أفق نيوز
الخبر بلا حدود

حين تُفتَح أبواب الغضب

36

أفق نيوز| شاهر أحمد عمير

لم يكن اغتيال القائد الجهادي الكبير، الشهيد هيثم علي الطبطبائي “أبو علي”، في قلب الضاحية الجنوبية إلا تجسيدًا واضحًا لحقيقة كيانٍ يقوم وجوده كله على الاغتيال والكذب والتضليل وتجاوز حدود القانون الدولي.. كان الاغتيال اختراقًا فجًّا يؤكّـد أن الكيان لا يعيش إلا بالتغذي على الدماء، ولا ينمو إلا بين ركام المدن وصرخات الأبرياء، وأنه ما يزال يرى في العرب مُجَـرّد ساحات مباحة يمارسُ فيها جرائمَه متى شاء دون حساب أَو رادع.

كَيان الاحتلال الإسرائيلي -منذ تأسيسه- لم يلتزمْ يومًا بأي اتّفاق، لا في فلسطين ولا في لبنان؛ لأنه لا يعترف أصلًا بفكرة الالتزام ولا بوجود شركاء على الأرض.

كُـلّ اتّفاق بالنسبة له مُجَـرّد مرحلة عابرة يخرقها حين تتعارض مع طموحاته أَو نزعاته الإجرامية.

هو كيان لا يفهم إلا منطق القوة، ولا يرى الشعوب إلا فرائسَ يجبُ اصطيادَها.

وبدلًا عن أن يتعلم من هزائمه أَو يتوقف عند حدود العقل، يواصل نهجه العدواني وكأنه مفوض إلهيًّا بقتل الآخرين.

ولولا المِظلة الأمريكية التي توفر له كُـلّ أشكال الحماية والدعم؛ لما تجرَّأ هذا الكيان على تنفيذ اغتيال واحد، ولا على شن حرب، ولا على قصف عاصمة عربية.

فأمريكا تمنحُه دعمًا عسكريًّا مباشرًا يشملُ أحدثَ الأسلحة، ودعمًا استخباراتيًّا يتيحُ له تنفيذَ عمليات دقيقة في عمق العواصم، ودعمًا إعلاميًّا قادرًا على تشويه الحقائق وتحويل الضحية إلى متهم والمحتلّ إلى “ضحية تدافع عن نفسها”.

أما مجلس الأمن، فقد تحوَّل بفعل الفيتو الأمريكي إلى مِنصة سياسية لدفن العدالة، وحِماية القاتل، وتوفير الغطاء لكل جرائم الاحتلال.

لم يعد المجلسُ جهةً لردع العدوان، بل أدَاة دولية لتمريره.

إن الاغتيالَ في الضاحية الجنوبية هو امتدادٌ لهروب العدوِّ من واقعه المرير.

فبعد سقوطِ أُسطورته في غزة، وانهيار صورته البحرية في البحر الأحمر أمامَ عمليات اليمن، وتآكل قدرته الردعية على الحدود اللبنانية، وجد نفسَه عاجزًا عن إثبات وجوده إلا عبر الاغتيالات.

يريدُ أن يعوِّضَ فشلَه الاستراتيجي بضربةٍ نوعية، وأن يظهرَ أمام جمهوره كأنه ما يزال قادرًا على التحكم بساحات المنطقة، لكنه تجاهل حقيقة أن زمن صناعة الردع عبر الاغتيالات قد انتهى، وأن المقاومة اليوم ليست كما كانت في السابق، وأن أية ضربة من هذا النوع لن تمر دون أثمان مضاعفة.

إن المنطقة تعيش اليوم تحوُّلًا جذريًّا في موازين القوى؛ فاليمن فرض معادلةً بحريةً قلبت حِسابات أمريكا و(إسرائيل) رأسًا على عقب، ولبنان نجح في استنزافِ العدوّ في عمقه الشمالي، وغزة حطَّمت أُسطورة الجيش الذي “لا يُقهَر”، والعراق أنهى عمليًّا مرحلةَ الهيمنة الأمريكية المطلقة في الإقليم.

كُـلّ هذه التحوُّلات تؤكّـدُ أن زمنَ التفرُّد الإسرائيلي قد انتهى، وأن مرحلةً جديدةً من وعي الشعوب وصعود إرادَة الأُمَّــة قد بدأت.

وفي صُلب هذه المرحلة، تأتي رؤيةُ السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله)، الذي أكّـد مرارًا أن المشروع الصهيوني يعيشُ آخر أيامه، وأن صُراخَ العدوّ وتصعيدَه ليسا تعبيرًا عن قوة، بل عن فزعٍ وجودي وانهيار داخلي لا يمكن ترميمه.

كل قذيفة تتساقطُ في شمال فلسطين المحتلّة، وكل عملية بحرية يمنية تُعلن في البحر الأحمر، وكل راية مقاومة ترتفع في أية ساحة من ساحات الأُمَّــة، تؤكّـدُ للعدو أن اغتيالَه لم يفتح بابًا على الضاحية فقط، بل فتح على نفسه أبواب غضب لا يستطيع السيطرة عليها.

لقد ظن أنه يوجِّهُ رسالةَ قوة، لكنه اكتشف أن الرسالةَ المرتدةَ عليه أشدُّ وَقْعًا وأعمق أثرًا.

واليوم، يعيشُ العدوُّ تحتَ هاجس الرد، ويرتجفُ أمام كُـلّ حدث صغير قبل الكبير؛ لأنه يعلم أن الكلفةَ لن تكونَ عابرة، وأن زمنَ الهروب من المسؤولية قد انتهى.

كان الاغتيالُ شرارةً، أما العاصفةُ التي ستأتي بعدها فهي التي ستؤكّـدُ لهذا الكَيان وحُماته أن المنطقةَ قد تغيَّرت، وأن القادمَ بالنسبة إليهم لن يكون إلا كابوسًا ممتدًّا بلا نهاية.