في عملية هي الرابعة خلال 48 ساعة، والخامسة خلال أسبوع واحد فقط وبـ 10 صواريخ بالستية فرط صوتية، أعلنت القوات المسلحة اليمنية قصف مطار بن غوريون مساء الخميس، ووضعت العملية كسابقاتها في إطار “فرض الحظر الجوي” على كيان العدو، والأهم من ذلك أنها أكدت عزمها على ” توسيع العمل العسكري حتى وقف العدوان والحصار على غزة” ما ينذر بتصعيد العمليات اليمنية بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة في حال أصر العدو على مواصلة التصعيد في جرائم القتل والتجويع وتوسيع العمل العسكري العدواني على غزة.

 

صواريخ اليمن تفاقم خسائر العدو

الصاروخ اليمني، في تأثيراته المباشرة نشر الرعب ضمن دائرة أوسع على امتداد المناطق التي انطلقت فيها صفارات الإنذار، وتسبب بوقف الرحلات كلياً إلى مطار اللد لقرابة ساعة، ودفع ملايين الصهاينة إلى الملاجئ، ويأتي صاروخ الخميس ضمن خط بياني متصاعد للعمليات العسكرية اليمنية النوعية وتحديداً على مطار اللد المسمى إسرائيلياً مطار “بن غوريون”، فكيف تسهم الصواريخ اليمنية في استنزاف العدو الإسرائيلي وتضاعف خسائره؟

يمكن مقاربة تأثيرات وفاعلية الصواريخ اليمنية في استنزاف العدو ومضاعفة خسائره من زاويتين نوضحهما على النحو الآتي:

النقطة الأولى: أن اليمن نجح في استنزاف منظومتي الاعتراض وتحديداً “ثاد” و”حيتس 3″ التي تراوح تكلفة الصاروخ الواحد منها ما بين 2-3 مليون دولار، بمعنى أن “تل أبيب” خسرت في غضون أسبوع واحد فقط ما بين 20 – 30 مليون دولار على الأقل القيمة الفعلية لصواريخ الاعتراض فقط، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الصهيوني مع كل صفارة إنذار وعقب كل صاروخ يمني، وما يرافق ذلك من حالة هلع وذعر جماعيين بهروب ملايين الصهاينة إلى الملاجئ.

النقطة الثانية: أن الصواريخ اليمنية أدخلت أهم مطارات العدو في حالة شلل (مطار اللد)  وأسهمت في تصاعد حجم الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة و على نحو ملحوظ بحدود 50 مليون دولار يومياً، مع استمرار عزوف شركات الطيران العالمية وقراراتها بوقف وتعليق رحلاتها من وإلى كيان العدو منذ الـ 4 من مايو/ أيار الحالي وإلى أجل غير مسمى ما قد يصادر سياحة الصيف بشكل كامل.

وهذا الأمر يلقي ظلالاً ثقيلة وسلبية على كل القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالسياحة، والسياح وارتفاع أسعار التذاكر، وتنامي سخط المسافرين العالقين خارج فلسطين المحتلة، ومن يريدون السفر منها نحو العالم المفتوح، وفي هذا السياق كشفت قناة “مكان” الصهيونية أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة في قطاع السياحة تجاوزت 12 مليار شيكل أي ما يعادل 3 مليارات دولار تقريبا حتى الآن.

 

العمليات اليمنية تحرق “الردع” وتسقط “الحماية” كيف؟

مع كل عملية اعتراض لصواريخ اليمن، يفرض جيش العدو الإسرائيلي رقابة أمنية صارمة على المشاهد، ويتكتم على الخسائر، باستثناء عملية الـ 4 من مايو/ أيار الدقيقة على “مطار بن غوريون” التي شاهدها العالم أجمع بانفجار الصاروخ اليمني الفرط صوتي مباشرة على كل شاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي في حرم “مطار بن غوريون” أكثر المنشآت حماية في كيان العدو بعد تجاوز الصاروخ اليمني ( لم يُكشف عن اسمه) أربعاً من أحدث طبقات الحماية والاعتراض، وحفر عميقاً في الوعي الصهيوني بحجم الحفرة التي تركها بقطر 25 متراً.

وشكلت العملية تحولاً استراتيجياً كبيراً، ذلك أنها من الناحية العسكرية والأمنية وما تلاها من عمليات ضربت أو في أقل الأحوال أسهمت في ضرب “نظرية الأمن الصهيونية” وهذا ما اعترف به زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” وعضو الكنيست الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان معيّراً حكومة نتنياهو بالفشل – عقب صاروخ الخميس –  بأن “الردع الإسرائيلي يحترق وحكومة نتنياهو عاجزة عن إعادة الأمن للإسرائيليين”، وقبلها قال إن “إن صاروخاً يمنياً واحداً يجبر ملايين المواطنين على الهروب إلى الملاجئ بعد 17 شهراً من الحرب”.

