أفق نيوز
الخبر بلا حدود

عندما تلاشت “فقاعة” القوة الأمريكية في البحر الأحمر

34

أفق نيوز|

تقرير | وديع العبسي 

لم يحدث أن وجدت أمريكا نفسها يوما، أثناء أو عقب أي عملية عسكرية أن عاشت مثل هذا الانهيار الذي ولّدته المواجهة مع اليمن. تجسدت مظاهر هذا الانهيار في كثير من التفاصيل، فالتخطيط -الذي يفترض أنه بُني على معلومات استخباراتية- كان قاصرا بكل الحسابات، ولم يتمكن الأمريكي من تحديد حجم وشكل تحرك اليمن المتوقع، سواء دفاعا عن نفسه أو في عمليات الإسناد لغزة.

كما كان من هذه المظاهر ظهور اليمن بهذه الثقة في مواجهة الامبراطورية الأمريكية، ما عزز لديها ولدى اللوبي الصهيوني حقيقة خروج اليمن النهائي من عباءة القوى الاستعمارية، وتحرره من الوصاية. أما الأهم من هذه المتغيرات التي فرضت نفسها على الولايات المتحدة عقب مواجهة اليمن هو حجم العبء الذي أثقل كاهل قدرات واشنطن، سواء في الدفاع عن نفسها وحفظ ماء وجهها، أو في الدفاع عن الكيان غير القانوني المسمى بـ”إسرائيل”، إذ تناقص مخزونها من الذخائر بشكل حاد، ما أثار مخاوف القادة العسكريين، فأمريكا -التي لا تعيش إلا في ظل الحروب والأجواء المتوترة- لا يمكن أن تأمن إلى كفاية مخزونها لأي مواجهات قادمة، خصوصا ومخاطر “التنين” الصيني تحاصرها من كل اتجاه.

نهاية زمن الاستقواء الأمريكي المنفلت

انهيار اسطورة حاملات الطائرات وسقوط أعتى مقاتلاتها الجوية (اف 18) بسبب حالة الارتباك، كان من مظاهر تبدُّل حال أمريكا، فهذه الحاملات كانت تمثل أبرز أوراق واشنطن لإرهاب العالم، وقد تقرر الخروج النهائي لحاملة الطائرات “ترومان” من المعركة، بعد أن عادت “كسيحة” من جولتها القتالية ضد اليمن، مثخنة بالجراح. فضلا عن تساقط طائراتها التجسسية (إم كيو 9) والتي تُلقب بـ”الصياد القاتل”.

كما لم يحدث أن تضطر القوة الأمريكية للانسحاب من مواجهة عسكرية كما حدث مع اليمن، وهو الذي أكد للعالم أن قوة اليمن ليست أسلحة متآكلة أو قطعا يتم استعراضها في الفعاليات الوطنية الرسمية، وإنما هي إيمان مطلق بمعية الله سبحانه مع الحق، ثم سلاح تم تصنيعه محليا مواكبا للتكنولوجيا لغرض إنهاء زمن الاستقواء الأمريكي المنفلت من تلقي أي رد، وزمن التباهي بإمكانية العبث في أي مكان وفرض الإرادة وتمرير المخططات والمؤامرات دون أن يكون لأحد حتى التعليق.

واشنطن تحاول الاتعاظ من أسباب هزيمتها

ولم يحدث أن تذهب القوة الأمريكية لدراسة تفاصيل معركة ما، لغرض استكشاف أسباب الإخفاقات كما حدث مع اليمن، وقد كشفت تقارير عسكرية أمريكية وبريطانية أن البحرية الأمريكية تعمل على استخلاص الدروس من مواجهتها البحرية مع القوات اليمنية في البحر الأحمر، بعد أن أثبتت الأنظمة الصاروخية الدفاعية التقليدية محدودية فدراتها أمام التكتيكات اليمنية الفائقة الدقة والذكاء.

وها هي أمريكا تقوم حاليا بتزويد عدد من مدمرات “آرلي بيرك” بأنظمة اعتراض متطورة مثل “كويوت” و”رود رونر إم”، التي يقال إنها تتميز بقدرتها على التحليق قبل الاشتباك وإعادة التوجيه، إضافة إلى انخفاض تكلفتها مقارنة بصواريخ الدفاع الجوي التقليدية التي استُنزفت بكثافة خلال المعارك الأخيرة. وقال موقع “TWZ” الأمريكي إن “البحرية الأميركية تشرع بتركيب صواريخ “كويوتي” و”رود رانر-إم” منخفضة الكلفة على مدمرات “آرلي بيرك” لمواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة.”، وذكر الموقع الأمريكي بشكل صريح أن “تهديدات الطائرات المسيّرة في البحر الأحمر دفعت البحرية الأمريكية لتركيب أنظمة اعتراض جديدة على مدمراتها”. ليس ذلك فحسب، بل أن البحرية الأمريكية تعمل أيضًا على تطوير تقنيات إعادة التذخير في البحر، كما يسعى البنتاجون إلى زيادة إنتاج صواريخ “باتريوت باك-3” وأنظمة “ثاد” لتلبية الطلب المحلي والخارجي.

وتؤكد كل هذه التحركات على واحدة من مظاهر التأثير الذي أحدثته القوات اليمنية حين كانت تتجاوز كل “الأساطير” الدفاعية الأمريكية لتضرب أهدافها بنجاح، وحين فرضت كلمتها في البحر الأحمر، وأنهت حقبة الهيمنة الأمريكية المطلقة على المياه العربية. وهو ما لم يكن متوقعا أو محسوبا. كما تكشف عن معاناة أمريكا المستمرة حتى اليوم من اليمن وقدراته منذ أعلن إسناده للمجاهدين في غزة.

