أفق نيوز
الخبر بلا حدود

فلسطين واليمن في وجدان الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله

41

أفق نيوز|

أحمد داود| أنصار الله

مثل شهيد الإنسانية الشهيد القائد السيد حسن نصر الله محورًا مركزياً في الخطاب السياسي المقاوم في المنطقة، فكانت قضايا المظلومين من ضمن اهتماماته، وكان الرجل الأبرز في مواجهة قوى الاستكبار العالمي (أمريكا وكيان العدو الإسرائيلي وأدواتهما في المنطقة).

وعلى مدى عقود من الزمن، حمل الشهيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- القضية الفلسطينية على كتفيه، ففلسطين بالنسبة إليه ليست قضيةٍ محليّة أو تاريخيّة فحسب، بل هي معيار للشرعية الأخلاقية والسياسية، فكان قريباً من المقاومة الفلسطينية، بل لصيقاً بها على الدوام، مقدماً الدعم العسكري والمالي واللوجستي، وكل ما تحتاجه المقاومة في سبيل التصدي للتوحش الصهيوني في فلسطين المحتلة.

لقد رافق الشهيد السيد حسن نصر الله فلسطين ورافقته الجماهير الفلسطينية منذ عام 1996، بعد عملية عناقيد الغضب، وحفر نفسه عميقاً في قلوب وعقول الفلسطينيين بمكوناتهم المختلفة، بدءاً بالمواطن العادي البسيط، وانتهاءً بالنخب المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية، وتحول السيد إلى مكون رئيس في الحياة الفلسطينية، في الوعي والوجدان.

وعلى الصعيد الرمزي، صنع الشهيد السيد حسن نصر الله جسورًا عاطفية بين المقاومة في لبنان والشعب الفلسطيني، فصارت كلماته تقرأ في مخيّمات غزة والضاحية على حد سواء، وتحوّل حضوره الإعلاميّ إلى مصدر ثقة لدى جماهير واسعة، ما منح خطاب القضية بعدًا أمميًا؛ أي أنّ نبرة التضامن لم تعد محصورة بالحدود الجغرافية، بل امتدّت إلى مجالٍ أخلاقيّ يشرِّع التحرك الشعبي والسياسي لصالح فلسطين.

ومثلت مواقف السيد حسن نصر الله عقبة أمام مسارات التطبيع، وعززت من شرعية الفعل المقاوم، وكان -رضوان الله عليه- حريصاً على كشف المؤامرة الأمريكية على المنطقة، مؤكداً أن القرار الأمريكي يمثل محاولة لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، وهنا يقول الشهيد الأسمى بعد القرار الأمريكي بنقل سفارته إلى القدس خلال الفترة السابقة للمجرم ترامب: “آن الأوان ليعرف الجميع أن أميركا ليست راعية السلام، فأميركا راعية الإرهاب والاحتلال والتدمير والفتن، صانعة داعش والجماعات التكفيرية، ويجب أن يكون موقف الأمة الوحيد تلخصه كلمتان: الموت لأمريكا”.

وبلغ دعم شهيد الإنسانية لفلسطين ذروته بعد انخراطه مباشرة في دعم وإسناد غزة بعد “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023م، فبعد يوم واحد، كان حزب الله يقصف المواقع الصهيونية على الحدود مع لبنان، في الجهة الشمالية لفلسطين المحتلة، ومع مرور الوقت تحولت العديد من مغتصبات العدو إلى أطلال مهجورة، وكان من ثمرة هذا الإسناد نزوح الآلاف من الصهاينة من مغتصبات الشمال، وإعاقة العمل العدواني البري الصهيوني على قطاع غزة.

يقول الشهيد -رضوان الله عليه- في خطاب له يوم الثلاثاء 9 يوليو 2024م : “نحن في قلب طوفان الأقصى في غزة”، مؤكداً أن العدوان الصهيوني على المنطقة ومظلومية الشعب الفلسطيني أمر لا حاجة للنقاش فيه، فهناك حقٌ ظاهرٌ وجليٌّ اسمه فلسطين بمعايير القانون الدولي والحقوق والإنسانية والأخلاق والأديان، وهناك باطل اسمه “إسرائيل”، مشيراً إلى أن من يتجاهل ما يجري في غزة والمظالم التي تلحق بفلسطين وبجبهات الإسناد فهو ميت العقل والقلب والروح.

وبالنسبة للكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة، فإن الشهيد حسن نصر الله لم يكن مجرد داعم سياسي أو ممول عسكري، بل كان “صوتَهم” في الساحة العربية، فخطبه التي تابعها الملايين في القطاع كانت تُبث عبر مكبرات الصوت في المخيمات، وكانت كلماته “الضاحية تحمي غزة” أشبه بعهد متجدد؛ لذلك حين اغتيل، عمّ الحزن في غزة بشكل لا يقل عن الضاحية، وكثيرون كتبوا حينها: “فقدنا قائدًا لم نره يومًا بيننا، لكنه كان حاضرًا في كل بيت”.

أقرب وأعز الناس إلى قلوب اليمنيين

أما بالنسبة لليمن، فقد كان للشهيد القائد السيد حسن نصر الله موقف صريح منذ اليوم الثاني لبدء العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الغاشم على بلادنا في 26 مارس 2015م، معتبراً الوقوف مع اليمن مسؤولية أخلاقية ودينية قبل أن تكون مسألة تحالفات جيوسياسية.

و كان -رحمه الله- أول من وقف مع اليمن وساندهم، وهو من أبرز المدافعين عن اليمن ومظلومية الشعب اليمني، ومواقفه واضحة وصادقة في هذا الجانب، حَيثُ لم يأت زعيم أو قائد عربي بمثل ما أتى به، وبمثل ما ناصر به اليمن، وتأثر بما يحدث في بلادنا، حَيث لا تخلو خطاباته من التأييد والانحياز الكامل للشعب اليمني.

