اليمن في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى.. تضحيات متجددة على طريق القدس
أفق نيوز|
مثلت تلك المعركة، التي دشنتها المقاومة الفلسطينية من قلب غزة، ملحمة تاريخية كشفت هشاشة الكيان الصهيوني رغم تفوقه العسكري والتقني، وأكدت أن إرادة الشعوب قادرة على كسر قيود الحصار وإعادة رسم موازين القوة.
ليلة السابع من أكتوبر 2023م، كان القائدان الشهيدان يحيى السنوار ومحمد الضيف يضعان اللمسات الأخيرة للهجوم الأكبر من نوعه منذ عقود على كيان العدو، في عملية قلبت موازين الصراع وأوقعت في صفوف عصاباته ومستوطنيه مئات القتلى والأسرى، وألحقت بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر تقدر بأكثر من 140 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 40 مليار دولار.
أعادت معركة “الطوفان”، التي تصدرت تنفيذها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة “حماس” بالتنسيق مع فصائل المقاومة الأخرى، القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد سنوات من التهميش، وأحيت في نفوس الأحرار روح المقاومة والعزة، كما أعادت بوصلة الاهتمام العربي والإسلامي إلى القدس، لتعود فلسطين مجددًا محور الحديث الإقليمي والدولي.
لم تكن المعركة مغامرة عاطفية أو عملاً عبثياً، بل كانت ضرورة وطنية وإنسانية جاءت من رحم المعاناة الطويلة والحصار الخانق، ومن تراكم الغطرسة الإسرائيلية في غزة والضفة والقدس، نفّذتها المقاومة بجرأة غير مسبوقة، فأسقطت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” وكشفت هشاشته أمنياً وعسكرياً رغم تفوقه التقني والاستخباراتي.
لقد أحدثت العملية زلزالاً سياسياً وعسكرياً في كيان الاحتلال وأربكت منظومته الأمنية والعسكرية، ففي غضون ساعات، كانت آلاف الصواريخ والقذائف تنهال على مواقعه وثكناته ومطاراته، فيما اخترقت وحدات من المقاومة تحصيناته عبر البر والجو لتنقل المعركة إلى عمق مستوطنات “غلاف غزة”.
رد الكيان الصهيوني بإعلان حربٍ شاملة على غزة، وفرض حصارٍ خانق، وأطلق عملية عسكرية واسعة أسماها “السهم والدرع”، ارتكب خلالها أفظع الجرائم بحق المدنيين، فدمر المنازل والمستشفيات والمدارس، وقتل الآلاف من الأبرياء، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.
كانت المقاومة الفلسطينية تدرك أن “طوفان الأقصى” سيكون مكلفاً، لكنها آثرت طريق العزة على الاستسلام، فالتضحيات مهما عظمت تبقى زهيدة أمام واجب الدفاع عن الأرض والكرامة والتحرر من نير الاحتلال الذي جثم على فلسطين منذ أكثر من ثمانية عقود.
شكلت معركة “الطوفان” ملحمة أسطورية فريدة في التاريخ العربي الحديث، إذ وحدت أحرار العالم لتوجيه بوصلة العداء نحو عدو الأمة، وفضحت جرائم الكيان وشريكه الأمريكي، لتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في وجدان الأمة، وتضع إسرائيل في عزلة دولية خانقة نتيجة سجلها الإجرامي بحق المدنيين.
برز الموقف اليمني خلال هذه المعركة كأحد وأبرز المواقف العربية الداعمة للشعب الفلسطيني، حيث عبرت القيادة اليمنية والشعب اليمني عن وقوفهما الثابت إلى جانب المقاومة سياسياً وإعلامياً، وصولاً إلى الإسناد العسكري عبر استهداف مواقع العدو وسفنه في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، ما كبده خسائر اقتصادية فادحة.
وعلى الرغم من حجم التضحيات التي قدمها اليمن منذ انطلاق “طوفان الأقصى”، مضى الشعب اليمني بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي ثابتاً على نهج الدعم والمساندة، موجهاً صواريخه ومسيراته نحو العدو في عمق الأراضي المحتلة دفاعا عن فلسطين وكرامة الأمة.
وبعد مرور عامين على عملية “طوفان الأقصى”، يخوض أحرار الأمة معركة تحررية وجودية مع قوى الهيمنة والاستكبار الأمريكي والإسرائيلي والقوى الغربية المشاركة في سفك دماء أبناء الشعوب الحرة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وإيران، التي تحاول تثبيت مصالحها في المنطقة والسيطرة على ثرواتها وخيراتها وإذكاء النزاعات بين الأشقاء والأصدقاء، ورغم قسوة التحديات، فإن إرادة الشعوب الحرة تزداد صلابة في وجه الطغيان.
سيبقى يوم السابع من أكتوبر 2023م علامة بارزة ومحطة فارقة في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، مهد الطريق لأحرار العالم، وفي المقدمة أبطال المقاومة الفلسطينية، للمضي قدماً في صناعة فجر الانتصارات التي طال انتظارها، وإن كانت الأيام المقبلة صعبة ومؤلمة، فإن النهاية وفق ما يراه أصحاب القضية ستكون انفراجة كبرى ونصراً بلا حدود.