مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.. بين قداسة المناسبة وزيف التماسيح
أفق نيوز|
عبدالمؤمن جحاف
مع كُـلّ اقتراب لذكرى المولد النبوي الشريف، تعود على السطح أصوات مأزومة تصرخ وتناور، متلحفة بدموعٍ زائفة على الفقراء والمساكين، لتبدي امتعاضها من فرح الشعب اليمني بهذه المناسبة العظيمة.
هؤلاء “التماسيح” و”هوامير الفساد” لا يُعرفون إلا عند اقتراب المولد، حين يذرفون دموع الرياء ليتظاهروا بالشفقة، بينما هم في الحقيقة أول من امتص دماء الفقراء ونهب خيرات الأُمَّــة، وساهم في تعميق معاناتها.
القرآن الكريم نفسه يحدّد مشروعية إحياء الأيّام المفصلية في حياة الأنبياء، سواء أَيَّـام ميلادهم أَو وفاتهم؛ إذ يجعل منها محطات ذات خصوصية تفيض بالعبر والدروس.
يقول الله تعالى عن يوم ميلاد نبيه يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾، وهو التعبير القرآني الأوضح عن خصوصية يوم الميلاد.
وكذلك عن عيسى بن مريم عليه السلام، جاء قوله: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
هذه الآيات تبرز أن يوم الميلاد ليس يومًا عاديًّا، بل يومًا له منزلة إيمانية وتربوية وروحية ينبغي أن يُحتفى به وأن يستحضر المؤمنون دروسه.
فإذا كان ميلاد الأنبياء السابقين قد حظي بسلامٍ رباني خاص، فكيف بميلاد سيد الأنبياء وخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله؟!
إحياء ذكرى المولد النبوي في اليمن ليس طقسًا مظهريًّا ولا احتفالا شكليًّا، بل هو تعبير عن هوية شعب ارتبط بالرسول الكريم روحًا ومبادئ وقضية.
الملايين الذين يتدفقون في الساحات إنما يعلنون ولاءهم لله ورسوله، ويجددون العهد بالسير على نهج النبوة في مواجهة الطغيان.
في زمن التبعية والخِذلان، يصبح المولد النبوي مدرسة وعي جماعي، يربط الأُمَّــة بجذورها الأصيلة، ويعزز روح المقاومة والحرية، ويذكر الجميع أن أعظم قائد في التاريخ وُلد في مثل هذا اليوم، ليغيّر مجرى الإنسانية ويقودها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
المفارقة أن من يهاجمون المولد؛ بذريعة التكاليف المالية أَو الانشغال بقضايا الفقراء، هم أنفسهم من صمتوا دهورًا على نهب المال العام، وتبديد الثروات، والفساد المنهجي، وتحويل مقدرات البلاد إلى حساباتهم الخَاصَّة.
هؤلاء لا يملكون مشكلة مع البذخ في حفلاتهم الخَاصَّة، ولا مع صرف الملايين في الولائم وحفلات الأعراس الباذخة في الخارج، لكنهم يتوجسون من أن يجتمع الناس حبًا لرسول الله؛ لأَنَّ في ذلك كشفًا لزيفهم وفضحًا لعجزهم.
الاحتفال بالمولد النبوي ليس مُجَـرّد بهجة عابرة، بل هو محطة لإعادة قراءة السيرة المحمدية كمنهاج حياة.
في هذه المناسبة يزداد الوعي بمسؤوليات الأُمَّــة تجاه قضاياها، وعلى رأسها مواجهة الاستكبار العالمي والصهيونية، والانتصار للمستضعفين في الأرض.
اليمنيون اليوم، وهم يحتفلون بمولد نبيهم، يبعثون رسالة مزدوجة:
رسالة وفاء وولاء لرسول الله، وتجديد للعهد على نصرة قضيته الخالدة.
ورسالة تحدٍ لأعداء الأُمَّــة، الذين يخشون من أن يتحول المولد إلى موسم استنهاض ووعي وتعبئة ضد مشاريعهم.
إن مشروعية المولد النبوي لا تحتاج إلى تبرير أمام من يملك قلبًا مؤمنًا، لكن ما يحتاج إلى فضح هو أُولئك الذين يحاولون التشويش عليه بذرائع كثيرة.
فحب رسول الله صلى الله عليه وآله ليس ترفًا، بل هو جوهر الإيمان، والاحتفال بمولده محطة للتزود بالوعي والإيمان والقيم، وهو مناسبة ترتبط بسلامٍ قرآني خالد: سلام على محمد يوم وُلد، ويوم يُبعث حيًّا.