أفق نيوز
الخبر بلا حدود

تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية لتحقيق إستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة

326

أفق نيوز../ بقلم – هلال محمد الجشاري

القطاع الزراعي في اليمن يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية وتعد الزراعة من أقدم وأهم الأنشطة التي مارسها الإنسان اليمني منذ القدم ولم يزل يمارسها إلى اليوم لما تحمله من أهميّة عظمى له بالنسبة لتأمين غذائه واعتماده على نفسه، وكما تسهم الزراعة في زيادة النشاط التجاري للإنسان وتحسين مستوى المعيشة، وهذا بحد ذاته من الأولويات بالحياة وتوفر للإنسان اكتفاءً ذاتيًا وتجعله منتجاً ومصدراً قوياً يمتلك قراره بيده ويكون قادرًا على تجاوز كُـلّ التحديات والأزمات المفتعلة وغير المفتعلة السياسية أَو الاقتصادية أَو الكوارث والأوبئة المختلفة ولكن للأسف كانت الزراعة خلال السنوات الماضية تخضع لسياسات ومؤامرات دولية أَدَّت إلى تدهورها والاعتماد الكامل على ما يتم استيراده من الخارج بملايين الدولارات تجمع من كُـلّ مواطن ومزارع يمني وترسل إلى المزارع الأمريكي والأسترالي وسواها، مما جعل اليمن دولة ضعيفة تابعة لا حول لها ولا قوة تستجدي فضلات الدول المصدرة.

وفي المقابل نجد خلال الفترة الحالية تغيرات كبيرة للأفضل رغم الحصار والعدوان المُستمرّ على اليمن أرضًا وإنساناً إلا أن الشعب اليمني تحرّر من كُـلّ القيود والولاءات التي كانت للخارج وهناك انتصارات تتحقّق بكل الجوانب والقطاع الزراعي يحظى بتوجّـه ودعم كبير لتنميته وتطويره وكان من أهم الخطوات الناجحة التي اتخذت هي إطلاق منظومة الزراعة التعاقدية والسعي لدعم المنتج المحلي وتخفيض فاتورة الاستيراد تدريجيًّا حتى الوصول للاكتفاء الذاتي فكانت الفكرة جيدة من أَسَاسها والتوجّـه ضخم ويستحق الاهتمام، ولكن في المقابل لم يلمس المزارعين ذلك بالشكل الذي كان يطمح إليه، فقد كان التحَرّك بطيئاً جِـدًّا وغير ملموس ومحدود سواءً من قبل الشركات الوطنية التي جمعت التجار من رؤوس الأموال المستوردين وَغير ذلك، وهذا بقدر أهميته إذَا ما كانت انطلاقته صحيحة وقوية، كذلك فقد يؤثر سلبًا على الزراعة التعاقدية بشكلٍ عام إذَا استمرت في عملها هكذا، ولهذا حتى يتفعل ذلك أكثر يتطلب تقييمها وإعادة النظر فيها، تنظيم ذلك بداية بإصدار قانون ولائحة خَاصَّة بالزراعات التعاقدية ضمن التوجّـه العام للدولة؛ بهَدفِ تشجيع المنتج المحلي والتوسع في المساحة الزراعية وتخفيض فاتورة الاستيراد وتلبية لمطالبات المزارعين والتعاونيين لتفعيل منظومة الزراعات التعاقدية بحيث يكون هناك دور فاعل للقطاع التعاوني الزراعي لضمان تسويق المحاصيل الزراعية بأسعار عادلة وحماية المزارعين من جشع واحتكار التجار وللحد من المعاناة السنوية التي يواجهها المزارعون في تسويق محاصيلهم الزراعية وسط غياب منظومة موحدة للتسويق تضمن حقوق المزارعين في أسعار عادلة وتحقيق هامش ربحي مناسب فضلاً عن التوسع في الرقعة الزراعية أفقيًا ورأسيًا، وتركيز وحصر التسويق على مجتمع المزارعين المنتجين، الجمعيات التعاونية الزراعية المنتشرة بالمحافظات ككيان ينظم عمل المزارعين بحيث يتم صياغة عقود ثلاثية بين (المزارع -الجمعية التعاونية الزراعية -والجهة التي ترغب في شراء المحصول) بحيث يتم شراء المحاصيل الزراعية من المزارعين وتقوم ببيعه للشركات المحلية الوطنية التي تضم كُـلّ التجار رؤوس الأموال المستوردين وذلك لصالح المزارعين وأية زيادة لاحقة في سعر المحصول تكون للمزارعين، مع ضرورة وضع سعر ضمان لاستلام المحاصيل الزراعية قبل الزراعة بحيث يعرف المزارع سعر التسويق المحتمل، وبالتالي يأخذ قرار الزراعة التعاقدية فيما يتم التعامل مع السعر وفقًا لمعطيات السوق، وتطبيق آلية الزراعة التعاقدية.