يؤكد تقرير صيني حديث أن تطورات الأحداث التي عاشتها أمريكا من مواجهتها مع اليمن أدت إلى تآكل صورة الهيمنة الأمريكية، وتراجُع الثقة في الحماية الأمريكية، ما دفع بعض الحلفاء مثل السعودية والإمارات إلى البحث عن شراكات أمنية بديلة مع الصين وروسيا. وأكد التقرير الذي نشرته صحيفة “بايجياهاو” الصينية، أن صعود القوات اليمنية يعكس ملامح الحرب في القرن الحادي والعشرين، حيث لم يعد النصر يُحسم بحجم الترسانات، بل بقدرة المقاتل على كسب معركة الرواية، والحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية. ووصفت الصحيفة القوات المسلحة اليمنية، بـ”الجيش الحديدي الخالي من الخونة”. مؤكدة أن الغارات الأمريكية لم تضعف قدرات الجيش اليمني، بل على العكس، جعلته أكثر صلابة وتنظيماً.

اليمن يُجرِّع بريطانيا من نفس الكأس

تأثير القدرات اليمنية ونجاحها في توجيه الأحداث عكْس تيار الغزاة الأعداء، ظهر كذلك مع القوات البريطانية (التابع الأول لأمريكا)، إذ تجرعت لندن من نفس الكأس الذي ذاقته واشنطن. وأكد مراقبون “أن اليمن تسبب في تحييد القوة العسكرية البحرية البريطانية، على غرار ما حدث للقوات الأمريكية”. وذكر تقرير موقع “Navy Lookout”، أن “تراجع القدرات أدى إلى غياب شبه كامل للوجود البحري البريطاني في “الشرق الأوسط”، وعدم القدرة على دعم عمليات البحر الأحمر”.

إخفاقات أمريكية وبروز يمني

لو لم يكن في الأمر إعجاز تسبب في تغيير قواعد المواجهة وعوامل الثبات والنصر، لما خضعت مواجهة البحر الأحمر بين اليمن وأمريكا لكل هذا البحث والتحليل، حينها أكد قائد القوات البحرية الأمريكية في المنطقة، الأدميرال براد كوبر أن واشنطن تخوض أكبر معركة بحرية لها منذ الحرب العالمية الثانية، بسبب تهديدات اليمن. ولو لم تكن النتيجة مخزية للبحرية الأمريكية لما أبرزت التناولات أشكال الإخفاقات الأمريكية في مقابل بروز القوة اليمنية كحال متغيّر لم يكن محسوبا له أن يحدث مع القوة الأمريكية.

تؤكد صحيفة “كالكاليست” العبرية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اضطر لإيقاف الهجمات على اليمن في مايو الماضي بعد أن نفذت القوات المسلحة اليمنية هجومًا نوعيًا كاد ان يصيب الحاملة الأمريكية “ترومان” بصاروخ فرط صوتي، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى التراجع سريعًا عن أي تصعيد إضافي، خشية سقوط هيبة البحرية الأمريكية أمام العالم. ونقلت الصحيفة العبرية عن مسؤولين في البحرية الأمريكية قولهم إنهم حذروا ترامب صراحة من المخاطر البحرية غير المسبوقة التي فرضتها صنعاء، وأن استمرار العمليات العسكرية قد يفتح أبواب كارثة استراتيجية يصعب السيطرة عليها.

اليمن يحيّد الوجود البحري الأمريكي

المتغيّر أيضا، والذي يعني في الجهة المقابلة انهياراً للأسطورة الأمريكية بسبب الإقدام اليمني الجَسور، كشفت عنه من جهتها مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية في تقرير لها، بتأكيدها أن المواجهة شهدت تحوّلا استراتيجيا في موازين القوى البحرية في البحر الأحمر، مؤكدة أن القوات اليمنية نجحت في تحييد الوجود البحري الأمريكي، في واحدة من أبرز المفاجآت العسكرية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة.

المجلة الأمريكية لم تُخْفِ في الوقت ذاته تعجبها من الانسحاب الأمريكي من واحدة من أكثر الجبهات سخونة في العالم، إذ أعلن ترامب سحباً كاملاً لحاملات الطائرات والمدمرات والأصول البحرية الأميركية من البحر الأحمر، وهو ما لم يكن متوقعا أن يأتي من أعتى قوة في العالم، حسب وصف الإعلام.

تسليم دولي بصدق كلمة اليمن

التسليم بنجاح القوات المسلحة اليمنية في فرض معادلتها هو ما جعل المراقبين والخبراء يأخذون إعلانها عن دخول “المرحلة الرابعة” من الحصار البحري على محمل الجد، وفق موقع “ذا لودستار“ البريطاني المتخصص في شؤون الملاحة. بينما دعا مركز المعلومات البحرية جميع شركات الشحن والهيئات الدولية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، تتضمن وقف أي نشاط تجاري أو لوجستي مرتبط بالموانئ الإسرائيلية أو السفن المتجهة إليها، تفادياً لتكبد خسائر مالية وبشرية فادحة.

هذا التسليم لم يكن ليأتي لولا ما بات راسخا لدى العالم بأن اليمن صادق الوعد، فإذا قال فعل، وإذا فعل أوجع، وهو ما تعيشه اليوم الكائنات الأمريكية والإسرائيلية”.