خيانة التطبيع وتطويع الشعوب.. من انحراف الأنظمة إلى موقف المسيرة القرآنية في وجه الصهيونية
أفق نيوز| تقرير| أحمد قحيم
لم يعد التطبيع مع العدو الصهيوني مجرد توقيع اتفاقيات أو فتح سفارات، بل بات تحولًا جذريًا في هوية الأنظمة المطبعة وسقوطًا مريعًا في امتحان الولاء لله ورسوله والأمة. فهذه الأنظمة التي رضخت للهيمنة الأمريكية والصهيونية، لم تطبع فقط مع عدو الأمة، بل طوّعت شعوبها قسرًا لتقبل العدو كـ”صديق”، ومحت من وعيها ثوابت القرآن والرسالة المحمدية.
إنّ ما نعيشه اليوم ليس مجرد مسار سياسي عابر، بل معركة وعيٍ وتاريخٍ ووجودٍ بين مشروعين: مشروعٍ إلهيٍّ قرآني يقوده الأحرار والمستضعفون في محور المقاومة، ومشروعٍ شيطانيٍّ استكباريٍّ يعمل على تطويع الأمة لصالح الصهيونية والهيمنة الأمريكية.
التطبيع أم التطويع؟.. المفهوم الذي يُعيد تعريف الخيانة
مصطلح “التطبيع” يوحي بعودةٍ إلى طبيعةٍ مفقودة، وكأنّ العلاقة بين العرب واليهود كانت يومًا طبيعية.
لكن الحقيقة أن العلاقة بين الأمة والكيان الصهيوني لم تكن طبيعية في أيّ لحظة من التاريخ، لأن هذا الكيان لم يُخلق ليكون جارًا أو شريكًا، بل غدةً سرطانيةً في جسد الأمة.
لذلك، فإن الأنسب هو مصطلح “التطويع”:
تطويع الأنظمة، تطويع المناهج، تطويع الإعلام، وتطويع الإنسان العربي والمسلم نفسيًا وثقافيًا لتقبل ما حرم الله، وتقديس من لعنهم الله.
إنها عملية غسلٍ للعقل والهوية، تسعى لجعل الأمة تخضع لمشروع الهيمنة وهي تظن أنها تعيش “سلامًا” و”ازدهارًا”.
الأنظمة المطبّعة: من عمالة القرار إلى تسويق الصهيوني كمنقذ
منذ عقود، تعمل الأنظمة العميلة على بناء شبكة علاقات مع الكيان الصهيوني ضمن ما يُسمّى “التحالف الإقليمي الجديد”، تارة تحت عنوان “مواجهة إيران”، وتارة باسم “السلام الاقتصادي”.
لكنّ جوهر المسألة هو تسليم القرار السياسي والأمني والاقتصادي للعدو الأمريكي والصهيوني.
هذه الأنظمة لم تكتفِ بتوقيع اتفاقيات أمنية وتكنولوجية مع العدو، بل حوّلت التطبيع إلى ثقافةٍ مؤسسيةٍ تُدرّس في المدارس وتُبثّ في الإعلام وتُغرس في وعي الأجيال الناشئة، فصار العدو “صديقًا”، والمجاهد “إرهابيًا”.
إنّها مرحلة التطويع الشامل للشعوب، حيث تُصبح الدولة أداةً في يد المحتل، والشعب مُستلب الوعي منغمسًا في لهوه، لا يدرك أنّ مقدساته تُباع من وراء ظهره.
الرسول الأكرم ضد التطبيع: الموقف النبوي الذي أسّس الوعي المقاوم
منذ أن بعث الله نبيَّه محمداً صلى الله عليه وآله، كانت الرسالة القرآنية في جوهرها ثورةً على التطبيع والموالاة لليهود والنصارى.. فالقرآن حسم المسألة بوضوح: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء…)، (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
إنّها آيات تُلزم الأمة برفض أي علاقةٍ ودّية أو سياسية أو اقتصادية مع من حاربوا الله ورسوله. ولو كان التطبيع أمرًا مقبولًا، لكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول المطبعين، لكنه قاتل يهود خيبر وبني النضير وبني قريظة وقاد مواجهة عسكرية وثقافية وسياسية ضدهم.
هذه المواقف لم تكن نزاعاتٍ ظرفية، بل تأسيسًا لعقيدةٍ إيمانيةٍ ترفض الخضوع لأعداء الله.
فمن يقبل التطبيع اليوم، إنما يخالف توجيهات الله ورسوله، ويقع في المحظور العظيم الذي حذّر منه القرآن:
(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
إنها آية الفصل التي تحدد بوضوح أن كلّ مطبّع هو منهم، وكل من تولى العدو الصهيوني فقد انسلخ من هوية الإيمان.