لقد خرج الشهيد السيد حسن نصر الله في اليوم الثاني من العدوان على اليمن؛ ليفرد خطاباً عن اليمن، وجاء بعكس كُـل المواقف، حَيثُ أدان العدوانَ، واستنكر بيان حكومة سعد الحريري المنحاز للإجرام السعوديّ، كما استغرب من موقف السلطة الفلسطينية -برئاسة محمود عباس- التي انحازت كذلك للعدوان الغاشم على اليمن، قائلاً يومها مخاطباً عباس: “كيف تؤيّد حرباً على شعب؟ اذهب إلى بيتك، هذا سيفقدك منطقك عندما ستشن “إسرائيل” حرباً عليك، وإذا ما حصل عدوان إسرائيلي على الضفة وغزة، كيف ستجد تعاطفاً معك؟”.

ولم يخضع موقف الشهيد -رحمه الله- للمصالح الشخصية، بل استند إلى قراءة إنسانية لمدى المأساة التي يعيشها الشعب اليمني تحت الحصار والعدوان، حيث ربط مظلومية اليمن بمأساة كربلاء من حيث الطابع الرمزي للمعاناة والثبات، ما أعطى القضية اليمنية بعدًا دينيًا يعلو على الحسابات السياسية، ويجعل من التضامن معها واجبًا أخلاقيًا وفق معايير دينية واجتماعية لدى قطاعات واسعة.

ولهذا يقول -رضوان الله عليه- في خطاب ذكرى عاشوراء الذي ألقاه في بيروت يوم 21 سبتمبر 2018م: “نجدد وقوفنا إلى جانب الشعب اليمني المظلوم المعذب المقاوم والمجاهد، والذي يعيش في كُـلّ يوم منذ ما يقارب الأربع سنوات يعيش في كُـلّ يوم وعلى مدى الساعات كربلاء متواصلة، كربلاء العصر هي التي تجري الآن في اليمن بكل ما للكلمة من معنى؛ لأَنَّك في معركة اليمن عند هذا الشعب المظلوم ستجد مظلومية كربلاء، وغربة كربلاء، وحصار كربلاء، وعطش كربلاء، وحصار العالم لكربلاء، وتخلي الأُمَّــة عن كربلاء، وهذا هو الذي يجري اليوم في اليمن”.

وكان -رحمه الله- أبرز من فند وفضح أكاذيب السعودية وتحالفها ضد اليمن، مقدماً أبلغ وصف لليمن، بقوله: “الآن قالوا إن هدف هذه الحرب هو الدفاع عن عروبة اليمن، حسناً، هل فوضت الشعوب العربية النظام السعوديّ أن يشن حرباً باسمها، باسم العرب، على اليمن! حرب عربية على من؟ حرب العرب على من؟ على شعب عربي؟ على العرب الأقحاح؟ انظروا إلى سحنتهم، إلى لهجتهم، إلى لُغتهم، إلى شِعرهم، إلى أدبهم، إلى بلاغتهم، إلى فصاحتهم، وانظروا إلى شهامتهم، وشجاعتهم، وحماستهم، وأبوّتهم، وإبائهم للضيم، ونخوتهم، وغيرتهم، وكرمهم، وجودهم. إن لم يكن الشعب اليمني من العرب فمن العرب؟”.

ونجد سماحة السيد حسن نصر الله يؤكّـد في خطاب له في الأول من مارس سنة 2016م أن أشرف وأعظم ما فعله في حياته هو خطابه في اليوم الثاني من العدوان على اليمن، مؤكّـداً أنه لا توجد مظلومية على وجه الكرة الأرضية توازي مظلومية الشعب اليمني نتيجة الحرب السعوديّة، وأن وقوفه ووقوف حزب الله مع الشعب اليمني أهم وأرقى من مواجهتهم لـ“إسرائيل” في حرب تموز.

وفي وقت كان العالم ينظر فيه إلى أن العدوان الأمريكي السعوديّ سيجتاح اليمن ويهزم الشعب اليمني، كان سماحة الشهيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يرى عكس ذلك، فهو يقول: “في اليمن شعب يقول هيهات منا الذلة، وأي شعب يقول ذلك سينتصر دمه على السيف، وهذه هي الحقيقة”.

وتجلّى موقف الشهيد –رحمه الله- من خلال الإشادة ببطولات مجاهدي أبطال الجيش واللجان الشعبية، إلى درجة أنه تمنى أن يكون جندياً تحت قيادة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، وهنا يقول: “ما جرى في الساحل الغربي اليمني أشبه بالمعجزة؛ لأَنَّ القتال يجري بين أقوى أسلحة الجو وأجهزة استعلام قوية وتقنيات وجيوش وقوات، وبالمقابل شعب مجاهد يملك إمْكَانيات متواضعة لكن يملك إيمَـاناً كَبيراً وثقة بالله”، ثم يؤكّـد بقوله: “في التجربة الأخيرة في الساحل الغربي يجب أن ننحنيَ إجلالاً لهؤلاء المقاومين الأبطال ولقياداتهم الشجاعة”.

وتابع قائلاً: “أنا خجول أنني لستُ مع المقاتلين اليمنيين في الساحل الغربي، وأقول يا ليتني كنت معكم أقاتلُ تحت راية قائدكم الشجاع والحكيم، وكل أخ من المقاومة يقول ذلك”، مُضيفاً: ”لتعلم السعوديّة والإمارات أنهم أمام شعب لن يستسلم ولديه قدرة عالية على الصمود”.