أفق نيوز
الخبر بلا حدود

المرتزِقة والموقف من غزة: سقوط الأقنعة وانكشاف الوجوه

43

أفق نيوز|

شاهر أحمد عمير

يهاجمُنا المرتزِقةُ؛ لأننا وقفنا إلى جانبِ إخواننا المظلومين في غزة؛ ولأننا اخترنا موقفًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا نابعًا من الإيمان، لا من الحسابات الضيقة ولا المصالح العابرة.

يهاجموننا وهم الذين استدعوا تحالف العدوان الدولي لضرب اليمن وحصاره، وفتحوا أجواءه وموانئه أمام الطائرات والسفن الأجنبية، متذرِّعين اليوم بالحرص على سلامة اليمن وكأنهم حراس سيادته، بينما هم في الحقيقة من باعوا سيادته بأيديهم، وسلموا قراره للغريب.

إنهم يهاجمون موقفنا من غزة لأن هذا الموقف يفضح ارتباطهم بالمشروع الأمريكي الصهيوني، فهم لا يحتملون أن يروا اليمن الحرّ يقف في صف المقاومة، ولا يريدون أن يُذكَّروا بأنهم خانوا وطنهم عندما اصطفوا مع العدوّ.

إنهم يكرهون كلمة “الكرامة” لأنهم فقدوها، ويخشون من صوت الحق لأنهم اعتادوا التبعية والخضوع.

إن القرآن الكريم لخص حقيقتهم بدقة حين قال تعالى:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11-12].

وما أشبه حال هؤلاء بما وصفه الله في كتابه، يفسدون باسم الإصلاح، ويخونون باسم الوطنية، ويبرّرون خضوعهم للأجنبي باسم الواقعية السياسية.

وهم في حقيقتهم مُجَـرّد أدوات تُدار من الخارج لخدمة مشروعٍ واحد هدفه كسر إرادَة الأُمَّــة وتمكين العدوّ من أرضها وثرواتها وقرارها.

إن الموقف اليمني من القضية الفلسطينية ليس جديدًا ولا طارئًا، بل هو امتداد لعقيدةٍ إيمانيةٍ راسخة، تقوم على نصرة المظلوم ومواجهة المستكبرين.

وقد أكّـد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله أن نصرة فلسطين واجب ديني وإنساني، وأن الوقوف في وجه العدوان الصهيوني هو شرف الأُمَّــة وكرامتها.

فاليمن الذي صمد في وجه تحالف العدوان العالمي لسنوات، وتحمل الحصار والجوع والقصف، لا يمكن أن يقف مكتوف اليدين أمام مجازر تُرتكب بحق شعبٍ عربي مسلم يُذبح أمام العالم.

إن من يتذرع بالحياد في قضيةٍ كهذه هو شريك في الجريمة، ومن يهاجم من يقف مع غزة إنما يهاجم روح الأُمَّــة وضميرها.

لأن معركة فلسطين ليست معركة حدود، بل معركة هوية وكرامة وإيمان.

والموقف منها هو المعيار الذي يفرز الأحرار من العبيد، والمؤمنين من المنافقين.

واليمنيون الذين خبروا العدوان والحصار يعرفون جيِّدًا معنى أن تكون مظلومًا في هذا العالم، ولذلك كان موقفهم مع غزة موقفًا فطريًّا وإنسانيًّا قبل أن يكون سياسيًّا.

لقد انكشف المرتزِقة حين ظهروا في الإعلام الغربي والعربي يتحدثون بلغة أسيادهم، يكرّرون الرواية الأمريكية عن “وجوب تجنب التصعيد”، وهم أنفسهم من دعموا كُـلّ أشكال العدوان ضد بلدهم، وضد كُـلّ صوتٍ حرٍّ يرفع راية المقاومة.

إنهم يكشفون أنفسهم كلما تكلموا، ويُسقطون أقنعتهم كلما حاولوا الدفاع عن خيانتهم، لأن كلماتهم باتت صورةً صادقةً لما في قلوبهم من ولاءٍ للعدو وعداءٍ للأحرار.

إن من يستدعي تحالفًا أجنبيًّا لضرب وطنه لا يمكن أن يتحدث عن الحرص على سلامة اليمن، ومن يسلم قراره السياسي لولي عهدٍ أجنبي لا يملك حق الكلام عن السيادة.

هؤلاء لا يمثلون اليمن، بل يمثلون مصالح أسيادهم في واشنطن والرياض وأبوظبي، ويعملون على تنفيذ أجنداتٍ تُراد منها إعادة رسم خريطة المنطقة بما ينسجم مع مصالح كَيان الاحتلال وأمريكا.

لكن اليمن لن يكون أبدًا تابعًا، ولن يخضع لوصاية أحد.

فالشعب الذي صمد ثماني سنواتٍ في وجه أكبر عدوانٍ في التاريخ الحديث، لا يمكن أن يُخدع بخطابٍ منافقٍ أَو شعارٍ مزيّف.

اليمن اليوم أكثر وعيًا من أي وقتٍ مضى، ويعرف أن المعركة في غزة هي امتداد لمعركته في صنعاء والحديدة وصعدة، وأن العدوّ الذي يقتل الأطفال هناك هو نفسه الذي يقتلهم هنا.

ولهذا فإن موقف اليمن من غزة ليس تضامنًا سياسيًّا، بل التزام إيمانيٌّ ومسؤولية إنسانية، تعكس جوهر العقيدة القرآنية التي تجعل من نصرة المظلومين فريضة ومن مواجهة الطغاة شرفًا.

الحمد لله الذي يفضح المنافقين بألسنتهم قبل أفعالهم، ويكشف زيف ادِّعاءاتهم كلما حاولوا التستر خلف شعارات الوطنية.

فكلما تحدثوا عن “الخطر على اليمن” بان أنهم الخطر الأكبر عليه، وكلما رفعوا شعار “الإصلاح” انكشف أنهم صناع الفساد والدمار.

سيبقى اليمن ثابتًا في صف الحق، صامدًا في وجه الباطل، مؤمنًا بأن من يقف مع فلسطين يقف مع الله، ومن يخذلها فإنما يخذل نفسه، وأن النصر وعدٌ إلهيٌّ لا يتخلّف لمن آمن بعدالة قضيته وصدق مع الله في مواقفه.