أفق نيوز
الخبر بلا حدود

القول السديد ..النفاق.. الدوافع والأسباب

145

أفق نيوز| القرآن الكريم له حديث واسع عن الدوافع والأسباب التي تورط البعض للنفاق، ونتحدث عنها على حسب الآيات القرآنية، ولو أن هناك أسباباً متداخلة أحياناً، يقول الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”: {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} ، واحدٌ من أهم العوامل والدوافع التي تدفع البعض للنفاق: البعض مثلاً قد يكونُ في موقع في مواقع سلطة، أو قد يكون في موقع قرار، أو قد يكون صاحب تأثير ونفوذ شعبي، أو أياً كان… البعض يتجه إلى الولاء لأعداء الأمة، مع أن هذا أمر غير طبيعي، وتصرفاً خاطئاً بكل وضوح، فيتجه إلى الأعداء الواضحين للأمة كأمة، ويعمل على أن يكون له معهم روابط، وأن يواليهم؛ لأنه يرى أن ذلك وسيلة للعزة، العزة في شكلها كسلطة، وسلطة محمية، وسلطة نافذة، ودور مفروض في الساحة، واعتبار كبير، هذه نظرة البعض؛ لأنه يرى في أعداء الأمة، أنهم ذو قوة، ذو منعة، ذو سيطرة، ويتوقع- في حساباته- أن الأمور ستصير لصالحهم، وأنهم سيحسمون الأمور لصالحهم، وأن الأمة ستنكسر في مواجهتها معهم، وأن الأخطار من جانبهم على الأمة أخطار ستعصف بالأمة؛ فبالتالي يرى أن الطريق الصحيح هو: ترتيب أوراقه معهم، وأنه بهذه الوسيلة سيستطيع أن يفرض له دوراً داخل الأمة محمياً بهم، ومستنداً إليهم، ومعتمداً عليهم؛ فيكونون هم الظهر الذي يستند إليه، ويكونون هم السند الذي يعتمد عليه.

يرى البعض في الولاء لهم: عزة، و قوة، ومنعة، واحتماء بهم، واتكاء عليهم، واستناداً إليهم، وفرضاً للنفوذ من خلالهم، يرى فيهم الطرف الأقوى، يرى فيهم الطرف المتمكن، يتصور أن ما أرادوه لن يكون إلا هو، إرادتهم ستكون هي التي ستفرض ما شاءت على الأمة، فيسعى للولاء لهم؛ لأنه يرى في ذلك عزة، وهذه فئة كثيرة من أبناء الأمة، وبالذات القوى السياسية، الكثير منها، وأصحاب النفوذ، أصحاب الوجاهة، أصحاب السلطة، من لديهم طموح أن يكون لهم اعتبار، أن يكون لهم شأن، أو أن يكون لهم سلطة، أو أن يكون لهم تأثير، أو أن يكون لهم نفوذ…

هذه الفئة من أبناء المجتمع، البعض منهم يتعرض لهذا الوباء، ويتورط بهذا الدافع، ولهذا السبب، وهي نظرة مغلوطة، الله يقول: {فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} بإمكان الإنسان أن يكون عزيزاً، وأن يكون له احترامه، وشأنه، وأهميته، ودوره، ومكانته، واعتباره، ولكن ليس بهذه الطريقة الخاطئة، التي يترتب عليها أخطاء كبيرة، وانزلاقات كثيرة، وفتن كبيرة، وتصرفات غير مسؤولة، مظالم رهيبة جدًّا؛ لأن الارتباط بأعداء الأمة يترتب عليه الاشتراك معهم في مؤامراتهم على الأمة؛ فبالتالي تتحرك هذه القوى التي ترتبط بهم، تتحرك ضمن: مسارات، وخطط، وأعمال بطلب من أولئك، أو بتشجيع منهم، ليس بالضرورة أن كل ما يعمله المنافق قد طلبه منه الكافر اليهودي أو النصراني من أعداء الأمة. |لا|، البعض مثلاً قد يبادر إلى تصرف معين، على أساس أن أولئك سيقتنعون فوراً أنه يشكل مصلحة مشتركة معهم؛ وبذلك سيحظى بتأييده، يعني: كثير من المنافقين أذكياء، ويعرف بعض التصرفات التي ستحسب عند أعداء الأمة أنها تشكل مصلحة مشتركة؛ فيشجعونه عليها، ويطبلون لها، ويرى أن ذلك يزيده حظوة عندهم، ومكانة لديهم، واعتباراً عندهم، ويرون فيه يداً لهم داخل الأمة؛ فيرى أن ذلك سيساعد إلى أن يهتموا بحمايته، يهتموا بتعزيز دوره، يهتموا بدعم موقفه…الخ.

