غزة… مدينة تنام على أنين الجوع وتصحو على رائحة الموت
تقرير
بضعة ملايين يهودي صهيوني يأتي بهم الغرب الكافر إلى أرض فلسطين بقوة السلاح، ويزرعونهم في جسد الأمة كداء عضال لا حل معه سوى الاستئصال. تلك الحفنة النجسة أقامت لها كيانا لقيطا وسط ملياري مسلم يحيطون بهم من كل جانب، لكن اليهود لا يعبؤون بمن حولهم، فهم غثاء كغثاء السيل حين فرطوا في مسؤوليتهم فنزع الله من صدور عدوهم المهابة منهم، وقذف في قلوبهم الوهن لحبهم الدنيا، وكراهيتهم الجهاد والاستشهاد في سبيل الله.
على مدى 22 شهراً وغزة تعاني الأمرين، القتل يوزع على الجميع دون استثناء. ومن قُدّر له النجاة لم يسلم من عناء الجوع والعطش. يُقتل الإنسان في غزة يوميا وهو يرى أبناءه يصيحون من الجوع، وأجسادهم تأكل بعضها بعضا. امتلأت المقابر والمستشفيات. ووصل الحال إلى أن البعض يفضل القتل برصاص العدو ليحصل على كيس طحين، فقيمة الطحين باتت أغلى من الإنسان، في عالم لم تطلع الشمس على أكذب منه.
الصباح في غزة ليس كأي صباح آخر. فالإنسان يصحو على أخبار القتل والتدمير دونما ذنب. تتوالى الأخبار تباعاً. مات طفل من الجوع في خانيونس وآخر يتهيأ شمال القطاع، مريض الكلى لا يجد الرعاية، والسرطان سرعان ما يفتك بالمرضى، تلك الأم ترضع طفلها ماء وملحا بدل الحليب. البطون في غزة بأكملها فارغة. لا شيء يؤكل في غزة. يضطر الكثيرون للذهاب لمصائد الموت سباقا على بضعة أكياس طحين تعدادها أقل بكثير من عدد الشهداء والجرحى المتسابقين عليها.
الدقيق والأرُز والعلاج والماء محملة على الشاحنات لا يفصلها عن الجوعى سوى سور فقط، لكن هذا السور يقف أمامه جنود صهاينة عجز العالم بكله عن إحداث ثقب بسيط في تلك الأحجار. العجز العالمي ليس ضعفاً ولا ناتجاً عن نقص في سلاح أو عتاد. بل نقص في الإرادة وتواطؤ ومشاركة فعلية في الحصار، بعد أن سقطت كل العناوين الإنسانية.
وفي أحدث حصيلة للإبادة الجماعية أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد (119) مواطنا وجرح (866) آخرين ليرتفع اجمالي الشهداء والجرحى منذ 18 مارس 2025م إلى (9,350) شهيدا و(37,547) جريحًا، وبهذا يرتفع عدد الشهداء والجرحى من 7 أكتوبر 2023م إلى (60,839) شهيدًا و (149,588) جريحًا.
تقرير مجموعة الأزمات الدولية بعنوان “غزة تواجه أسوأ مراحل المجاعة” أوضح أن البيانات الأخيرة تشير إلى أن قطاع غزة تجاوز اثنين من أصل 3 معايير أساسية تعتمدها الأمم المتحدة لإعلان المجاعة، ما يؤكد أن الكارثة لم تعد مجرد احتمال، بل واقع يتفاقم يوماً بعد آخر.
” تيد شيبان” نائب المدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قال إن هناك مؤشرات واضحة على أن الوضع الإنساني في غزة قد دخل ما بعد عتبة المجاعة. وأشار شيبان إلى أن واحدا من كل 3 أشخاص في القطاع يقضي أياما كاملة من دون طعام.
من جهته، أكد مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة أن مستشفيات القطاع وثقت 7 وفيات خلال الساعات الـ24 الماضية نتيجة سياسة التجويع الإسرائيلية وسوء التغذية، بينها طفل.
وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات قطاع غزة سجّلت خلال الـ24 ساعة الماضية 6 حالات وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، جميعهم من البالغين. وقالت الوزارة في تصريح لها، الأحد: بهذا يرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 175 شهيدًا، من بينهم 93 طفلًا.
