فلسطين ليست مُجَـرّد صراع سياسي أَو نزاع حدودي، بل هي قضيةٌ ترتبط بالهُوية والاعتقاد والوجدان، وتمثّل رمزًا للعدل والكرامة والتحرّر.. منذ أكثر من قرن، ظلت فلسطين الجرح المفتوح في قلب الأُمَّــة، والقضية التي لم تفقد مركَزيتها مهما تبدّلت الظروف وتعاقبت الأجيال.

ما تزالُ قضية فلسطين قضيتَنا المركَزية، رغمَ كُـلّ المحاولات الصهيونية والأمريكية والبريطانية وعملائهم لطمسها أَو تهميشها؛ فهي البُوصلةُ التي تكشف مكانة الشعوب وحيوية مواقفها من القضية، انطلاقا من الأبعاد والحقائق التالية:

 

أولًا: البُعد التاريخي والحضاري للقضية

فلسطين أرضٌ عريقة شهدت حضاراتٍ متعاقبة، وكانت وما زالت مركزًا دينيًّا وروحيًّا يهمّ ملايين المسلمين والمسيحيين واليهود.

ففي القدس، يتجلى ارتباط المسلمين العميق بهذه الأرض؛ فهي مسرى الرسول ومهبط الرسالات، مما يجعل الدفاع عنها واجبًا دينيًّا وحضاريًّا يتجاوز حدود السياسة.

لقد عانت فلسطين منذ القرن الماضي من مشروع استعماري هدفه اقتلاع شعبٍ كامل من أرضه، وإحلال غريبٍ مكانه.

فكانت النكبة عام 1948 بداية سلسلة طويلة من المآسي، تلتها النكسة ومجازر متتالية وحروبٍ متكرّرة، لكن الشعب الفلسطيني ظل ثابتًا، متمسكًا بأرضه وهُويته.

 

ثانيًا: مركزية فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي

لا توجد قضية جمعت الشعوب كما فعلت فلسطين؛ فهي معيار لكرامة الأُمَّــة وقدرتها على الدفاع عن حقوقها، ورمز لوحدتها، ومحرك للضمير الجمعي.

وعلى مدى العقود الماضية وحتى اليوم، بقيت فلسطين محورًا رئيسيًّا في الثقافة والإعلام والسياسة والتعليم، وحاضرة في الشعر والكتابة والفن، سواء في المشرق أَو المغرب.

وإن هذه المركزية لم تأتِ من فراغ، بل نبعت من حجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ومن قدسية الأرض، ومن طبيعة الصراع؛ باعتبَاره مواجهة بين مشروع استعماري مدعوم، وقضية تحرّر شعبٍ يسعى لاستعادة وطنه.

 

ثالثًا: مقاومة الشعب الفلسطيني وإلهام الأُمَّــة

قدّم الفلسطينيون أروع نماذج الصمود والمقاومة في عصرنا الحديث.

فمن انتفاضتي 1987 و2000، إلى معارك غزة المتكرّرة – ومنها معركة “طوفان الأقصى” – أثبتت المقاومة جدارتها بالمواجهة، رغم ما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة، وتدميرٍ ممنهج لكل شيء، والحصار والتجويع والتشريد.

ومع ذلك، استطاعت المقاومة أن تدافعَ وتنصر حقها التاريخي في الأرض.

وقد ألهمت هذه المقاومة أحرار العالم، ورسّخت قناعةً بأن الاحتلال، مهما طال، لا يمكن أن يُشرَّع أَو يصبح أمرًا واقعًا، بل وصل إلى ما يُعرف بـ”الحتميات الثلاث”.

إن تضحيات الفلسطينيين تجعل من القضية مركزيةً دائمًا، لأنها تكشف أن الصراع لم ينتهِ، وأن الشعب ما زال يقاوم، مما يُبقي فلسطين حيّةً في وعي الأُمَّــة.

 

رابعًا: واجب الأُمَّــة تجاه فلسطين

مركزية القضية لا تكتمل إلا بوعي الأُمَّــة لمسؤوليتها؛ فالدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي والميداني يُعد جزءًا من الواجب الأخلاقي والإنساني والديني.

وعلى الدول والشعوب أن تتحمل – فعليًّا – مسؤولياتها تجاه فلسطين، لا كشعارٍ عاطفي، بل كقضية تحرّر عادلةٍ تستحق التضحية والاهتمام والدعم والمساندة.

وما فعله اليمن – قيادةً وشعبًا – من دعمٍ وإسناد كان له بالغ الأثر في النصر.

وها هي العاصمة صنعاء تتجهّز لاحتضان المؤتمر الرابع تحت عنوان: “فلسطين قضية الأُمَّــة المركَزية”، الذي سيكشف حقائق مماطلة الكيان المحتلّ في تنفيذ الاتّفاق.

لهذا قال السيد القائد: “الصهاينة يستمرون في العدوان والقتل بعد اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، ولا يلتزمون بالمواثيق”.

كما أن الوعي، ونشر الحقيقة، وتعليم الأجيال تاريخ فلسطين، وعدم السماح بتزييف الرواية أَو تصفية الحقوق، يمثل خط الدفاع الأول في معركة الوعي، التي لا تقل أهميّة عن المعركة العسكرية.

ختامًا، فلسطين باقيةٌ في قلب الأُمَّــة، ليس لأنها قضية سياسية فقط، بل لأنها قضية وجود وهُوية وحق وعدل.

وبقاؤها قضيةً مركزيةً دليلٌ على أن الأُمَّــة، رغم ما تمر به، ما زالت تحمل بذرة الوعي والكرامة.

مما يجعلها تتحَرّك لنصرة فلسطين، قال الشهيد القائد: “من عظمة الإسلام أنك عندما تتحَرّك له تجد كُـلّ شيء يخدمك، حتى أعداءك”.

وبالتالي، ستظل فلسطين قضيتنا المركزية ما دام فيها شعبٌ مقاوم، وما دامت الأُمَّــة تؤمن بعدالة قضيتها..

رمزًا لوحدة الأُمَّــة، وبُوصلةً تهدي إلى الحق مهما طال الزمن أَو قصُر.