أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الولايات المتحدة متهمة بتصنيع قنابل محرّمة دوليًا تُستخدم ضد الفلسطينيين

73

أفق نيوز|

تقرير | وديع العبسي

رغم ما يتمتع به الكيان الصهيوني من إمكانات ومصادر دعم، ولوبي يتحكم بمراكز القرار في الدول المؤثرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة لحمايته، رغم ذلك فإنه في سعيه لإبادة الشعب الفلسطيني لم يكن بمقدوره الاعتماد على نفسه وسلاحه في ارتكاب كل تلك الانتهاكات.
وطوال (21) شهرا من الجرائم كان واضحا وبقوة حضور الأسلحة الأمريكية في قتل الأبرياء وتدمير القطاع، كان البارز منها القنابل شديدة الانفجار والتأثير، وغالبيتها محرمٌ دوليا استخدامها. والكيان في هذه الجزئية أكد حالة الخواء التي يعيشها، فهو في مواجهة الأطفال والنساء والمسنين من أهالي غزة، لم يركن إلى قدراته وهو الذي يُصدر نفسه ويصنفه العالم -زيفا وإرهابا- بأنه يمتلك رابع أقوى جيش في العالم، وصاحب أعتى ترسانة عسكرية، وذهب -منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة- يطلب الدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي، والتي بدورها لم تبخل عليه بهذا الدعم.
تتصدر أمريكا كالمعتاد قائمة الداعمين للكيان في جريمة غزة، وقد حصدت قنابلها أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وفيما كانت واشنطن تحاول رد أي اتهام بهذه المشاركة كانت الوقائع المؤكدة تورطها تتراكم يوما بعد يوم.

السلاح الأمريكي وهو يتفجر في أوساط المدنيين

في يناير الماضي قرر ترامب نقل ما يقارب 1800 قنبلة من طراز “مارك 84″، إلى الكيان الصهيوني، وهي التي تأتي امتدادا لشحنات من نفس النوع للعدو، و”مارك 84” هي من نوع القنابل الثقيلة التي تزن ألفَيْ رطل، ومن خصائصها أنها تُحدث انفجارا هائلا قادرا على تسوية أبنية بالأرض، وإحداث فجوات ضخمة في عمق الأرض تصل حتى 11 مترا، وبعرض يصل إلى 20 مترا، بينما تمتد موجات الضغط التي تولِّدها إلى محيط كبير، مهددةً كل ما يقع في نطاقها بالدمار.
حينها اعتبر ما يسمى بوزير الحرب الصهيوني المدعو “يسرائيل كاتس” بأن هذه القنابل تُمثِّل “إضافة استراتيجية مهمة”. وبالفعل شاهد العالم السلاح الأمريكي وهو يتفجر في أوساط المدنيين الفلسطينيين، ومختلف المنشآت ذات الطابع الإنساني، مخلفة أسوأ كارثة.
في أكتوبر 2024م، أي بعد عام من بدء جريمة الإبادة، كشفت دراسة تداولتها المنصات الإعلامية، بأنه ما بين 7 أكتوبر و17 نوفمبر 2023، أسقط طيران العدو الإسرائيلي ما لا يقل عن 600 قنبلة من طراز “مارك 84″، كلٌّ منها تزن 2000 رطل، على مناطق مأهولة وشديدة الحساسية، بما في ذلك المستشفيات. وشهد العالم في 17 أكتوبر 2023، جريمة العدو الشنيعة التي تمثلت بقصف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، بقنبلة “MK-84” بوزن 910 كيلوغرامات من المتفجرات، هذه القنبلة مُحرمة دولياً وأمريكية الصنع.
ويرى خبراء أن “مارك 84″، أو القنبلة “الغبية” أو “العمياء”، تفضلها الدول التي تسعى لتقليل نفقات الحرب، حتى لو كان الثمن حياة المدنيين، فيما ذكر تقرير استخباراتي أمريكي أن نصف القنابل التي أسقطها العدو الإسرائيلي فوق غزة كانت من هذا النوع غير الموجَّه، ما عزز حينها من حقيقة النوايا الصهيونية الأمريكية في قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، إذ يرى الخبراء بأن هذا النوع من القنابل صُمِّم في الأساس ليُستخدم في ساحات قتال مفتوحة، ضد أهداف عسكرية كبيرة، وليس فوق أحياء سكنية ومناطق ذات كثافة سكانية هائلة كما هو الحال في قطاع غزة.
وخلال فترة ادعاء العدو تخفيض استخدام هذا النوع الثقيل من القنابل الأمريكية، أكد محققو منظمة العفو الدولية أنهم ما يزالون يرون أدلة على وجود ذخائر كبيرة مثل سلسلة مارك 80.

