أفق نيوز
الخبر بلا حدود

قراءة حول مسألة التطبيع ( العربي – الإسرائيلي ).. من سيتطبع مع الآخر !!

107

كتب / محمد أحمد الحاكم

في خضم الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية وعلى وجه الخصوص في كلاً من سوريا و اليمن و العراق , برزت على الواجهة العربية صورة جديدة من صور الصراعات البينية البين , تمثلت تحديداً في منطقة الخليج وعلى وجه الخصوص بين كلاً السعودية – الإمارات – البحرين ضد دولة قطر , صراع إنطلق تحت عدة مبررات لا يمكن للمرء إستساغتها أو القبول بها شكلاً أومضموناً , و إن كانت ستكون على خلاف ما ذهبت إليه , إلا أنها ستضل على الأقل من وجهة ( نظري ) ثابتة ومستقرة , إذ تستند رؤيتي في هذا الشأن على عدم وجود تطابق فعلي و شكلي لمضمون ( كيفية توظيف مفهوم محاربة الإرهاب والتطرف الذي يعصف بالأمة العربية عقلياً ) مع ما يتم إسقاطه عملياً تجاه العديد من الصراعات التي تشكل أبرزها في الصراع ” الخليجي – الخليجي ” , و الصراع ” العربي – الخليجي ” , ونظراً إلى أن هذا العلة السببية التي تفسر رؤيتي الفكرية ليست محور نقاشنا الرئيسي , إلا أنه سيتم الأخذ و القبول بها إنطلاقاً من زاويتين…!!
الأولى … أن يتم إعتبار هذه الصراعات صراعات جديدة تشهدها هذه الحقبة التاريخية الراهنة , تم إستحداثها مؤخراً بصورة متعمدة من قبل الأطراف الدولية المستفيدة من إنشائه وعلى وجه الخصوص منها ( إسرائيل و أمريكا ) , وبالتالي تم تطبيقها وتفعيلها وفق تلك الكيفية لتصبح صراعات مفروضة ومطروحة أمام جميع كيانات و شعوب المنطقة و الأمة العربية كأمر واقع لا مفر منه .
الثانية … وهو جوهر نقاش موضوعنا , فبعد أن تشكلت هذه الصراعات وفق ما حملته من مفاهيم ومضامين وتوقعات كثيرة تحدثت في مجملها حول المسببات الرئيسية لتشكيل هذه الصراعات , أتى الكثيرين من المفكرين و السياسيين و الباحثين ليقفوا أمام العديد من التوقعات التي يأملون أن تشكل الصورة النهائية لتداعيات هذه الصراعات , ولتصبح بالنسبة لهم أهم التوقعات المحتملة حدوثها في المنظور القريب , توقعات قد تكون كثيرة ومتعددة لكن ما يهمنا في محور نقاشنا هذا يكمن في إحدى تلك التوقعات و التي ستكون حول مسألة التطبيع مع إسرائيل , ونظراً إلى أن مسألة التطبيع أمراً لا محالة من حدوثه في القريب العاجل وفق المنظور الصهيوني , فإنه قد تبادر إلى الذهن تساؤل حول هذا الموضوع لا بد من الإجابة عنه وهو ( من سيطلب التطبيع , و إلى من سيوجه ..؟؟ ) بمعنى أدق هل ستطلب إسرائيل من الدول العربية التطبيع معها , أم أن سيحدث العكس ؟؟
قبل الخوض في غمار هذا الحديث أو غيره علينا أن ندرك جلياً بأن الهدف الحقيقي من وراء طرح مثل هذه المواضيع أو غيرها هو ( إيصال القارئ إلى أكبر قدر ممكن من المعرفة و بأبسط طرح ) , ونظراً إلى أن هذا الموضوع سيتطلب منا إخراجه بصورة تليق بالكاتب وتفيد القارئ على حداً سواء , فإنني سأحاول أن أتطرق إليه بصورة مقتضبة تعكس عن محاولتي في السرد و الإنشاء , وتفيد القارئ في ذات الوقت بالمعرفة لمعنى الموضوع و الغاية من طرحة , لذا وجب عليا أولاً التطرق في الحديث عن كيفية العلاقة السياسية التي كانت تجمع بين الكيان الصهيوني وبين الدول العربية في القرن الماضي ..؟؟ , وكيف أضحت الآن خاصة في ضل مجريات الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة العربية..؟؟ , وهل إستطاعت إسرائيل في إحداث تغيير في طبيعة تلك العلاقات ..؟؟
