُـلَّ درهم يُصرَفُ ليس لخدمة الأُمَّــة، بل لحماية مصالح العدوّ.

فالأموال الطائلة تُهدَرُ في تمويل الانقلابات وإشعال الحروب، بينما تُترَكُ المقاومة الفلسطينية واللبنانية تواجِهُ العدوان وحدَها.

تُترَكُ المقاومةُ اللبنانية تقاتل وحدَها، وتختار المواقفُ الخليجية الوقوفَ مع من يقتل أطفال غزة، لا مع من يحميهم، ومع من يقصف بيروت، لا مع من يدافع عنها.

هذه هي حقيقة المساعدات الخليجية حين تُقرأ بعيون حرة لا مُنوَّمة بالإعلام المموّل.

تشترى الإمارات والسعوديّة مجدًا زائفًا بأموال مغموسة في دماء العرب.

ففي العلن مشاريع “نهضة”، وفي الخفاء موت وفتن.

يُتحدث عن السلام، بينما التطبيع مُستمرّ والتحالف مع القتلة يبرّر الجرائم؛ فأصبح المال أدَاة غدر لا وسيلة للكرامة.

إن ما يفعله النظامان السعوديّ والإماراتي في المنطقة جزء من مشروع صهيوني أمريكي يهدف إلى كسر إرادَة الأُمَّــة وإفراغها من كُـلّ صوت مقاوم.

فتصعيد العدوان في اليمن والسودان بالتزامن مع الحرب على غزة ليس صدفة؛ فالمطلوب إلهاء الشعوب بصراعاتها الداخلية كي لا تلتفت إلى فلسطين.

وإذا كانت المساعدات تبدو كرمًا، فهي في الحقيقة سمٌّ مغلّف بالعسل؛ فمن يرسل الغذاء بيد ويزرع الفتنة بالأُخرى ليس متبرعًا بل مستعمرًا.

والمستشفيات التي تُبنى في المدن المدمّـرة ليست إنسانية بل أدوات تضليل.

لقد باتت الشعوب تدرك أن الخطر الحقيقي ليس فقط من العدوّ الصهيوني، بل أَيْـضًا من أُولئك الذين فتحوا له الأبواب باسم التطبيع، ومن الذين خانوا فلسطين حين أغلقوا حدودها وفتحوا خزائنهم لشراء الصمت.

والمفارقة أن هذه الأنظمة، التي تسرفُ في تمويل المرتزِقة، كانت قادرةً على تحويل وجه التاريخ لو استثمرت تلك الثروات في بناء مشروع عربي موحد يواجه الاحتلال ويستعيد مكانة الأُمَّــة.

لكنهم اختاروا طريق الذل؛ فصاروا أدوات بيد المحتلّين، ينفذون أوامرهم ويبرّرون جرائمهم.

فكل بندقية أطلقت على عربي بريء، وكل فتنة اشتعلت في مدينة عربية، كانت بتمويل مباشر أَو غير مباشر من تلك العواصم التي تدّعي “الأُخوَّة”.

إن كشف هذا النفاق ليس مهمة المثقفين وحدَهم، بل مسؤولية كُـلّ عربي يرى الحقيقة ولا يريد أن يكون شريكًا في الصمت.

فالصمت أمام هذا الخراب خيانة، والتبرير له جريمة.

والمعركة ليست فقط في غزة أَو لبنان، بل في الوعي نفسه: أن تفهم أن كُـلّ “مساعدات” تأتي من أنظمة خانت القدس لن تكون إلا طعنةً جديدة في خاصرة العرب.. ستسقط الأقنعة كما سقطت أقنعة الكيان الإسرائيلي.

فالزيف لا يدوم، والشعوب مهما طال ليلها ستنهض لتقول كلمتها: لن تُشترى كرامتنا بصندوق مساعدات، ولن يُباع دمنا بدراهم النفط، وسنظل نقف مع فلسطين والمقاومة مهما خذلها المنافقون.