سُمٌّ بلا دسم.. صفقة ترمب ملغومة
أفق نيوز|
رهيب التبعي
من يتابع ما يُطرَحُ اليوم من خطط أمريكية لإدارة غزة تحت خديعة “السلام”، يُدرَكُ أنّها ليست سوى وصفة جديدة للتصفية، وليست تسوية.
صفقة ترمب الأخيرة التي يتم الترويج لها على أنها حَـلّ سياسي للأزمة في غزة، ليست سوى فخٍّ خبيث، ملغومٍ بالمخاطر، والقبول بها أشبه بانتحار طوعي.
أخطر ما في الصفقة هو اشتراط “نزع السلاح”، وهو في الحقيقة تجريدٌ للشعب الفلسطيني من وسيلة الدفاع الوحيدة أمام آلة حربٍ أثبتت خلال عامين أنّها لا تعرف قانونًا ولا عهدًا.
إنّ تسليم السلاح في ظلّ غياب الضمانات الدولية لن يعني سوى إطلاق يد القتلة ليُحقّقوا بالسياسة والمكر ما عجزوا عن تحقيقه بالنار والحديد.
كيف يمكن الثقة بكيانٍ نقض اتّفاقاتٍ سابقة، بعد أن أطلق الأسرى، ولم ينسحب من لبنان، وما زال حتى اليوم يواصل عدوانه؟ التاريخ الحديث مليء بالشواهد على أنّ الطرف المدعوم أمريكيًّا لا يفي بعهود، بل يستخدم الاتّفاقات كمرحلة استراحة لترتيب عدوانٍ جديد.
وما حدث في ملفات إقليمية أُخرى -من خداع إيران بوعودٍ وهمية، إلى غدر قطر بعد أن لعبت دور الوسيط- ليس ببعيد.
القبول بخطةٍ تنزع السلاح دون ضماناتٍ حقيقية يُعيد إلى الأذهان مأساة سريبرينيتسا، حين تُرك المدنيون مكشوفي الصدر أمام مجزرةٍ مروّعة تحت أعين المجتمع الدولي.
إنّ التخلي عن عناصر القوة، وركونًا إلى وعودٍ عابرة، يعني عمليًّا تسليم غزة لمصيرٍ مشابه، مع فارق أنّ هذه المرة سيكون السيناريو مدروسًا وتحت غطاء ما يُسمى بـ “السلام”.
لقد آن الأوان لرفض الأدوار المشبوهة لبعض الوسطاء الذين لعبوا لعبة المصالح على حساب دماء الأبرياء.
الوساطة التي لا تحفظ الحق الفلسطيني، ولا تضمن أمن الشعب وكرامته، إنما تتحول إلى سمسرةٍ سياسية تصبّ في صالح المعتدي.
إنّ السلام الذي يقوم على تصفية الحقوق، ونزع وسائل الدفاع، ليس سلامًا، بل استسلام.
ومن يظنّ أن الشعب الفلسطيني سيقبل بهكذا “صفقات”، فهو واهم.
نعم للسلام، لكن بشرط أن يكون قائمًا على العدالة والكرامة وضماناتٍ دوليةٍ مُلزمة تمنع تكرار المأساة، لا أن يكون غطاءً لتصفية القضية وإبقاء غزة جرحًا مفتوحًا في جسد الأُمَّــة.