أفق نيوز
الخبر بلا حدود

فتنة ديسمبر .. خنجر العدوان الذي رده اليمن بعناية الله وحكمة القيادة

42

أفق نيوز| تقرير| طارق الحمامي

مثّلت أحداث فتنة ديسمبر 2017، واحدة من أخطر المنعطفات في مسار الحرب على اليمن منذ انطلاق العدوان في مارس 2015، لم تكن الأحداث مجرّد مواجهة أمنية محدودة، بل كانت، بحسب الوثائق والشواهد التي تكشفت لاحقاً ، جزءاً من مخطط متكامل عملت عليه قوى العدوان ومرتزقته في الداخل، بغرض تفكّيك الجبهة الداخلية التي صمدت لسنوات بوجه التحالف العسكري الذي تقوده أمريكا والسعودية والإمارات والمدعوم أمريكياً، وبالنظر إلى ما صدر من اعترافات موثقة وتصريحات وشهادات، إلى جانب ما بثّته القنوات التابعة لتحالف العدوان نفسه وعلى رأسها العربية، تتضح صورة أشمل حول الترابط بين فتنة ومخططات دول العدوان، التي حاولت استغلال إعادة إنتاج عفاش عن طريق إحداث انقلاب كان معدّاً بعناية.

ارتباط فتنة ديسمبر بمخطط تحالف العدوان 

منذ اللحظة الأولى لانفجار الأحداث داخل صنعاء في ديسمبر 2017، كانت المؤشرات تكشف أن ما جرى لم يكن حركة ذاتية أو خلافاً سياسياً داخلياً كما تحاول بعض أبواق المرتزقة تصويره، فالقصف الجوي المكثف الذي نفّذه طيران تحالف العدوان على العاصمة خلال تلك الساعات دعماً واضحاً لعفاش، في محاولة لتمكينه عسكرياً في نقاط حساسة في العاصمة.
هذا التزامن الميداني والذي سجله السكان ووسائل الإعلام ، شكّل أوضح دليل على وجود تنسيق مسبق بين عفاش ودول العدوان، كما أن تصريحات قادة في تحالف العدوان لاحقاً أكدت أنهم كانوا يعوّلون على تلك الأحداث لإحداث تحول كبير في مسار الحرب.
كما أن الخطاب الإعلامي لتحالف العدوان، خلال تلك الساعات، كشف أن دول العدوان كانت تراهن على استغلال تلك الورقة الخبيثة لإعادة ترتيب المشهد السياسي في صنعاء، بما يمكّنها من تحقيق ما عجزت عنه طوال سنوات، والسيطرة على العاصمة من الداخل.

 

باعترافات موثقة من داخل معسكر عفاش .. التخطيط للانقلاب في 24 أغسطس 

شكّلت فعالية 24 أغسطس 2017 محطة مفصلية في مسار التوتر بين من كان يفترض أنهم شركاء في المواجهة للعدوان، ففي ذلك اليوم برزت مظاهر استعراض قوة هدفها، بحسب ما اتضح لاحقاً،  تهيئة الأرضية لانقلاب متفق عليه لعفاش وقيادات من داخل التيار الذي يدين له بالولاء في حزب المؤتمر، بدعم وإسناد دول العدوان.
الفيلم الوثائقي الذي بثّته قناة العربية التابعة لتحالف العدوان، كشف بشكل صريح عن وجود تواصل وتنسيق بين قيادات مؤتمرية وسفارات أجنبية، إضافة إلى دعم مباشر من قوات تحالف العدوان للسيناريو المتوقع، وقد حمل الفيلم اعترافاً واضحاً بأن 24 أغسطس كان مقدمة عملية للانقلاب، لكن الظروف لم تنضج آنذاك، فتم تأجيل التنفيذ إلى ديسمبر.
هذه الاعترافات جاءت من وسائل إعلام تحالف العدوان نفسه، ما يجعلها جزءاً من سجل موثق يثبت وجود إعداد مسبق، وليس خلافاً سياسياً عابراً كما حاول البعض تصويره.