النفاق مرض في القلب
واحد من الأسباب الشاملة والعامة، يقول الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” عن المنافقين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً} ، كل منافق في أي مستوى من مستويات النفاق، ولأي دافع من دوافع النفاق، ولأي دور أو تصنيف من تلك التصنيفات المتعددة، هو يعاني من هذه المشكلة (مرض في قلبه)، ليس سليم النفس، ليس سليم القلب، ليس سليم المشاعر، عنده عقدة في قلبه، عنده مشكلة في قلبه، عنده خلل كبير في أعماق نفسه؛ ولذلك تورط هذه الورطة، واتجه هذا الاتجاه.

يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ” في كتابه الكريم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ} ، بعد أن قال عن اليهود والنصارى: {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، من يتولى العدو الإسرائيلي؛ يصبح عند الله بهذا المستوى: {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} كما لو كان إسرائيلياً، كما لو كان من جماعة ، من يسارع في تولي الأمريكيين، ويتحرك معهم في أجندتهم لضرب الأمة من الداخل؛ كذلك عند الله {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} كما لو كان واحداً من جماعة ترامب، أو أي واحد من الأمريكيين.

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ}{يُسَارِعُون فِيهِمْ} الذين في قلوبهم مرض ستراهم؛ لأنهم سيتحركون بوضوح وعلن وبشكل صريح، بل وأحياناً يفاخرون بذلك، اليوم هناك تفاخر وتسابق في الولاء لأمريكا، وفي التحالف مع إسرائيل، في مد الأيدي لإسرائيل، هناك تسابق، هناك تنافس، هناك تفاخر، أصبحت المسألة علنية، مرئية، مشاهدة، معلنة، صريحة، ولم تعد في الخفاء، وبمسارعة وفق النص القرآني: {يُسَارِعُونَ} مبادرة، ومسارعة، وتسابق، و(فِيهِمْ)، وفق النص القرآني {فِيهِمْ}؛ فكل خطوة يرى فيها البعض أنها تشكل تودداً إلى أمريكا، أو أهميةً لدى أمريكا، أو تزلفاً إلى إسرائيل؛ يسارع البعض فيها لعملها وإنجازها.

المنافقون وانعدام الثقة بالله
يقول الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أيضاً في القرآن الكريم، وهو يذكر عاملاً هو- أيضاً- من أسوء وأخطر العوامل الدافعة إلى النفاق، يصف المنافقين والمشركين مع بعض: {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} وقبلهم {الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} فيقول عنهم: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} ، عندهم سوء ظن بالله- والعياذ بالله- ليس عندهم ثقة بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” ولا بوعده، ولا رهان على الله، حتى أنهم يسخرون عندما تقول: يسخرون من مثل هذا الكلام، ويستهزئون بمثل هذا الكلام، ويعتبرونه سذاجة، والله مشطوب من حساباتهم؛ فلا عندهم أمل لا في نصره، ولا في عونه، ولا توفيقه، ولا في تثبيته، ولا في تأييده، ولا في رعايته… ولا أي شيء أبداً، هذه مسألة- عندهم- غير محسوبة نهائياً، وقد ملأ العدو- في إمكاناته وقدراته- قلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم، وأنفسهم، امتلأوا: ملأهم العدو؛ فرأوا في العدو كل شيء، ولم يروا في الله شيئاً، لم يحسبوا حساب الله نهائياً؛ فعندهم سوء ظن بالله، وليس عندهم حتى اعتبار، يعني مثلاً: عندما تلفت أنظارهم إلى شواهد معينة، شواهد فعلية، وليس فقط النص القرآني، بل تأتي- مع النص القرآني- بشواهد فعلية سواءً من التاريخ، أو من الحاضر، تقول: .