قنابل ومساحة تأثير بمئات الأمتار

إلى جانب القنابل “الغبية” الأمريكية، هناك نوع آخر يُعرف باسم “ذخيرة الهجوم المباشر المشترك” (JDAM) الذكية، وهي إنتاج أمريكي، ويبلغ سعر الواحدة منها 40 ألف دولار، مقابل تكلفة تتراوح بين 3 و16 ألف دولار لقنبلة “مارك 84″، وكلا النوعين من هذه القنابل له آثار كارثية، فبينما يمكن للقنبلة الذكية “جي دي إيه إم” (JDAM) تحقيق التأثير في نطاق 5-10 أمتار من الهدف، تُخطئ “مارك 84” الهدف بمئات الأمتار، وهو ما يعني سقوط الكثير من الضحايا المدنيين، علاوة على ما تُدمَّره من مبانٍ بشكل عشوائي دون تمييز.
من بصمات المشاركة الأمريكية، أيضا في إبادة الشعب الفلسطيني الأعزل، القنابل الدقيقة التوجيه التي تسمى “سبايس”. في صباح الثالث عشر من يوليو 2024، استهدفت قوات العدو النازحين بهذا النوع من القنابل حسب ما أفاد ثلاثة خبراء لصحيفة “نيويورك تايمز”، مستندين في ذلك إلى نمط الشظايا وعمق الحفر، ورغم دقة القنبلة إلا أن العدو تجاهل مساحة تأثيرها حين استخدمها في مكان مكتظ بالمدنيين. وقد بلغ عدد الشهداء في ذلك الهجوم ما لا يقل عن 90 فلسطينيا، بينما امتلأت المستشفيات بمئات المصابين، حسب وزارة الصحة في غزة.
وتذكر “نيويورك تايمز” أنه في أكتوبر 2023، أرسلت الولايات المتحدة إلى الكيان شحنات ضخمة من هذه القنابل، عُرفت بـ”مجموعات قنابل طائرة شراعية من طراز سبايس فاميلي”.
في حرب الإبادة الإسرائيلية الأمريكية على غزة، استخدم جيش العدو أيضا قنابل خارقة للتحصينات (bunker-buster)، وذلك بهدف تدمير الأنفاق، وهي قنابل تطلق غاز أول أكسيد الكربون القاتل عند الانفجار، وهو غاز عديم اللون والرائحة، ويسبب الاختناق داخل الأنفاق، وكان يوجهها إلى مساحات واسعة يصل مداها إلى مئات الأمتار. كما استخدم العدو لاستهداف المنشآت المحصنة تحت الأرض حسب زعمه، قنابل “بلو-109 ب”، بوزن 2000 رطل، وقنابل “جي بي يو 28” (GBU-28)، الموجَّهة بالليزر، مع وزن 5000 رطل.
يؤكد الخبراء أن أوزان بعض الأنواع من هذه القنابل تتخطى الطن للقنبلة الواحدة، وتؤدي الكتلة والسرعة العاليتان إلى كمية هائلة من الطاقة الحركية، ما يساعد القنبلة على اختراق الأرض أو الهياكل الخرسانية بعمق قبل أن تنفجر.