 

حرص السيد القائد على درء الفتنة .. وتعمّد عفاش تفجيرها 

طوال الأشهر التي سبقت ديسمبر، أكّد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله ، في خطابات متكررة على ضرورة الحفاظ على الشراكة الداخلية في مواجهة العدوان، موجهاً رسائل تهدئة ومتقدماً بخطوات عملية لاحتواء التوتر المتصاعد مع فصيل عفاش في المؤتمر الشعبي العام، وأشاد بالمواقف المشرفة للقيادات المؤتمرية التي رفضت مخطط الفوضى الذي كان عفاش قد عقد العزم على المضي قدماً في تنفيذه ،
هذه الدعوات الصادقة من السيد القائد، كانت تنطلق من إدراك حقيقي لحجم الخطر الذي يمثله أي صراع داخلي على الجبهة الوطنية التي تتعرض لأعنف عدوان خارجي في تاريخ اليمن، وقد أُعطيت توجيهات صريحة للمؤسسات الأمنية بعدم الانجرار لأي استفزازات، والسعي لحل الخلافات عبر الحوار.
في المقابل، كشفت الممارسات الميدانية والإعلامية لعفاش خلال تلك الفترة إصراراً على دفع الأمور نحو المواجهة، فقد تصاعدت التعبئة الحزبية، وتزايدت التحركات المسلحة في بعض الأحياء، وتم إطلاق خطاب إعلامي يستبطن دعوة مباشرة للصدام.
هذا التناقض بين حرص القيادة الثورية على تهدئة الوضع وبين إصرار عفاش على التصعيد، يؤكد أن الأخير كان ينفذ التزامات تجاه دول العدوان، وأن لحظة تفجير الأزمة لم تكن خياراً وطنياً، بل جزءاً من مخطط أكبر لإعادة اليمن إلى دائرة الهيمنة الإقليمية.

 

 مواجهة العدوان شرف وطني .. لا ينسجم مع تاريخ التبعية الذي يلاحق عفاش وجماعته

منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى انتهاء حكمه، ارتبط نظام ’’عفاش’’ بعلاقات واسعة مع الولايات المتحدة والسعودية، وقد وثّقت وثائق دبلوماسية عديدة، إلى جانب تصريحات مسؤولين سابقين، مستوى النفوذ الأمريكي والسعودي تحديداً داخل مؤسسات الدولة اليمنية آنذاك.

وخلال سنوات ما يسمى الحرب على الإرهاب، كان التعاون الأمني بين نظام عفاش وواشنطن أحد أبرز الملفات، حيث نفذت الولايات المتحدة سلسلة عمليات داخل اليمن بتنسيق مباشر من النظام، كما كانت العلاقات المالية والسياسية مع السعودية عاملاً مؤثراً في كثير من القرارات السيادية، وهو ما أكدته تقارير ولجان تحقيق دولية.
هذا التاريخ يجعل من ادعاء قيادة جناح عفاش في المؤتمر تلك الفترة حرصها على المصالحة الوطنية أو إنقاذ البلاد، من العدوان ادعاءً متناقضاً، فمعركة مواجهة تحالف العدوان  السعودي الإماراتي كانت وما تزال معركة استقلال وطني، وهو شرف سياسي لا يمكن لمن ارتبط طويلاً بواشنطن والرياض أن يكون جزءاً أصيلاً منه.

 

شواهد الخيانة .. كيف قدّم عفاش أوراقه للعدوان؟

تُظهر الوثائق والشهادات التي ظهرت عقب الأحداث أن عفاش كان في طور ترتيب صفقة سياسية مع تحالف العدوان، تقوم على تسليم العاصمة مقابل ضمانات بعودته إلى واجهة السلطة، وقد تحدثت تقارير عديدة عن وساطات إماراتية وسعودية خلال الشهور التي سبقت ديسمبر للتفاهم على مرحلة ما بعد الانقلاب.
كما أن توجيهه لوسائل إعلامه خلال تلك الأيام بالتصعيد العنيف ضد أنصار الله، وإعلانه بشكل مفاجئ الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع التحالف، شكّل أوضح دليل على انتقاله من موقع الشراكة إلى موقع التنسيق مع العدو الذي يقصف شعبه منذ سنوات.
كل هذه الشواهد تؤكد أن ما جرى لم يكن موقفاً وطنياً، بل خطوة انخرط فيها عفاش وجزء من قيادات حزبه ضمن مشروع خارجي يستهدف اليمن أرضاً وشعباً.

 

عناية الله وحكمة القيادة 

كانت أحداث ديسمبر واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ اليمن، لحظة بدت فيها البلاد وكأنها على حافة انفجار داخلي كان يمكن أن يجرّ العاصمة صنعاء إلى فوضى لا تُبقي ولا تذر، وفي مثل تلك الساعات المشحونة بالاحتمالات القاتمة، تتجلى رحمة الله لتدفع الشرّ قبل وقوعه، ويصرف بلاء قبل أن يصير واقعًا.