وللإجابة على هذه التساؤلات علينا تاريخياً الرجوع نحو الخلف قليلاً لنستشف منه بعض ما يمكننا إستقراءه لطبيعة تلك المنهجية من خلال ما يلي :-
1- كانت العلاقات الدولية التي تشكلت بين إسرائيل مع كل الأنظمة العربية و الإسلامية منذ نشأتها وحتى نهاية حرب أكتوبر 1973م , كانت تتسم بالعدائية المطلقة غير قابله للنقاش و الأخذ و الرد , إذ تعود أسباب تلك العدائية إلى وجود الصراع العسكري المستديم بين تلك الأطراف , الصراع الذي تشكل ليكون اللغة و السمة الإلزامية على الدول العربية للأخذ به عند مواجهتهم للكيان الصهيوني بغية تدمير هذا الكيان و نفيه من الوجود , في مقابل تلك المنهجية العربية نجد بأن السياسة الصهيونية آنذاك كانت تقوم على تعزيز إمكانياتها السياسية و العسكرية على المستويين الداخلي و الدولي , بما يمكنها من الثبات و الصمود أثناء الصراع العسكري المباشر مع العرب , مع التفكير في كيفية إبرام أي تطبيع كامل و شامل مع العرب يؤمن لها الأمن و الإستقرار في المنطقة ويعزز من مكانتها الدولية مع مختلف دول العالم .
2- شكلت الفترة من العام 1978م وحتى العام 1994م أكبر تحول في طبيعة العلاقات البينية – بين إسرائيل وبين الدول العربية , تحول قد يقرأ على أنه كان جزئياً بعض الشيء لكنه تحول يمكن قياسه بالمفاجئ الغير متوقع , إذ عبر بجلاء عن أول وثاني حالة تطبيع عربي رسمي مع إسرائيل .
3- تعتبر الفترة التي تلت العام 94م وحتى اليوم بالنسبة للجميع , الفترة التي يمكن أن توصف سياسياً ” بالخجولة ” بالنسبة للعرب , نتيجة عجزهم الكبير في مواجهة الكيان الصهيوني , والذي أدى بهم الأمر في نهاية المطاف إلى التخلي بصورة شبه كاملة عن نصرة القضية الفلسطينية , تخلي قد لا يكون علنياً , لكنه مؤكداً تؤكده الوقائع و الأحداث التي تدور من حولنا , وقائع تؤكد للمرء بما لا تدع له مجالاً للشك بأن التوجه العربي قد أضحى رسمياً يصب نحو الإهتمام بالقضايا الأخرى التي تدور في المنطقة دون أن يستمر في الإهتمام بالقضية الفلسطينية و القدس الشريف , إذ نجد قد سارع مثلاً في الإهتمام بقضية الربيع العربي و ما أفرزه من صراعات و تدمير لمختلف البنى التحتية و الإقتصادية لأبرز الدول العربية ذات التوجه القومي مثل مصر و اليمن و سوريا و العراق و ليبيا , بالإضافة إلى قضية الإرهاب الدولي التي تشكله مختلف الجماعات الإرهابية المصطنعة و الذي ضرب العديد من الدول العربية , كما لا ننسى بعض القضايا الأخرى كقضية بعض الدول الخليجية بالذات التي وافقت على فتح مكاتب تجارية إسرائيلية على أراضيها تحت مبرر واهية تصب تحت عناوين التجارة الحرة .
في مقابل ذلك الوضع العربي الذي تشكل خلال هذه الفترة نجد بأن هذه الفترة أيضاً قد وصفت بــ ” الكبيرة و المهمة ” بالنسبة للإسرائيليين الصهاينة نتيجة عدة إعتبارات أبرزها تمكنهم من تغيير معادلة الصراع مع العرب جملةً تفصيلا .
4- من خلال الإمعان في مضامين وجوهر النقاط السابقة , نجد بأنه يمكننا إستشفاف منها الخلاصة النهائية التي ستحدد النتيجة النهائية لمحور نقاشنا , وذلك في ما يلي :-
(أ‌) إستطاعت إسرائيل من تحوير النظرة العربية تجاهها بعد أن كانت نظرة عدائية صرفه , لتصبح نظرة مغايرة تماماً , فيها الكثير و الكثير من الودية و المحبة المفرطة غالباً .