جحيم تقني تتبخر معه أجساد الشهداء

في سلسلة من عمليات استهداف للفلسطينيين، تجمّد العالم من مشاهد عكست مستوى العِلة في نفسيات الصهاينة ومقدار الحقد الذي يضمرونه للنوع الإنساني، وتمثل ذلك باستخدام القنبلة الفراغية، التي وصفها البعض بالـ”جحيم التقني”. وهذا النوع من القنابل التي تسمى بـ”الأسلحة الحرارية الباريّة” حسب المصادر، لا تكتفي بانفجار واحد، بل تصنع عاصفة نارية تبدأ بسحابة من وقود معلق في الهواء، ثم تشتعل وتُولِّد انفجارا يفوق المتفجرات التقليدية بمراحل، بقوة ضغط شديدة وحرارة عالية جدا ودمار هائل. وقد سجّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في ربيع عام 2024، مشهدا يفوق الوصف في قطاع غزة، إذ رصد أجسادا لم تُقتل فحسب، بل بدت وكأنها تبخّرت أو ذابت في مكانها، وذلك عقب قصف “إسرائيلي” استهدف منازل سكنية، وأكد المرصد حينها أنه “يجب إطلاق تحقيق دولي في استخدام إسرائيل المحتمل للأسلحة المحظورة دوليا، بما فيها القنابل الفراغية”.
في عام 2006 وجهت منظمة العفو الدولية، انتقادا حادا للعدو الصهيوني عقب استخدامه هذا النوع من السلاح في حربه ضد لبنان، وقالت المنظمة إن “القدرات التدميرية الكبيرة لهذه الأسلحة تثير مخاوف من أنها تؤدي غالبا إلى القتل العشوائي”.

 

قنابل “جي بي” على المدارس والمخيمات

في ولاية ألاباما الأمريكية يوجد مصنع يُنتج “أجنحة موجهة” لقنبلة “جي بي يو-39” أو القنبلة ذات القطر الصغير، التي تصنعها شركة بوينغ، وقد تم شحن الآلاف منها إلى الكيان الإسرائيلي الذي استُخدمها في غارات جوية متعددة أدت لاستشهاد مئات الفلسطينيين. تقول صحيفة الغارديان إنها تحققت من خلال معلومات مفتوحة المصدر، وتحليلات قدمها خبراء أسلحة، من 24 حالة استخدمت “إسرائيل” فيها قنبلة “جي بي يو-39” في هجمات أسفرت عن مقتل مدنيين في قطاع غزة، وأوضحت أن من بين “القتلى” في كل تلك الحالات أطفال.
وأكدت أن القنابل التي تحققت من استخدامها في الهجمات الإسرائيلية تسببت في “مقتل” أكثر من 500 فلسطيني ما بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2024، بعد استهدافها مدارس ومخيمات لجأت إليها عائلات فلسطينية نازحة. وأظهرت العديد من مقاطع الفيديو والصور عشرات النساء والأطفال بين الشهداء. فيما خلصت تحقيقات أجرتها الأمم المتحدة والعفو الدولية إلى أن هجمات العدو ترقى لجرائم حرب.
وتذكر مصادر التوثيق أن أول استخدام معروف لقنابل GBU-39 في حرب الإبادة الجارية على غزة كان في 24 أكتوبر 2023 في خان يونس، حيث تم قصف منزلين لعائلتين بأربع قنابل.
وفي مايو 2024، تم العثور على قنبلة “جي بي يو” غير منفجرة في مدرسة في جباليا في شمال قطاع غزة، كما ظهرت الزعنفة الخلفية المميزة لنفس النوع من القنابل في مكان غارة يوم 13 مايو جنوبا على منزل عائلة ومدرسة في النصيرات، أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 30 شخصا.
بقايا هذا النوع من القنابل “جي بي يو-39” ظهرت أيضا خارج المنازل السكنية التي تعرضت لضربات جوية إسرائيلية مميتة في رفح و تل السلطان في يناير، وفي غير مكان من غزة في مارس.
وفي السياق يُذكر أن واشنطن سلمت كيان العدو ما لا يقل عن 9550 قنبلة “جي بي يو-39” منذ عام 2012، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يتتبع عمليات نقل الأسلحة.