مرّت تلك الفتنة أسرع مما توقّعه الجميع، وانطفأت قبل أن تأخذ شكل حرب شوارع واسعة، وهو ما عدّه كثيرون مظهرًا من مظاهر عناية الله، ومن العناصر التي كان لها أثر واضح في احتواء الفتنة، ما ظهر من أسلوب حكيم للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله في التعامل مع الأحداث آنذاك، إذ اتسم الخطاب والتوجيهات، بثلاث سمات أساسية ، الأولى تمثلت في تغليب منطق التهدئة على منطق الانتقام ، ففي خطابه يوم الاثنين 4 ديسمبر 2017م أكد السيد القائد على ذلك بقوله : (وغير مسموح لأحد أن يحمل نزعة انتقامية أو تصفية حسابات شخصية أو استغلال ما حدث لأغراض شخصية، غير مسموح هذا أبدا وعلى الدولة أن تقوم بمسؤولياتها في منع ذلك وعلى الجميع أن يطمئن في هذا البلد ولسكان العاصمة صنعاء جميعاً أن ينعموا من جديد في الأمن والاستقرار فيما بينهم وفي وضعهم الداخلي)، والعنصر الثاني يتمثل في ضبط الميدان ومنع توسّع دائرة الاشتباكات، حيث جاءت التوجيهات بالتعامل مع الحدث ضمن نطاقه المحدود وعدم فتح جبهات إضافية داخل العاصمة، وهو ما ساعد على إغلاق أبواب كثيرة كان يمكن أن ينفذ منها الشر، ويحوّل صنعاء إلى ساحة اقتتال داخلي، وقال في هذا : ( نؤكد من جديد أن المعركة كانت مع مليشيات محددة وزعيمها الذي أدارها ومولها ورعاها وأمرها وقادها وحركها وهذه المليشيات تحركت بعدوان واضح مرتبط بقوى العدوان وعملية تخريب إجرامية وهدفت إلى توسيعها لتشمل البلد ولكنها فشلت بحمد الله وبفعل جهود الشرفاء في هذا البلد ووعي أبناء هذا البلد)، العنصر الثالث كان التأكيد على البعد الأخلاقي والديني في التعامل مع الفتنة ، فالحكمة هنا لم تكن تكتيكًا عسكريًا فقط، بل رؤية دينية، أخلاقية تعتبر الفتنة شرًا يجب إطفاؤه قبل أن يتمدد، حيث قال : (ليست المشكلة مع المؤتمر الشعبي العام كحزب أبدا لا مع أعضاءه وهم شرفاء وأنا أقول الكثير ساهموا حتى عملياً في الموقف اشتركوا في كل الجهود وبذلوا جهوداً كبيرة في إسقاط هذه المؤامرة ، فالإخوة في المؤتمر الشعبي العام هم إخوتنا نحن وهم أصحاب هم واحد مسؤولية واحدة في الدفاع عن هذا البلد ضد هذا العدوان في الاستمرار في موقف موحد في الإسهام في أمن واستقرار هذه البلاد في وضعه الداخلي يكفينا ما يحدث من قوى العدوان).

 

ختاماً 

أثبتت فتنة ديسمبر أن تحالف العدوان على اليمن لم يكن يستند إلى قوته العسكرية فقط، بل كان يعتمد بصورة أساسية على محاولات اختراق الداخل وتمزيق الجبهة الوطنية من خلال تحالفات وولاءات قديمة.
ومع أن الأحداث انتهت سريعاً، إلا أن كشف المخطط أسهم في تعزيز الوعي الشعبي بطبيعة الصراع، وفي ترسيخ حقيقة أن الحفاظ على الاستقلال الوطني يستلزم يقظة دائمة أمام كل محاولات الاختراق، سواء جاءت عبر الطائرات أو عبر أدوات داخلية تعمل لحساب الخارج.
لقد كانت فتنة ديسمبر امتحاناً صعباً، لكنه أكد أن اليمن، رغم كل الجراح، يظل قادراً على حماية وحدته الداخلية متى امتلك رؤية واضحة وقيادة حريصة على مصالحه العليا،

نقلا عن موقع يمانيون