أفق نيوز
الخبر بلا حدود

غزّة تموت جوعاً وشعوب العالم صمٌّ بكمٌّ

45

أفق نيوز|

عبدالمؤمن محمد جحاف

إنها جريمة العصر التي يُرتكب فيها القتل بصمت، أمام أعين الجميع، وبمباركة العالم، وبتواطؤ وسكوت الشعوب و الأنظمة. الجوع الذي يفتك بأهل غزة اليوم ليس ناتجًا عن قحط طبيعي، ولا عن أزمة طارئة. إنه سلاح. نعم، سلاح تجويع مدروس، يُنفّذ بإصرار، في ظل حصار خانق وأبواب مغلقة ومعابر تتحول إلى مصائد موت.

الليل حالكاً فوق غزة، لكنه هذه المرة لم يكن ككل الليالي. الصمت وحده هو من يخنق الأنفاس، ويُطبق على صدور الأطفال والنساء والكبار الجائعين، لا صراخ، لا صوت… سوى صوت المعدة الفارغة، والعيون المحدّقة تنتظر كسرة خبز أو حفنة رز أو رشفة ماء.
في الطرف الآخر من العالم، في بيوت العرب والمسلمين، تدفأ الناس، أكلوا، شربوا، تنقلوا بين هواتفهم، بعضهم شاهد تلك الصور لأطفال غزة الهزيلين، وأعادها في حالة من التعاطف العابر… ثم انتقل إلى مقطع كوميدي، أو إعلان تسويقي، أو جدل تافه على مواقع التواصل. وغزة؟ تركوها وحدها تُصارع الجوع والموت!

والأشد إيلاماً أن الشعوب الإسلامية، التي تُفاخر بأنها خير أمة أُخرجت للناس، باتت كالأصنام: صمٌ بكمٌ لا يعقلون. لا تخرج من صمتها، لا تحتج، لا تضغط، لا تساند، لا تصرخ. وكأن غزة ليست منهم، وكأن دموع أطفالها لا تعنيهم، وكأن الأمعاء الخاوية لا تحرك لهم ضميراً!
منذ شهور، وغزة تموت ببطء. لا دواء، لا غذاء، لا ماء. القوافل تُحتجز، المساعدات تُساوم، و”الغطاء الإنساني” الذي تروّج له واشنطن ليس سوى ستار لإبادة ناعمة. ممرات الموت البطيء تُفتح باسم الرحمة، ويُفرض على شعب بأكمله أن يختار بين الذل والجوع.

إنها خديعة القرن، يمارسها العدو الصهيوني بخبث، ويشارك فيها المطبعون بالصمت أو الحياد أو التبرير. لم يعد التواطؤ مقتصرًا على الأنظمة، فحتى الشعوب – التي كانت هي الأمل – سقطت في اختبار غزة.
أيها المسلمون، إن الصمت اليوم جريمة لا تُغتفر. السكوت على هذه المجاعة هو اشتراك مباشر في تنفيذها. وما لم تنهضوا الآن، فإن الدور آتٍ عليكم، والكارثة التي تتركونها تتفاقم في غزة، ستطرق أبوابكم قريبًا. فالتاريخ لا يرحم، والسنن لا تُحابي أحدًا.

وغدًا، حين ينكشف الغطاء، لن تجدوا ما تسدّون به جوع أرواحكم، سوى زقّومٍ من نار، ينهش أبدانكم في قعر جهنم، عقابًا على صمتكم وتخاذلكم وخيانتكم لإخوة الدين والدم.
هل بقي في هذه الأمة قلب حي؟ هل بقي في وجدانها نبض؟ أما آن لها أن تستيقظ؟ أن تخلع هذا الرضوخ؟ أن تتجرأ على الغضب، على الصراخ، على كسر حاجز الخوف؟
أما آن لشعوبنا أن تقول كفى؟ أن تتحرك ؟ أن تتحدّث باسم غزة بكلمات، بمواقف، بدعم؟

وفي الجهة الأخرى من المشهد، لم تكن كل الشعوب سواء. نعم، كان أغلبها ساكناً صامتاً، مشلول الوعي، إلا أن في هذا الليل العربي المظلم، بقي بصيص نور من اليمن. اليمن – رغم الحصار، رغم العدوان، رغم الحرب المفروضة عليه منذ سنوات – يثبت حضوره في معركة الوعي والكرامة. وفي معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس ، لم يتأخر، لم يتردد، لم يصمت. منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، كان في مقدمة الصفوف، صادق الالتزام، صلب الموقف، حاضرًا بالفعل والقول.
اليمن المحاصر لم يتذرّع، بل كسر القيود، ومضى يناصر غزة، مسانداً لمقاومة فلسطين، في وقتٍ تتماهى فيه أنظمة الخيانة مع مشروع الاحتلال، وتختبئ خلف أقنعة “السلام” والتطبيع والخنوع.

لقد أسمعنا من ناديناهم، لكن “لا حياة لمن تنادي”. وإن لم تكن هناك حياة في القلوب الآن، فمتى؟ بعد أن يُدفن آخر طفل في غزة؟ بعد أن تُمحى المدينة من الوجود؟ بعد أن يُعلن العدو انتصاره على الرمق الأخير؟
يا أمة الإسلام… غزة تموت جوعًا، وأنتم تموتون صمتًا. والسكوت في زمن الجريمة خيانة.