الطفلة الفلسطينية مريم دواّس (9 أعوام) فقدت أكثر من نصف وزنها بسبب ظروف الحرب والحصار في قطاع غزة، حيث كانت تجلس مريم إلى جانب والدتها مدللة (33 عاما) في حي الرمال بمدينة غزة، بينما تروي الأم أنها تعيش مع أسرتها في مخيم للنازحين شمالي القطاع، مؤكدة أن ابنتها لم تكن تعاني من أي مرض قبل الحرب، إذ كان وزنها يبلغ 25 كيلوغراما قبل أن يتراجع الآن إلى 10 كيلوغرامات فقط.
وكشفت شهادة الجراح البريطاني غرايم غروم، العائد من مهمة تطوعية في قطاع غزة، عن عمق المأساة، مشيراً إلى أن الأطفال هناك يحاولون النوم ببطون مملوءة بالماء والملح، وسط أزمة إنسانية صنعها العدو. وأكد “غروم” أن الجوع المتزايد يؤثر بشكل مباشر على المصابين، ويمنع تعافيهم، ويزيد معدلات العدوى، ويضاعف خطر الوفاة. الجوع لا يقتصر على المرضى، بل يمتد أيضاً إلى الطواقم الطبية، مؤكداً أن ما يجري في غزة ليس مجاعة طبيعية، بل مفتعلة. وأضاف أنه زار في 27 مايو/أيار الماضي عيادة مختصة بسوء التغذية في غزة، حيث أبلغه طبيب أطفال بوفاة 60 رضيعاً بسبب الجوع منذ بدء الحصار، بعضهم كان يعاني من عدم تحمل اللاكتوز، ولم يكن هناك حليب خاص لهم. ويتم تشخيص 12 طفلاً يومياً بسوء تغذية حاد، في حين تعاني بعض الأمهات من الجوع لدرجة تعيق قدرتهن على إرضاع أطفالهن.
حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن أطفال قطاع غزة يموتون بمعدل “غير مسبوق” وسط المجاعة وتدهور الأوضاع نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع. وقال نائب المدير التنفيذي لليونيسف تيد شيبان، في إحاطة إعلامية حول رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط: “أطفال غزة يموتون بمعدل غير مسبوق، وعلامات المعاناة العميقة والجوع واضحة على وجوههم”. وأضاف: “نحن على مفترق طرق، والخيارات المتخذة الآن ستحدد ما إذا كان عشرات الآلاف من الأطفال سيعيشون أو سيموتون”. وأكد شيبان أن أكثر من 18 ألف طفل قُتلوا في غزة منذ بداية الحرب، وأن “غزة تواجه الآن خطراً داهماً يتمثل في المجاعة، فواحد من كل 3 أشخاص في غزة يقضي أياماً دون طعام، وقد تجاوز مؤشر سوء التغذية عتبة المجاعة، حيث تجاوز معدل سوء التغذية الحاد العالمي الآن 16.5%”. اليوم، أكثر من 320 ألف طفل صغير معرض لخطر سوء التغذية الحاد، وما يحدث على الأرض في غزة “غير إنساني”. واختتم شيبان بالتشديد على “ضرورة إدخال حوالى 500 شاحنة يومياً على الأقل للقطاع عبر جميع الطرق، وهذا يشمل المساعدات الإنسانية والتجارية”.
نقلاً عن نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) التابع للأمم المتحدة، ورد تحذير صريح في 29 يوليو/تموز الماضي، يشير إلى أن غزة تسير بسرعة نحو المجاعة، وأن لجنة مراجعة المجاعة (FRC) التابعة للأمم المتحدة اعتبرت وقوع المجاعة “حتمياً” في حال لم يتم التدخل فوراً. بيّن تقرير المجموعة -استناداً إلى تقييمات رسمية صدرت في مايو/أيار الماضي- أن نظام توزيع المساعدات القائم على التنسيق الأميركي-الإسرائيلي من خلال ما يعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” لم ينجح في حماية السكان من الجوع الجماعي، بل كان من شأنه أن يزيد تفاقم الكارثة.
في سياق متصل، أعلن مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة، أن 1383 فلسطينياً استشهدوا منذ 27 أيار/مايو الماضي، جراء إطلاق قوات العدو الإسرائيلي النار عليهم أثناء انتظارهم المساعدات في قطاع غزة. وأفاد المكتب في بيان صحفي أن “859 منهم قضوا في محيط مواقع ما تسمى “مؤسسة غزة الإنسانية”، و514 على طول مسارات قوافل الغذاء”، مضيفاً أن “معظم عمليات القتل هذه ارتكبها الجيش الإسرائيلي”. خلال يومين، بين 30 و31 تموز/يوليو الماضي، تفيد التقارير عن استشهاد 105 فلسطينيين وإصابة ما لا يقل عن 680 بجروح على طول طرق القوافل شمال قطاع غزة، ومنطقة جنوب خان يونس، وعلى مقربة من مواقع “مؤسسة غزة الإنسانية” وسط غزة وفي رفح. وذكر البيان أن “عمليات إطلاق النار والقصف على الفلسطينيين من الجيش الإسرائيلي تواصلت على طول مسارات القوافل الغذائية وعلى مقربة من مواقع ما يسمى بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” بالرغم من إعلان “الجيش” في 27 تموز تعليق عملياته العسكرية لساعات محددة لـتحسين الاستجابة الإنسانية” حسب ما ورد في البيان.