وفي سياق منفصل، أسهمت العمليات اليمنية خلال مايو الحالي في إسقاط مفهوم “الحماية” بعد أن نجحت اليمن عسكريا ودبلوماسياً في فصل واشنطن عن “تل أبيب” بموجب اتفاق عمان الذي أعلن مطلع الشهر الجاري، ليجد العدو الإسرائيلي نفسه وحيداً أمام عمليات الإسناد اليمنية لفلسطين أو كما يصفها الصهاينة ب  “التهديد اليمني”، وقد تنامى التهديد مؤخراً كنوع من الرد على تصعيد جرائم الإبادة والتجويع في غزة وبالتزامن مع زيارة  الرئيس الأميركي ترامب لمنطقة الخليج، بل في لحظة خطاب ترامب في قصر اليمامة بالرياض كما أشار إلى ذلك السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي خلال خطاب الخميس الماضي. كما أنها تزامنت مع حديث عن مفاوضات في الدوحة وبما يؤكد أن اليمن يدعم موقف المفاوض الفلسطيني ولم ولن يتراجع في موقفه المساند لغزة وأهلها ومقاوميها.

 

الرسائل اليمنية: التصعيد بالتصعيد والتوسيع بالتوسيع

لقد تصاعدت العمليات اليمنية الفاعلة والمؤثرة بشكل ملحوظ عقب إعلان العدو الإسرائيلي توسيع عملياته العدوانية في غزة، وبالتالي فإن الرسالة الأبرز التي أرادت صنعاء توجيهها إلى العدو – ضمنيا وعملياً-  بأنها ستقابل التصعيد بالتصعيد والتوسيع بالتوسيع، بمعنى أنه كلما صعد العدو الإسرائيلي من جرائم الإبادة والتجويع في غزة ووسع نطاق عدوانه، فإن اليمن سيقابل ذلك بتصعيد عملياته الإسنادية في عمق فلسطين المحتلة، وتحديداً قلب الكيان المجرم “تل أبيب” مع التركيز على المطارات في إطار “قرار الحظر الجوي” الذي أعلنته القوات المسلحة اليمنية بالتزامن مع بدء تنفيذ العدو قرار توسيع عدوانه على غزة.

وقد يبدو تنفيذ هذا القرار صعباً بنظر البعض تماماً كما كانوا يرون الحظر البحري أمراً صعباً وربما مستحيلاً، لكننا لا نستبعد قدرة القوات المسلحة على تنفيذ هذا القرار بعون الله وتأييده، وتنفيذ هذا القرار يعني فرض عزلة دولية على الكيان المؤقت في ظل استمرار امتناع عشرات شركات الطيران العالمية عن الرحلات منه وإليه، تماماً كما امتنعت شركات الملاحة البحرية عن الإبحار إلى موانئ فلسطين المحتلة وتحديداً عبر منطقة العمليات اليمنية المشمولة بقرار الحظر البحري اليمني الذي بلغ 100%.

قد يكرر العدو الإسرائيلي محاولاته البائسة في وهم ردع اليمن، بعدوان جديد  على اليمن، وهذا غير مستبعد، ولا سيما أنه يهدد بين الحين والآخر باستهداف الموانئ اليمنية، على أن أي عدوان إسرائيلي مهما بلغ على اليمن، لن يحقق ردعاً ولن يمنع عمليات الإسناد اليمنية، وقد جرب العدو ذلك، وكان آخر عدوان له على منشآت مدنية، أبرزها مطار صنعاء ومصنعي إسمنت عمران وباجل ومحطات الكهرباء، وكانت العمليات اليمنية عقب ذلك أكثر زخماً، وتأثيراً وأعلى سقفاً، بل إن الكيان في هذه الحالة سيسهم في مضاعفة خسائره من دون جدوى.

وبات معلوماً لدى الأوساط الصهيونية والأميركية والغربية ولدى جميع المراقبين على المستوى العالمي أن اليمن متمسك بموقفه المبدئي (الديني والأخلاقي والإنساني) مع غزة، لم ولن يتراجع عنه، وقد أثبت اليمن ذلك عملياً منذ الأيام الأولى التي أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن وصنعاء، وفي خطاب الخميس، جدد السيد القائد تحديد السقف اليمني العالي في إسناد غزة، بأنه “مستمر ولم ينقص منه شيء” وهذا الموقف العالي والمشرّف والملهم يأتي بعد نجاح اليمن في إفشال العدوان الأميركي.

وسواء التزمت واشنطن باتفاق عمان ونأت بنفسها أم عادت إلى العدوان على اليمن إسناداً لـ “إسرائيل”، مدفوعة بتريليونات الدولارات التي حصلت عليها من السعودية والإمارات وقطر، فإن اليمن كان ولا يزال وسيبقى متمسكاً بموقفه الإنساني، وسيستمر في موقفه المتكامل رسمياً وشعبياً وعسكرياً في إسناد غزة، ما لم يتوقف العدوان والحصار على غزة، وإيمان اليمنيين، كان ولا يزال، بحتمية النصر وزوال الكيان المؤقت مهما بلغ علوّه وعتوّه وجرائمه، وأن كل المتخاذلين والمطبّعين سيخسرون ويفشلون معهم، وأن العاقبة للمتقين ولمحور القدس وفلسطين، وأن خيار الجهاد والمقاومة أنجع وأنجح من خيارات الاسترضاء والتخاذل والنأي بالنفس.