الثقافة القرآنية: جدار الوعي الذي أسقط مشروع التطويع
الثقافة القرآنية ليست مجرد فهمٍ نظريٍ للقرآن، بل منهج حياةٍ وموقفٍ عملي في مواجهة كل المشاريع الهادفة لترويض الأمة.
وقد أعاد الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه إحياء هذا المنهج القرآني المقاوم، وربط الوعي الإيماني بالموقف العملي من أمريكا وإسرائيل.
الشهيد القائد: حين أعاد بوصلة الأمة نحو العدو الحقيقي
في زمن غاب فيه صوت الحق وعمّ فيه الضباب السياسي، خرج الشهيد القائد رضوان الله عليه، بمشروعٍ إيمانيٍّ صريح، يعلن:
“الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، شعارًا يختصر الموقف القرآني والنبوي من التطبيع والخضوع.
لقد حذّر الشهيد القائد مبكرًا من الانزلاق نحو التطبيع، ورأى في صفقات السلام المزعومة كمبادة أوسلو وكامب ديفيد نفقًا خطيرًا سيؤدي إلى فقدان الأمة لقضيتها المركزية.
المسيرة القرآنية: مشروع مقاوم بوجه التطبيع
انطلقت المسيرة القرآنية لتكون الامتداد العملي لنهج الرسول، والموقف القرآني في مواجهة الصهيونية والاستكبار.
فلم تكتفِ بالشعارات، بل حوّلت القضية الفلسطينية إلى محورٍ تعبويٍّ وثقافيٍّ وشعبيٍّ دائم الحضور في اليمن، فخرجت الملايين في يوم القدس العالمي، ورفعت الصرخة في وجه الأنظمة المطبعة والهيمنة الأمريكية، وجعلت من مواجهة التطبيع جزءًا من العقيدة الجهادية.
اليمن القرآني في مواجهة زمن التطبيع
في الوقت الذي تهافتت فيه الأنظمة العربية إلى أبواب “تل أبيب”، كان الشعب اليمني – بفضل ثورته ومسيرته القرآنية – يُجدد ولاءه لله ورسوله ويهتف بالصرخة في وجه الصهيونية.. اليمن اليوم يمثل الوجدان الحي للأمة؛ بلد محاصر، يتعرض للعدوان الأمريكي السعودي الصهيوني، لكنه يرفض المساومة ويواجه التطبيع بالدم والموقف.
لقد جسّد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي هذا الوعي القرآني حين ربط القضية الفلسطينية بالقضية اليمنية، وقدم مبادرات إنسانية مشهودة بإطلاق أسرى سعوديين مقابل أسرى فلسطينيين في سجون العدو، في صفعة أخلاقية وإنسانية للمطبعين.
لهذا نجد أن موقف المسيرة القرآنية، بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من القضية الفلسطينية موقفًا مبدئيًا وإيمانيًا لا يخضع للمساومات.. فقد قالها السيد القائد مرارًا: “الوقوف مع فلسطين ليس خيارًا سياسيًا بل هو التزامٌ ديني وإنساني، ومن يعادي فلسطين يعادي القرآن نفسه.”
إنها رسالة للعالم بأن المسيرة القرآنية لا تنفصل عن محور المقاومة، وأن موقفها من التطبيع ليس سياسيًا عابرًا بل عقيدة إيمانية لا تقبل المساومة.
اليمن والمسيرة القرآنية: الصمود في وجه التطبيع والعدوان معًا
في الوقت الذي تسقط فيه العواصم العربية في فخّ الولاء للصهاينة، تقف صنعاء بثباتٍ قرآنيٍ فريد، رافعًة راية القدس، مؤكدًة أن التحرير فريضة، ومواجهة المطبعين واجب ديني.
من ميادين القتال إلى المسيرات المليونية، من منابر الوعي إلى مؤسسات الدولة، أثبت اليمن أن الثقافة القرآنية تصنع أمةً لا تُروَّض ولا تُشترى.
اليمن اليوم يمتلك الموقف الأصفى في العالم العربي، فبينما يهرول البعض للتطبيع، يرسم اليمن ملامح مرحلةٍ جديدةٍ من الوعي التحرري المقاوم، مستمدًا من القرآن والرسالة النبوية روح العزة والإباء.
من ثقافة القرآن إلى مستقبل التحرير
التطبيع خيانة، والتطويع استعباد، لكنّ الأمة التي تحمل في قلبها القرآن والقدس معًا لا يمكن أن تُهزم.
وقد أثبتت المسيرة القرآنية في اليمن أن الوعي القرآني أقوى من كل مؤامرات التطبيع، وأن مدرسة الرسول والشهيد القائد والسيد القائد هي الطريق الوحيد لاستعادة كرامة الأمة.
فمن سار على نهج القرآن، لا ولن يطبع مع العدو، ومن اقتدى برسول الله، لا يساوم على فلسطين، ومن آمن بثقافة المسيرة القرآنية، لا يخضع إلا لله.
نقلا عن موقع 21 سبتمبر