تذبذب عوائد السندات الأمريكية يربك الأسواق العالمية
أفق نيوز|
أزمة السندات الأمريكية: اقتصاد يتأرجح تحت وطأة الدين وتذبذب الثقة العالمية
تقلبات عنيفة تضرب أسواق المال الأمريكية
تشهد الأسواق المالية الأمريكية في الآونة الأخيرة تحولات حادة، أبرزها التذبذب المتزايد في سوق سندات الخزانة الأمريكية، الذي لطالما مثّل ملاذًا آمنًا للمستثمرين العالميين. هذه التحولات تأتي في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات مالية متزايدة، على رأسها تصاعد الدين العام وعدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية والنقدية في البلاد، ما يثير مخاوف واسعة النطاق بشأن استقرار الاقتصاد الأمريكي وتداعيات ذلك عالميًا.
ديون ضخمة وأعباء إعادة تمويل هائلة
بلغ الدين العام الأمريكي أكثر من 36.2 تريليون دولار حتى بداية 2025، وهو رقم تاريخي يمثل تحديًا بالغًا، خصوصًا مع الحاجة إلى إعادة تمويل نحو 11 تريليون دولار من هذا الدين خلال 12 شهرًا فقط، وفقًا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية. هذا يعني أن ما يقرب من ثلث الدين الأمريكي بحاجة إلى إعادة إصدار سريع في سوق يشهد حذرًا متزايدًا من المستثمرين.
مزادات ضعيفة وطلب أجنبي متراجع
في تطور يعكس فقدان الثقة، شهدت مزادات السندات الأمريكية مؤخرًا تراجعًا في الإقبال، حتى مع عوائد مغرية تجاوزت 5%. كما سحبت البنوك المركزية الأجنبية خلال بضعة أسابيع ما يزيد عن 48 مليار دولار من استثماراتها في سندات الخزانة، ما يعكس مخاوف متصاعدة بشأن استدامة المالية الأمريكية.
وفي الوقت الذي سجّلت فيه دول مثل السعودية زيادة في حيازاتها من السندات الأمريكية، إلا أن هذه التحركات تبقى استثناءً لا يغيّر من الاتجاه العام لتراجع شهية المستثمرين الأجانب نحو الدين الأمريكي.
ارتفاع العوائد: مكسب للمستثمرين أم عبء على الحكومة؟
قفزت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بأكثر من 13% خلال أسبوع واحد، متجاوزة 4.5%. ورغم أن هذه العوائد المرتفعة قد تبدو جذابة للمستثمرين، إلا أنها تُمثل عبئًا متزايدًا على الحكومة الفيدرالية، التي أصبحت تدفع أكثر من تريليون دولار سنويًا كفوائد على الدين، مع توقعات بزيادة هذا الرقم إلى 1.2 تريليون دولار سنويًا بحلول 2030، إذا لم تتغير المسارات المالية الحالية.
انعكاسات عالمية: من الأسواق الناشئة إلى الاحتياطيات الأجنبية
الاهتزاز في سوق السندات الأمريكية لا يقتصر على الداخل، بل يمتد ليؤثر على الاقتصادات العالمية:
-
الدول المالكة للسندات: مثل الصين واليابان والمملكة المتحدة، تواجه خطر خسائر كبيرة مع انخفاض أسعار السندات القديمة، نتيجة لارتفاع العوائد.
-
الأسواق الناشئة: تشهد تدفقات رأسمالية خارجة، مع تحوّل المستثمرين إلى السندات الأمريكية ذات العوائد المرتفعة، ما يُضعف عملاتها ويزيد تكاليف التمويل.
-
البنوك المركزية: بدأت في تنويع احتياطاتها خارج الدولار، وارتفعت مشتريات الذهب في عام 2024 بأكثر من 200 طن، بحسب محللين.
عوامل سياسية واقتصادية تُعزز التوتر
ترتبط الأزمة الحالية بعدة عوامل مترابطة:
-
سياسات ترامب الاقتصادية: التوجه نحو فرض رسوم جمركية جديدة واتباع سياسة تجارية أكثر انغلاقًا، أدى إلى ارتفاع التكاليف وعودة الضغوط التضخمية.
-
التضخم وأسعار الفائدة: ارتفاع التضخم دفع الاحتياطي الفيدرالي نحو رفع أسعار الفائدة، ما زاد الضغوط على السندات القديمة وخفّض من قيمتها السوقية.
-
انخفاض الثقة بالسياسات الاقتصادية: التغييرات المفاجئة في التوجهات الاقتصادية أفقدت الأسواق القدرة على التنبؤ بمسار الاقتصاد الأمريكي، ودفع المستثمرين إلى البحث عن أصول أكثر أمانًا.
الذهب يعود إلى الواجهة والدولار يتراجع
في ظل تراجع الثقة، عاد الذهب ليكون ملاذًا آمنًا عالميًا، مع ازدياد مشتريات البنوك المركزية وتراجع مؤشر الدولار إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات. هذا الانخفاض يأتي رغم ارتفاع عوائد السندات، ما يُشير إلى تبدّل في التفضيلات الاستثمارية وقلق متزايد من مستقبل الدولار ذاته.
تحذيرات من “انهيار نقدي عالمي”
أطلق المستثمر والخبير الاقتصادي العالمي ري داليو تحذيرًا لافتًا، مشيرًا إلى أن العالم قد يواجه “نهاية دورة مالية كبرى” تتكرر كل 70 إلى 100 عام، تتمثل في انفجار فقاعة الديون، حيث تصبح خدمة الدين أكبر من قدرة الاقتصاد على تحمّلها، ما يؤدي إلى عمليات “تخفيض الديون” المؤلمة التي تطال الإنفاق والدخل.
الولايات المتحدة على أعتاب أزمة داخلية؟
يرى مراقبون أن الولايات المتحدة تسير نحو مفترق طرق اقتصادي خطير، حيث تشير المؤشرات إلى احتمال:
-
حدوث ركود اقتصادي.
-
تراجع التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
-
أزمة تمويل داخلية قد تؤدي إلى إغلاق حكومي محتمل.
-
ضعف في الاستثمار الأجنبي المباشر الذي انخفض لأدنى مستوياته منذ 2022.
خاتمة: أزمة تتجاوز السوق إلى بنية النظام المالي
لم تعد تقلبات السندات الأمريكية مجرد مسألة فنية داخل الأسواق المالية، بل تحولت إلى مؤشر يُهدد أساسات النظام النقدي والاقتصادي العالمي. وإذا لم تُبادر الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ إصلاحات هيكلية عاجلة لخفض العجز، وضبط السياسة النقدية والمالية، فقد تواجه البلاد – ومعها الاقتصاد العالمي – مرحلة غير مسبوقة من التوتر المالي.