العدوان الصهيوني على محطات الوقود والكهرباء مؤشر فشل استراتيجي
أفق نيوز|
تقرير | وديع العبسي
يدرك العدو الصهيوني قبل غيره بأن ما يرتكبه ضد اليمن من حماقات باستهداف المنشآت الحيوية التي تخدم المواطنين لا يحقق له أي رصيد، مع ذلك فهو يستمر في مهاجمة ذات الأهداف، ليس فقط لأنه يعاني شللا في أخلاقه وتشوّها في إنسانيته، أو لأنه فاقد الحيلة بلا خيارات، وإنما لأنه يهدف لخلق حالة من التذمر والاستياء في الشارع اليمني بقصد إثارته.
محاولات العدو لاستهداف الداخل اليمني ليست بالأمر الجديد، فقد زامن العدوان السعودي الأمريكي، إلا أنه اليوم يبدو مجتهدا أكثر مع بروز اليمن قوةً قادرةً على المواجهة، وتوجيه الضربات الناجحة إسنادا لغزة، وشعوره بالإحباط نتيجة فشله في الاستفادة من قدراته وتقنياته لثني اليمن أو رد هجماته.
الأمر بالنسبة للعدو صار يمثل خطرا مباشرا، وهو كفيل بأن يقطع الطريق أمامه لبسط نفوذه -بدعم أمريكي- على المنطقة. ولما صار هؤلاء المغتصبون على قناعة بأن طريق الهجمات العسكرية لا يبدو أن بمقدوره إنهاء هذا الخطر القادم من اليمن، قرروا المحاولة مرة أخرى لاستهداف الداخل بأكثر من شكل، والتي منها ضرب الأهداف المدنية.
المراكز البحثية الصهيونية في الكيان الإسرائيلي وأمريكا وبريطانيا ركزت خلال السنوات الماضية على دراسة التركيبة الاجتماعية وجوانب الضعف والقوة في المجتمع اليمني، في محاولة لاكتشاف الثغرات واختراقه، إلا أن هذه الدراسات اكتشفت تمتع الشعب اليمني بمناعة من الصعب اختراقها. فالشعب اليمني رغم الظروف الصعبة أظهر تمسكا مثيرا لقيَمه وثوابته. مع ذلك ظل العدو يراهن على ما تبقى له من أمل في زعزعة استقرار الجبهة الداخلية، تمهيدا لتثويرها ضد واقعها، وهو لذلك يواصل مهاجمة المنشآت الخدمية.
ما لم تدركه تلك الدراسات البحثية هو أن الشعب اليمني لا يقبل على نفسه الهزيمة، خصوصا عندما يكون الطرف الآخر على شاكلة العدو الصهيوني، الذي يمثل خطرا على الأمة العربية والإسلامية، والذي يمثل قتاله فرضاً دينياً وأخلاقياً، يعزز ذلك ما ارتكبه العدو خلال تاريخه القصير في المنطقة من إجرام، لذلك فإن استهداف محطات الكهرباء أو خزانات الوقود رغم تأثيره على معيشة المواطن، إلا أنه لا يصل إلى ما يتصور العدو، بل إن المفعول يكون عكسيا، ويزيد من قناعة الشعب بكل فئاته أن العدو الصهيوني يمثل خطرا على الجميع، وينبغي التصدي له.
وبتحريك العدو الصهيوني لـ14 طائرة حربية (من أقوى ما أنتجته الصناعة العسكرية الأمريكية) لاستهداف “محطة وقود” أو “مولدات كهرباء” يتبين حجم الأزمة التي يعيشها مع اليمن، والتي تتعاظم يوما بعد يوم. وصاروخ الجمعة الاستثنائي قد فاقم الشعور لديه بتعاظم الفجوة بين القدرات اليمنية المتنامية وقدراته الدفاعية المتهالكة، كما كشف له وللعالم الإصرار اليمني على تثبيت معادلته بكونه جزءاً أصيلاً من المنطقة، ولن يكون للدخيل الإسرائيلي فيها صوت، أو أن يعربد كما يشاء.
تحريك هذا الكم من المقاتلات -حسب الإعلام العبري- جاء كذلك كمحاولة لإحداث أكبر مستوى من الاهتزاز في نفسية المجتمع بما يحقق له نقطة، على صعيد ضرب الجبهة الداخلية وإثارتها، إلا أن ما حدث مثٌل صدمة أخرى له، إذ إن الشعب مارس حياته بشكل طبيعي، ولم يأبه لهذه الطائرات بما تحمله من قنابل فتاكة. الأمر الثاني الفشل الذريع والعجز المخزي للطائرات الـ14 عن إكمال مهمتها، إذ كانت الدفاعات الجوية لها بالمرصاد، وقد كشفت صحيفة “معاريف” العبرية أن طائراتهم تعرضت لتهديد من قبل الدفاعات الجوية اليمنية، فضلا عن حديث الناطق باسم شركة النفط بأن ما تم إحراقه في المحطة المستهدفة أقل بكثير من وقود الطائرات التي أتت من الكيان الصهيوني لاستهدافها.