منظمة “هيومن رايتس ووتش”، من جهتها، اعتبرت أن نظام توزيع المساعدات في غزة تحول إلى حمامات دم منتظمة. وأكدت المنظمة، أن “قتل إسرائيل للفلسطينيين الباحثين عن الطعام جريمة حرب”، وأن جيش الاحتلال المدعوم أمريكياً والمقاولين وضعوا نظاماً عسكرياً معيباً لتوزيع المساعدات بغزة. ووثقت “هيومن رايتس ووتش” استشهاد ما لا يقل عن 859 فلسطينياً أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات ما بين 27 مايو و31 يوليو.
المكتب الإعلامي الحكومي، قال إن 36 شاحنة مساعدات إنسانية فقط دخلت إلى قطاع غزة أمس السبت، وتعرضت غالبيتها للنهب والسرقة؛ نتيجة حالة الفوضى الأمنية التي يُكرّسها العدو الإسرائيلي بشكل منهجي ومتعمد، ضمن ما بات يُعرف بسياسة “هندسة الفوضى والتجويع”.
وأكد المكتب في بيان له، الأحد، أن الاحتياجات الفعلية اليومية لقطاع غزة لا تقل عن 600 شاحنة من المواد الإغاثية والوقود لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة للقطاعات الصحية، والخدماتية، والغذائية، في ظل الانهيار الكامل للبنية التحتية بسبب حرب الإبادة الجماعية.
حتى الثروة الحيوانية في غزة قضى عليها العدو الصهيوني. المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أكد أن العدو الإسرائيلي، قضى بشكل شبه كامل على الثروة الحيوانية في قطاع غزة، مدمّرا نحو 97٪ منها بالقصف المباشر أو التجويع المنهجي، بما في ذلك الحيوانات العاملة التي شكّلت شريان التنقّل الأخير في ظل شلل الحركة وانعدام الوقود. موضحا أنه قبيل بدء العدو جريمة الإبادة الجماعية بقطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان في قطاع غزة نحو 6,500 مزرعة دواجن، توفّر حوالي ثلاثة ملايين دجاجة شهريًا للسوق المحلية. أمّا اليوم، وبعد مرور 666 يومًا من الإبادة الجماعية، تُظهر المعطيات أنّ أكثر من 93٪ من تلك المزارع دُمّرت بالكامل، فيما توقّفت المزارع المتبقية عن العمل بشكل تام، وأصبحت خارج الإنتاج كليًا.
وبحسب المعطيات التي جمعها الفريق الميداني للمركز، كان في قطاع غزة نحو 15,000 بقرة قبل الإبادة الجماعية، هلك أكثر من 97٪ منها، إمّا بالقتل المباشر نتيجة القصف أو بسبب الجوع، فيما جرى ذبح أعداد محدودة خلال الأشهر الأولى من الإبادة الجماعية نتيجة انعدام البدائل.
أما على صعيد الثروة الحيوانية من الأغنام والماعز، فتُظهر التقديرات أنّ قطاع غزة كان يضم نحو 60 ألف رأس من الأغنام و10 آلاف من الماعز قبل الإبادة الجماعية، في حين تؤكد المعطيات الراهنة أنّ أكثر من 97٪ منها هلكت بالكامل، إمّا نتيجة القتل المباشر أو النفوق بسبب ظروف الإبادة الجماعية، في سياق الاستهداف المنهجي لمصادر الغذاء والحياة.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ التقديرات قبل الإبادة الجماعية كانت تشير إلى وجود نحو 20 ألف حمار في قطاع غزة، بالإضافة إلى أعداد من الخيول والبغال تُستخدم كحيوانات عاملة. ووفقًا للمعطيات، فقد نفق نحو 43٪ من هذه الحيوانات حتى أغسطس/ آب 2024، فيما تُظهر التقديرات الأحدث أنّ ما تبقى منها اليوم لا يتجاوز 6٪، ما يعكس انهيارًا شبه تام في هذا القطاع الحيوي.