(ب‌) إستطاعت إسرائيل من عكس نظرتها العملية نحو العرب أثناء صراعاتها معهم , فبعد أن كانت تنظر إليهم بنظرة الند للند , أصبحت تنظر إليهم بنظرة القوي نحو الضعيف , كما أنها في ذات الوقت إستطاعت من تحوير النظرة العربية تجاهها من منظور الغاصب للأرض العربية الفلسطينية , لتتحول بين الحين و الآخرى من الشريك تارة إلى المالك الحقيقي تارة أخرى .
(ت‌) إستطاعت إسرائيل في تغيير النظرة الدونية التي كانت تتلقاه من العرب , فبعد أن كانوا ينظرون إليها بنظرة الأعزاء الأقوياء عند مواجهة الأذلاء و الضعفاء , أصبحت هي تنظر إليهم بنفس تلك النظرة ولكن بطريقة عكسية تماماً .
(ث‌) إستطاعت إسرائيل من تغيير منهجيتها السياسية خلال تعاملها مع العرب , فبعد أن كانت تسعى سعياً حثيثاً وراء العرب بأن يقبلوا التطبيع معها بغية أن تحقق لنفسها الأمن و الإستقرار بشكل كلي , أصبحت منهجيتها السياسية الآن مغايرة تماماً , إذ تمكنت من قلب موازين الأفكار السياسية لتضع العرب في موضع الجاريين جري الوحوش , لعل وعسى يلقون منها القبول و الرضا و الموافقة على التطبيع معهم بغية التحقيق لأنفسهم ولو القليل من الأمن و الإستقرار السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و غيرها.
من هنا ووفقاً لتلك الخلاصة فأنه يمكننا القول بأن مسألة التطبيع في الوقت الراهن قد إستطاعات أن تحدد أطرافها وتحدد محاور و إتجاهات الطلب , مقارنة مع ما كان يتم إستقرائه خلال القرن الماضي , ذلك من خلال ما يلي :-
* أن مسألة التطبيع وفق منظور الدول العربية وبالأخص منها الخليجية قد أصبحت في الوقت الراهن مسألة ضرورية ملحة يجب التسريع في تنفيذها و إتمامها على أكمل وجه , بصورة جادة وملحة , وبدرجة ترقى إلى مستوى التمني و الشغف و الهوس الفاقد للعقل , وهذه حقيقة لا يمكن التشكيك فيها , وهي بذلك تكون قد أكدت على أن محور طلب التطبيع أصبح ينطلق من ذات الدول العربية ليتجه صوب الذات الصهيونية مباشرة دون ميل أو إنحراف , وهذا يدلل على عمق العلاقة العكسية لما كان يحدث في غابر الأيام .
* إن مسألة التطبيع وفق المنظور الصهيوني قد أصبحت في الوقت الراهن مسألة وقت لا أقل ولا أكثر , بمعنى أكثر وضوحاً إن الكيان الصهيوني إستطاع أن يضمن مسألة تطبيع العرب معها عاجلاً أم آجلاً , إذ يعود تفسير هذا الوثوق الصهيوني إلى قراءتهم للنتائج الإيجابية المتتابعة التي تؤكد نجاح مخططاتهم الصهيونية , و التي تتجلى في ما يقوم به هذا الكيان من ربط وثيق بين المستويات والمعنويات العالية للدول العربية وخاصة الخليجية منها في تدمير وتفكيك ما تبقى لدولهم من مقومات سياسية و إقتصادية و إجتماعية و عسكرية وغيرها , مع ما يتم تنفيذه على أرض الواقع , إذ أنه كلما أسرعت الدول العربية في التدمير و التفكك كلما زاد يقينهم بنجاح مخططاتهم الصهيونية , عندها يلقي هذا الكيان نحو هذه الدول العربية ببعض الوهم و الخيال الذي يوحي لهم بالرضا عنهم , و الإيحاء بأنه قد دنى الإعلان النهائي بالموافقة على قبول طلبهم بالتطبيع معها , وليس عليهم سوى سرعة إتمام ما تم الإتفاق عليه .
المصدر / صحيفة الثورة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com