أفق نيوز
الخبر بلا حدود

التحصين الثقافي درع اليمن الأول

50

أفق نيوز|

احلام الصوفي

وسط تصاعد الهجمات الناعمة والخفية على الوعي اليمني، بات من الواضح أن المعركة لم تعد مقتصرة على ميادين القتال والمعابر السيادية، بل أصبحت تدور في العقول والنفوس، في المدارس والمنصات، في كل زاوية من تفاصيل الحياة.

ما يُشن ضد اليمن لا يقتصر على عدوان عسكري واقتصادي، بل يمتد إلى استهداف الهوية والثقافة والقيم، عبر حملات تضليل وتغريب تهدف إلى تفكيك الجبهة الداخلية، وضرب الإيمان والصمود في جوهره. ولذلك، فإن الرهان الأكبر اليوم يجب أن يكون على التحصين الثقافي.

ثقافة القرآن وسيرة أعلام الهدى ليست ترفًا فكريًّا، بل ضرورة وجودية تحمي الوعي وتحصنه من الاختراق. إذ يدرك أعداء الأمة أن من يتسلح بالوعي الحق لا يمكن كسره أو ترويضه، ولهذا يسعون بكل الوسائل لتشويه المفاهيم وإضعاف المرجعيات.

ما نعيشه ليس مرحلة عادية، بل اختبار حقيقي لثباتنا، ومشروعنا في مواجهة ذلك يبدأ من بناء الإنسان اليمني الواعي بقضيته، المرتبط بجذوره الإيمانية، والقادر على التمييز بين الحق والباطل، بين من يسعى لحريته ومن يريد إذلاله.

لهذا، فإن المسؤولية تقع على الجميع، من المؤسسات الثقافية إلى المبادرات الشعبية، لتفعيل الوعي المقاوم ونشر الثقافة الأصيلة التي تنتمي لهويتنا الربانية. فالمعركة اليوم معركة وعي، والانتصار فيها يمر من بوابة الكلمة الصادقة، والفكر النقي، والموقف الثابت.

إن معركة الوعي ليست أقل شراسة من أي معركة تُخاض بالسلاح، بل إنها أكثر عمقًا وتأثيرًا، لأنها تستهدف الإنسان من حيث لا يشعر، وتخترق المجتمعات ببطء، لكنها تهدم من الداخل إن لم تجد جدارًا ثقافيًّا صلبًا يقف في وجهها.

المرحلة الحالية تحتم علينا جميعًا أن ننهض بمسؤوليتنا الثقافية، لا أن ننتظر من الآخرين أن يقودوا الوعي نيابةً عنا. النخب، والمثقفون، والمعلمون، والخطباء، والمربّون، وحتى الآباء والأمهات، كلهم معنيون ببناء هذا الوعي وترسيخه في الأجيال.

لم يعد هناك متسع للحياد أو للغفلة، فالعدو لا يترك فرصة إلا ويستغلها لإحداث شرخ في الجبهة الداخلية، عبر الأفكار المسمومة، والشائعات المغرضة، والحملات الإعلامية الموجهة، التي تهدف إلى إفقاد المواطن ثقته بدينه وهويته وقيادته.

ومع اتساع الهجمة الصهيونية والأمريكية، المدعومة بأموال وأدوات من داخل الأمة نفسها، فإننا مطالبون بتأسيس حركة ثقافية واعية، نابعة من هويتنا الإيمانية، تُحصِّن أبناء هذا الوطن من كل اختراق، وتُعيد توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي، لا نحو بعضنا البعض.

إننا نملك من الإرث الثقافي والقيمي ما يجعلنا قادرين على صد أي غزو ناعم، فقط إن آمنا بأن الكلمة المقاومة لا تقل أهمية عن البندقية، وأن القلم حين يكون في يدٍ واعية، يمكنه أن يهزم ألف رصاصةٍ خادعة.

ليبقَ اليمن عصيًّا على الاختراق، شامخًا بثقافته، ومتماسكًا بجبهته الداخلية، منصورًا – بإذن الله – برجال الكلمة والفكر، كما هو برجال الميدان والسلاح