وكحال تقييم كل هجمة للعدو على اليمن، تنتهي النتائج إلى أن محيط تأثيره لم يتجاوز موقع الهدف، بعكس ما تحدثه الصواريخ أو المسيرات اليمنية حين تضرب عمق كيانه، إذ تشل الحياة، وتتسبب في خروج الملايين من منازلهم فرارا باتجاه الملاجئ والغرف المحصنة، هذا إلى جانب التداعيات الاقتصادية، وتآكل ثقة الآخرين من الشركاء التجاريين ببيئته الاقتصادية غير الآمنة. فضلا عن ما تتسبب به من إرباك وهلع سياسي وعسكري، سواء داخل دهاليز الكيان أو أمريكا الداعمة والراعية له.
وعلى ضوء ذلك ليس بمقدور “إسرائيل” مغادرة حالة الفشل أو فرض إرادتها لثني اليمن عن موقفه الإسنادي للشعب الفلسطيني، ما لم توقف العدوان وترفع الحصار عن غزة، ولا يمكن لعملياتها أن تحقق لها أي إنجاز استراتيجي، والتعويل على إحداث خلخلة في الجبهة الداخلية مسألة قد ثبت فشلها طوال عقد من الزمن، وتماسك هذه الجبهة لا يأتي كنتيجة لتأثيرات آنية وحملة دعائية إعلامية وإنما غِيرة على الدين والقيم الإنسانية التي تنتهك على أيدي الصهاينة في غزة، لذلك فإن ذهاب العدو الصهيوني برد الفعل إلى استهداف المنشآت المدنية إنما يعني محاربته للشعب اليمني، وهو ما لن يسكت عنه هذا الشعب، وقد أكدت حكومة التغيير والبناء عقب العدوان على “حق اليمن في الدفاع عن نفسه وأرضه ومقدساته، وردع أي عدوان بكل الوسائل المتاحة”، واعتبرت “العدوان الإسرائيلي على اليمن جريمة حرب نكراء تضاف إلى سجله الأسود، وهو عدوان على سيادة اليمن وشعبه”، محمّلة “العدو الإسرائيلي وشريكه الأمريكي كامل المسؤولية عن العواقب الوخيمة لهذا العدوان”.
كما كان واضحا أن العملية الهجومية اليمنية التي نفذتها القوات المسلحة يوم الجمعة على العدو قد زادت من جرح غروره، ليس فقط لكون العملية قد أصابت هدفها بدقة عالية، وإنما لسببين أهم، وهما: استمرار الفشل الذريع لمنظومته الدفاعية، الأمر الذي يفضح قدرته على الدفاع عن كيانه بكل تلك التقنية التي زادوا من الحديث عن إمكاناتها الكبيرة. والأمر الآخر صدمة نتائج التحقيقات التي أجريت لمعرفة سبب إخفاق المنظومة الدفاعية عن رد الصاروخ الباليستي اليمني، إذ خلصت التحقيقات إلى التأكيد بأن الصاروخ الجديد الذي ضرب ما تسمى بـ”تل ابيب” كان متعدد المراحل، ويحمل رؤوسا انشطارية. وذكر موقع “واللا” العبري أن مسح وتحليل مسار الصاروخ الباليستي الذي أطلق من اليمن أكد هذه المفاجأة. ونقل الموقع عن مصدر في سلاح الجو “الإسرائيلي” بأن “الصاروخ كان يحمل عشرة رؤوس حربية”، وهي مسألة مرعبة للعدو الصهيوني كما هي لأمريكا.
تنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن مصادر عسكرية أن نظام “أرو 3” أخفق في اعتراض الصاروخ رغم تنفيذ أكثر من محاولة، وأشارت الصحيفة إلى أن هذا النوع من التسليح لم يسبق أن استُخدِم ضد “إسرائيل”. وأكدت أن طبيعة الصاروخ الانشطارية التي يتشظى من خلالها إلى عدة متفجرات جعلت اعتراضه مهمة شبه مستحيلة.
بينما نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤول في سلاح جو العدو إقراره بأن “التقنية الجديدة تحيّد فعلياً المنظومات الدفاعية”، مشيراً إلى أن خمسة صواريخ من أربع منظومات أمريكية وإسرائيلية فشلت في التصدي لهجوم الجمعة الماضي الذي استهدف عدة مواقع استراتيجية، بينها مطار “بن غوريون” ومبانٍ شرق “تل أبيب”.
هذا المستجد في القدرات اليمنية يزيد -حسب تحقيقات الكيان الصهيوني- من قناعته بأن القوات اليمنية مستمرة في تطوير قدراتها، وهو ما يزيد من سحق معنويات القوى الإمبريالية، فاليمن -على هذا النحو- يسير بثبات لتأكيد حضوره في مشهد القوى المؤثرة، كما أنه يمكن أن يمثل -مستقبلا- صمامَ أمان المنطقة من أي تدخلات واستباحة أجنبية.