غزّة.. الصرخةُ التي هزّت عرشَ الصمت
أفق نيوز|
معين البخيتي
غزّة ليست ساحة معركة، بل محكمة التاريخ. كُلُّ تجويع وكُلُّ صاروخ يُطلَقُ على بيتٍ فيها، يُطلَقُ في المقابل حُكمٌ على العالم: من أنتم؟ أين ضمائركم؟
وأي بشر أنتم إذَا كنتم ترون الأطفال يُحاصرون حتى بالماء… ثم تُبرّرون؟!
في غزّة لا تُطلق النار فقط على الأبرياء،
بل على معاني الرحمة، وعلى خريطة الشرف الإنساني.
حين يصبح الجوع سلاحًا… ويُقتل الطفل مرتين
في غزة، يموت الطفل جائعًا أولًا،
ثم يُقتل مرة أُخرى حين يمر موته في نشرات الأخبار كـ”تفصيل”.
تدفن الأم طفلها بلا كفن،
ويُحاصر المريض حتى الموت،
ثم تتفرّج علينا الفضائيات ونحن نحفظ صمتنا ببلاغة الخذلان.
أهذه حضارتكم؟
أهذه قوانينكم؟
أهذه الإنسانية التي بشرتم بها؟
إن كان هذا هو تعريفكم للنظام الدولي… فنحن نختار الفطرة.
الغرب…، حَيثُ تصرخ الأخلاق من تحت ركام المصالح
أن تقول واشنطن إن لـ (إسرائيل) “حق الدفاع”،
ثم ترى المستشفيات تُقصف، والمخابز تُدمّـر، والمدارس تُحرق،
ولا تغيّر موقفك، فأنت لا تدافع عن أحد… بل تُشارك في القتل.
الأمم المتحدة اليوم،
ليست مقرًا للعدالة،
بل شاهد زور يُوقع كُـلّ مساء على بيانات الخنوع.
عواصم عربية… في عيون غزة صارت مدنًا بلا ملامح
غزة لا تطلب منكم طائرات،
ولا جنرالات،
ولا حتى مؤتمرات.
كل ما طلبته منذ البداية:
أن لا تبيعوها.
لكن البعض باعها،
والبعض باع نفسه قبلها،
والبعض صمت؛ لأَنَّ الصوت يُكلف… والحق له ضريبة.
غزة ترى، وتكتب، وتحفظ… وستشهد.
اليمن… صرخة من قلب الجوع إلى قلب الجبهة
وسط كُـلّ هذا الظلام،
ظهر اليمن كمنارة، لا تضيء فقط، بل تحترق لتُنير.
يمنٌ جريح، محاصر، فقير، لكنه وقف.
أوقف سفن العالم،
أربك (إسرائيل) من البحر،
وصار كُـلّ ميناء فيه جبهة،
وكل موجة تصرخ: “غزة لستِ وحدك”.
من أين جاء اليمن بكل هذا؟
من الجوع؟ من الصبر؟ من اليقين؟
نعم… من قلبٍ ما خان يومًا،
ومن وطنٍ لم يتعوّد أن يقف في طابور العار.
غزة… لا تموت؛ لأَنَّها ليست من هذا الزمن
غزة ليست مُجَـرّد جغرافيا محاصَرة،
بل فكرة لا تُحاصر.
هي سكينٌ في خاصرة الخذلان،
ونبضٌ في صدر العروبة المتعبة،
وآية من آيات الشجاعة،
ومرآة يرى فيها العالم قبحه الحقيقي.
رسالتي الأخيرة… إلى كُـلّ إنسان يملك قلبًا:
غزة الآن،
لا تريد بيانًا،
ولا تعزية،
ولا وعدًا بمؤتمرٍ جديد.
*غزة تريدك أن تسأل نفسك بصوتٍ عالٍ:*
أين أقف أنا؟
إن لم تقف معها،
فأنت على الضفة الأُخرى من الحقيقة…
ضفة الخزي،
ضفة الصمت،
ضفة من رأى الدم ولم يُحرّك ساكنًا.
* أمين عام جامعة الضالع