دفن 20 خيمة بمن فيها بقنابل أمريكية

أين ما وُجد قتْل بأعداد كبيرة ودمار واسع لمناطق القطاع كانت القنابل الأمريكية “الذكية والغبية” صاحبة الفضل في تحقيق مثل هكذا هدف يسعى إليه الأمريكي والإسرائيلي معا، بهدف توسيع المغتصبات والإجهاز على ما تبقى من فلسطين لصالح الاحتلال.
في 10 سبتمبر الماضي شنت قوات العدو هجوما على منطقة خيام للنازحين في المواصي، بخان يونس جنوب غرب قطاع غزة، أدت إلى وقوع أكثر من (40) شهيدا معظمهم من الأطفال والنساء، وعشرات الجرحى والمفقودين من المدنيين. وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن تحقيقاته الأولية “أظهرت أن طائرات حربية إسرائيلية، استخدمت 3 قنابل أمريكية الصنع في قصف خيام النازحين في المواصي وهم نيام، ما أحدث 3 حفر بعمق وقطر عدة أمتار، تسببت بدفن نحو 20 خيمة بالعائلات التي بداخلها”.
وفي الـ 10 من أغسطس الماضي، شن العدو الإسرائيلي غارة عنيفة، استهدفت مدرسة (التابعين)، التي كانت تؤوي نازحين في حي (الدرج) شرق مدينة غزة، وهي الغارة التي أسفرت عن استشهاد نحو 90 شخصاً، وإصابة العشرات بجروح. وحينها كشفت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية عن أن “إسرائيل” استخدمت قنبلة دقيقة التوجيه، أمريكية الصنع، في قصف المدرسة، وعززت الشبكة قولها بما نقلته عن خبير الأسلحة الأمريكي تريفور بول، الذي قال إن أجزاء من جهاز متفجر، تُثبت أنه تم استخدام قنبلة صغيرة القُطر من طراز أمريكي الصنع.
وقال اثنان من خبراء الأسلحة لصحيفة نيويورك تايمز إنه يبدو أن “إسرائيل” تزيد من استخدام القنابل، مقارنة بالأيام الأولى للحرب ضد غزة.. وحسب متابعين فإنه حتى قنبلة صغيرة نسبيا يمكن أن تلحق خسائر جسيمة بالمدنيين، كما أظهرت ذلك موجة الهجمات “الإسرائيلية”.

تدفق الأسلحة الأمريكية لـ”إسرائيل”

يذكر معهد سيبري لأبحاث السلام -ومقره ستوكهولم- أن “إسرائيل” تلقت 99 في المئة من وارداتها من الأسلحة -بين عامي 2019 و2023- من كلٍّ من الولايات المتحدة (بنسبة 69%) وألمانيا (بنسبة 30%). وتشير تقارير المعهد، إلى أنه وقبل عملية السابع من أكتوبر 2023 ضد العدو، كانت واشنطن قد صَدَّرت إلى “إسرائيل” ما متوسط قيمته نحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي سنوياً من الأسلحة. وتتصدر القنابل الثقيلة، أكثر الصادرات الأمريكية لـ”إسرائيل”.
ورغم أن وزارة الخارجية الأمريكية خلصت في مايو 2024 إلى أن “إسرائيل” انتهكت “على الأرجح المعايير الإنسانية لفشلها في حماية المدنيين في غزة”، إلا أنها -الوزارة- قالت إنها لم تجد حالات محددة تبرر حجب المساعدات العسكرية الأمريكية.
وتنقل الـ”بي بي سي” عن مراقبين التأكيدَ بأن تدفق الأسلحة الأمريكية لـ”إسرائيل” يبدو غير مرشح للتراجع، رغم ما تتحدث عنه منظمات حقوقية دولية من إساءة استخدام أنواع من هذه الأسلحة، لأنه يحظى بدعم من الحزبين الرئيسيين في البلاد (الجمهوري و الديمقراطي)، كما أنه يلبي الاستراتيجيات الأمريكية، التي تعتبر “إسرائيل” حليفا لا يمكن التخلي عنه في منطقة مضطربة. حسب الـ بي بي سي.
يشار إلى أن الولايات المتحدة لم توقّع على معاهدة تجارة الأسلحة التي تمنع تصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في ارتكاب جرائم.