وكما يأتي أهميّة إشراك الجمعيات التعاونية في التسويق من خلال العقد الثلاثي لقطع الطريق على التجار والشركات في استغلال المزارعين عند بداية كُـلّ موسم حصاد، حَيثُ يقوم التجار في بعض المناطق الزراعية بالمحافظات بشراء المحصول من أصحاب الحيازات الصغيرة بأسعار تقل عن الأسعار الفعلية ويتم تخزين المحصول تمهيدًا لبيعه بأسعار أعلى بعد استقرار السوق وزيادة الطلب على المحصول وهو ما يجعل التاجر هو المستفيد الأول من الزراعة التعاقدية وليس المزارع مما ينعكس سلبًا على التوسع الزراعي، كذلك يتم إنتاج كميات كبيرة من محاصيل الحبوب والبقوليات مثلاً إلا أنه يتم استيرادها من الخارج بآلاف الأطنان سنويًا، لعدم وجود تنسيق بين المنتجين والمستهلكين (تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية) وكذلك في المقابل يلتزم المستوردين بالمساهمة بنسب معينة من قيمة الشحنات المستوردة لدعم نفس الصنف محلياً ضمن الزراعة التعاقدية وتخفيض فاتورة الاستيراد وهذا سيكون سبباً جوهرياً في حَـلّ المشكلات التي يتعرض لها المزارعون بشكل موسمي المتمثلة بالزيادة الكبيرة في إنتاج بعض السلع والتي تزيد عن حاجة السوق المحلي مما يترتب عليه الانخفاض الحاد في الأسعار وتعرضهم للخسائر، كما أنه في حالة النقص الشديد في إنتاج بعض المحاصيل يتسبب ذلك في الارتفاع الكبير بأسعارها مما يحمل المواطنين (المستهلكين) أكثر من طاقتهم، وممكنٌ أن يتم إنشاء صندوق تعويضات للمحاصيل الزراعية بالتزامن مع تطبيق الزراعة التعاقدية بحيث يتم تعويض المزارعين عن الخسائر في حالة الأمطار الشديدة أَو السيول أَو الكوارث الطبيعية، حَيثُ تتضمن عقود الزراعة التعاقدية شروطاً جزائية تطبق على الطرف غير الملتزم ببنود العقد سواء المزارع أَو الجهة التي ترغب في شراء المحصول.

يضاف لذلك أهميّة توجيه المزارعين بالمحاصيل الأنسب لزراعتها ضمن آلية ومنظومة الزراعة التعاقدية، وتفعيل الإرشاد الزراعي والبحث العلمي وإجراء دراسات واقعية للسوق للتعرف على متطلبات السوق المحلي والخارجي، حَيثُ يؤدي ذلك إلى ضمان تسويق المحاصيل وعدم إغراق السوق بمحاصيل معينة، يترتب عليها انخفاضاً حاداً في الأسعار مما يعرض المزارعين للخسارة وبالمقابل سيتجه المزارعين إلى التوسع في زراعة المحاصيل المطلوبة وتزويد السوق المحلى وتوفيرها كبديل عن الاستيراد من الخارج التي تستورد بمليارات الدولارات.

ومن كُـلّ ما سبق نستنتج أن استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة تستوجب تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية ومشاركة التعاونيات في تسويق المحاصيل لتحمى صغار المزارعين من استغلال وجشع التجار، وكما أنه من المهم جِـدًّا الاستمرار في نشر وعي المجتمع الزراعي والاستهلاكي والتجار المستوردين حول أهميّة منظومة الزراعة التعاقدية والزراعة والأصناف المحلية والإنتاج المحلي بكل أنواعه سعيًا من قبل الجميع لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنمية زراعية مستدامة.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com