تقول لهم مثلاً عن إسرائيل: إسرائيل هذه التي يرونها قدراً محتوماً لا مناص منه، ولا خيار معه، وامتلاؤا بالشعور الانهزامي نحوها، وأصبحوا يعني: يتجهون من خلال حسابات، واعتبارات، وسياسيات مختلفة تماماً في التعاطي معها، على أساس القبول بها، ومن ثم الشراكة معها، الدخول معها في أي أجندة مشتركة، تقول: [فكروا، وانظروا، أمامكم شواهد فعليه، حزب الله في لبنان بدأ بإمكانات متواضعة جدًّا، ومن ظروف صعبة جدًّا، وفي الوقت نفسه قلة عدد في البداية، وقلة عدة، وبالحسابات المادية، وبالحسابات التي تركز على الإمكانات والقدرات، بحساباتكم مثلاً نقول: (بحساباتكم يا أيها المنافقون) يستحيل أن ينتصر حزب الله في مواجهته مع إسرائيل، فينتصر ويطرد إسرائيل من لبنان، هذا في حساباتكم كان ضمن المستحيلات، لماذا؟ لأن حساباتكم ليست فيها الله، ولا مسألة الاعتماد على الله، ولا مسألة النصر من الله، ولا مسألة التأييد من الله… ومع ذلك انتصر حزب الله، انتصر، يعني: شواهد واقعية فعلية، وتمكن من إلحاق هزيمة مذلة، وليس هزيمة عادية، هزيمة مذلة وعجيبة وتاريخية لإسرائيل، وطردها من لبنان بنصرٍ من الله، وتأييد من الله، أما وفق حساباتكم؛ فكان ذلك في قائمة المستحيلات، أيضاً في (2006 انتصر مرةً أخرى، ونصراً كبيراً، وتاريخياً، وإلهياً، وكان انتصاراً مهماً جدًّا وسريعاً، يعني: في غضون 33 يوماً تمكن من إلحاق هزيمة كبيرة ومدوية لإسرائيل، ومنعها من احتلال لبنان مجدداً، أو احتلال أجزاء مهمة من لبنان مجدداً، أو كذلك من أن تتمكن من القضاء على حزب الله. |لا|، فشلت في ذلك كله، واعترفت بالهزيمة، إسرائيل اعترفت بالهزيمة هذه شواهد فعلية.

أمريكا كذلك، لحقت بها هزائم كبيرة- فيما بعد- في العراق، على أيدي المقاومة العراقية، وهُزِمت مع بلدان مستضعفة، أمريكا هزمت مع الشعب الفيتنامي المستضعف، الذي تحرك معتمداً على قدراته، وطاقاته، وجهوده، وفي الأخير انتصر، وهكذا… نستطيع أن نقول: الشواهد كثيرة في الحاضر، ومن الماضي، مسيرة الإسلام منذ نشأته وبدايته، وما واجهه النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” وشواهد كثيرة جدًّا لا حصر لها.

المنافقون: ليس عندهم ثقة بالله نهائياً، الله مشطوب من حساباتهم، والطرف الذي يرون لديه الإمكانات، والقدرات، والطاقات، ويرونه الأكثر عدداً وعدةً، وله سيطرة، ونفوذ، وكيان كبير، وو… يرون فيه طرفاً لا يمكن مواجهته أبداً، وهم دائماً يحملون هذه الروح الانهزامية تجاه أعداء الأمة؛ فيتجهون لاعتماد خيارات أخرى، {الظَّانِّين َبِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} نعوذ بالله! هذه أمور رهيبة جدًّا، يعني: غضب شديد عليهم من الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.

سلسلة المحاضرات الرمضانية (لعلكم تتقون)
ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة: الأربعاء 26 رمضان 1438هـ 21 يونيو 2017م
النفاق دوافعه. فئاته.. الموقف المطلوب (2)

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com