أفق نيوز
الخبر بلا حدود

التعبئة العامة.. تؤبِّـد معركة الفتح الموعود حتى النصر

42

أفق نيوز| أحمد الضبيبي

إن المتأمِّلَ المبصِّرَ في معترك المشهد اليمني الراهن، وفي تقلباته البالغة الأهميّة، ليقف إجلالًا مطلقًا وانبهارًا مدوِّيًا أمام “التعبئة العامة”؛ التي لم تكن مُجَـرّد تنظيم إداري عابر أَو حراك عسكري اعتيادي، بل هي في كنهها وجوهرها تتويج مهيب لاستجابة شعبيّة واعية ومتأصلة، وإذعان مجاهد انبعث من أعماق الوجدان الشعبي؛ ليلبِّيَ نداءَ الإيمان والتوجيهات الإلهية العليا، مشكّلة بذلك قوة قاهرة لا تُكسر واصطفافًا مقدَّسًا يُعيدُ كتابة التاريخ بأحرف من الصمود الأبي والإرادَة المنبعثة.

لقد انطلق هذا المشروعُ العملاق من رحم الشعور العميق بالمسؤولية الدينية والأخلاقية تجاه قضية الأُمَّــة المركَزية، وفي مقدمتها إسناد غزة الصامدة ولبنان الأبي، اللذين يتعرَّضان لأبشع عدوان صهيوني ممنهج بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الكافر.

هذا الإسنادُ لم يقتصرْ على المواقف السياسية والضربات الصاروخية والعمليات العسكرية فحسب، بل تجسد في بناء إرادَة صُلبة وقاعدة شعبيّة راسخة، تمثل السند الحقيقي لكل فعل جهادي عظيم.

إن مشروعَ “التعبئة العامة” ليس مُجَـرّد حشد عددي عابر، بل هو تجلٍّ قدسي مهيب وتجسيد إعجازي للاستجابة الفورية والعميقة لنداء الحق الإلهي، وإعلان مضادٌ مدوٍّ بأن اليمن وحدة غير قابلة للتجزئة.

وبذلك، يسقط الرهان الأخير للشيطان الأكبر (أمريكا)، ويتأكّـد أن المجتمع اليمني بكامله قد تحول إلى قذيفة موجَّهة لا تترك مجالًا لاختراق الأعداء.

هذه الثمرة المباركة انبثقت من عُمق الإيمان اليقيني، لتترجم التوجيهات السماوية إلى فعل وجودي مُلزم يتمثل في الإسناد المتكامل والفاعل لغزة ولبنان وكل الأُمَّــة.

لقد صار اليمن في قلب الملحمة الكبرى، مطلقًا شرارة النفير الأعظم التي حوّلت الشرايين اليمنية إلى أنهار متدفقة بالبذل والتضحية.

وأدرك الشعبُ اليمني وقائدُه الحكيم بعمق البصيرة أن صموده مرتبط أزليًّا بصمود إخوته في محور الجهاد والمقاومة؛ فكانت التعبئة هي العهد الصادق والالتحام الأُسطوري الذي لا يُدانى.

لقد أفصحت بعض الصحف والتصريحات الأمريكية والغربية أن التعبئة العامة التي أطلقها من وصفتهم بـ”الحوثيين” قد حطمت كليًّا أيَّ أفق لتحَرّك عسكري أَو اختراق استخباراتي لكُلٍّ من أمريكا وكَيان الاحتلال وبريطانيا وأدواتهم في المنطقة.

وكانت هذه التعبئة الحصن المنيع الذي أحكم إغلاق الجبهة الداخلية، وسد بشكل مطلق كافة الثغرات التي كان المتآمرون يعوِّلون عليها لتفتيت الصفِّ من الداخل.

كما أنها أصبحت الضمانةَ الأكيدة والقاطعة لإجهاض أية محاولة مستقبلية لاستنساخ سيناريو ضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفرضه على اليمن، وهي بذلك تمثل الضمانة الحاسمة التي أجهضت، بشكل استباقي، مشروع إعادة فرض السيناريو التآمري وضرب العمق اليمني من داخله.

وفي ذات السياق، صارت التعبئة العامة مدرسة جهادية عظمى، تتجاوز وظيفتها الدفاعية إلى صناعة مجتمع مستنفر وإرادَة مزلزلة تليق بحجم التحديات التاريخية.

وكان الدور المحوري لهذه التعبئة هو التدريب والتأهيل الاستراتيجي لمليون مواطن يمني مؤهل، وهو رقم يغير الخريطة الإقليمية ويرسخ القوة الكامنة للدولة.

هؤلاء الرجال لم يُدرَّبوا على الشكليات، بل خضعوا لبرامج قتالية متقدمة أكسبتهم المهارة القتالية القصوى والقدرة الفائقة على التعامل مع ترسانة متنوعة من الأسلحة؛ مما حوّلهم إلى قوة ضاربة تضاهي الجيوش النظامية الأكثرُ احترافًا.

هذه الكوادرُ البشرية الجبارة شكّلت الرافدَ الأعظمَ والأقوى والعمود الفقري المتجدِّد للقوات المسلحة اليمنية والجيش، مُضفيةً على العمليات العسكرية قوةَ دفع لا تتوقفُ وقدرة استنزافية لا تُبارَى في مواجهة أي عدوان مستقبلي أَو قائم.

إنها القوة الصاروخية البشرية التي تضمنُ لليمن الانتصارَ المحقَّقَ في كُـلّ ساحة.

اليمن، في هذه البيعة الجماعية المقدسة، لا يعلن وجوده وحسب؛ بل ينصب نفسَه حصنًا منيعًا وبؤرة إشعاعية، تتولد منها شرارة اليقظة الكبرى والزلزال التحويلي الذي سيغير موازين القوى وأسقف التوقعات في المنطقة.

إن هذا المشروع التعبوي المتجذِّر هو العصب المانع والشريان الرئيس الذي يضخ أُكسجين الإرادَة لضمان استدامة الزخم العملياتي والإيماني حتى قيامة النصر الموعود.

وفي ختام هذا المشهد الجلل، تتجلى الحقيقة الساطعة: إن التعبئةَ العامة ليست مُجَـرّدَ تعبئة عسكرية روتينية أَو انعكاسا زمنيًّا زائلًا، بل هي تجسيد إلهي لمشروع كوني عظيم؛ إنها النفير الأخير الذي يعيد رسم المنطقة ويثبت أركان السيادة المستمدة من الوحي الإلهي.

هذه السيادةُ لا تكتفي بالاكتفاء الذاتي المادي، بل تنهض على الاستغناء بالإيمان المطلق، ليصبحَ اليمنُ المحرابَ الذي تؤدَّى فيه صلاة العزة.