جسّ نبض الأُمَّــة قبل ذكرى المولد.. جريمة أمريكية تستهدف القرآن
أفق نيوز|
عبد القوي السباعي
مرشَّحةٌ أمريكية أقدمت على إحراق نسخة من القرآن الكريم أمام عدسات الكاميرا، معلِنةً ما سمَّته بـ”الحرب على الإسلام والمسلمين”، في محاولةٍ مكشوفةٍ لاسترضاء اللوبي الصهيوني وحشد الدعم الانتخابي عبر التحريض على دينٍ ومقدسات أكثر من مليارَي إنسان.
الفعل الإجرامي الذي ارتكبته هذه “الساقطة” يندرجُ في سياق عقائدي وسياسي أوسعَ، يقومُ على قاعدة أن مهاجمة الإسلام أصبحت شرطًا أَساسيًّا لنيل الدعم المادي والسياسي من اللوبي الصهيوني، ومن ناحيةٍ أُخرى، كـ لُعبةٍ قذرة، هدفُها التغطيةُ على جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة، وتحويل الأنظار عن الدماء التي تسيل هناك كُـلّ يوم.
المفارقة الكبرى أن الولايات المتحدة والغرب يتحَرّكان بسرعةٍ قياسية ضد أي خطاب كراهية يمس اليهود “معاداة السامية” أَو أية فئةٍ أُخرى، كحرقِ شعار “المثليين” مثلًا، والذي أثار ضجةً عالميةً في أمريكا والغرب؛ بينما يمر الاعتداءُ على الإسلام والمسلمين مرورَ الكرام.
وليست مصادفةً أن تقعَ الجريمة في وقتٍ يستعد فيه المسلمون حول العالم للاحتفال بذكرى مولد خير الخلق، محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي جاء رحمةً للعالمين، إلا أنها فضحت ديمقراطيتَهم الزائفة وكشفت حقيقتها؛ فشتَّانَ ما بين نور ذكرى يجمعُ القلوبَ على قيم الرحمة والعدالة، وبين ظلام الحقد الذي يتبناه الصهاينة والمتصهينون.
وإذ لا يمكنُ فصلُ الجريمة الأمريكية الأخيرة عن المشهد الدامي في غزة؛ فالعدوّ الصهيوني وحلفاؤه يسعون لصرف الأنظار عن المجازر بحق الأطفال والنساء، وتشويه كُـلّ ما يمس بالفكر الذي يُلهِمُ أبطال الجهاد والمقاومة ويصنع إرادَة التحرّر، كجزءٍ من الحرب الشاملة على الإسلام كعقيدة وهُوية وحضارة.
الأخطر هو صمتُ الأنظمة العربية والإسلامية الرسمية، وصمتُ كثيرٍ من العلماء الذين اكتفوا بالتفرج أَو ببياناتٍ باهتة لا ترقى لحجم التحدي، وحتى وإن تحدثوا يظهر بعضُ من ينتحلون صفة “علماء دين” ليقللوا من الجرم المرتكَب بحق أقدس المقدسات، ويبرّرون بفتاواهم أنهم عادةً يقومون بإحراق نسخ قديمة أَو ممزَّقة منه، في محاولةٍ لتبريدِ الغضب وتثبيطِ الهمم.
هذا التوجّـه المخزي، والتبرير، والصمت يمنحُ الأعداءَ ضوءًا أخضرَ للمضي في إساءَاتهم وفي استباحتهم؛ بل ويجعلهم مطمئنين بعد جسّ نبض الأُمَّــة المُدجَّنة التي لن تواجه مخطّطاتهم بانتفاضةٍ جماهيريةٍ واسعة؛ فأية إهانةٍ أكبر من أن يُحرَقَ كتابُ الله جهارًا نهارًا، بينما دماء غزة لم تجف، وأمة المليارَين تكتفي بالمشاهدة الباردة.
إذا لم تتحول هذه الجريمة إلى محطة استنهاض ووعي وغضب وتحَرّك شعبي وإعلامي واسع؛ فإنَّ القادمَ سيكونُ أخطر، وستتكرّرُ الحوادث بجرأةٍ أكبر، ولن يُستبعَد إعلان حربٍ فكريةٍ صريحةٍ على الأُمَّــة؛ دعمًا لخطط ومشاريع العدوّ الصهيوني في المنطقة.
والرد الحقيقي حيال هذه الجريمة لا يكون ببيانات الإدانة؛ بل بتوحيد الموقف الإسلامي عالميًّا ضدها وضد أية إساءةٍ للمقدَّسات الإسلامية بما فيها المسجد الأقصى، وفضح الازدواجية الأمريكية والغربية وارتباطها المباشر بجرائم الكيان الصهيوني.
وعلى علماء الأُمَّــة أن يتخذوا موقفًا صحيحًا، كما فعل الرسول الأعظم (ص) بإهدار دم الشاعر المسيء للإسلام، وكذا أفتى الإمام الخميني بحُكم الردة على المدعو سليمان رُشدي وإهدار دمه؛ فظل منزويًّا خائفًا في منطقة محدّدة بحماية المخابرات البريطانية، بعيدًا عن الناس حَذَرًا من تنفيذ الفتوى؛ فأُصيب بالتوحُّد والانزواء النفسي، إذن فليصدر علماء المسلمين فتوى بإهدار دم كُـلّ يسيء إلى مقدّساتنا وسيعيشَ مرعوبًا يترقبُ مآلاتِ أفعاله.
والعمل على أن تكونَ مناسبةُ ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام منطلقًا للتحَرّك الإسلامي الشامل؛ تجديدًا للعهد بالتمسك بالرسول الأعظم وبالقرآن الكريم، وتحويل الاحتفالات والفعاليات المختلفة إلى رسائل جهاد ومقاومة فكرية، جماهيرية، وإعلامية، وروحية.
والواجب أن يتحَرّك العلماء والمفكرون والإعلاميون لفضح المؤامرة والتصدي للحرب الناعمة التي تستهدف هُوية الأُمَّــة ومقدساتها؛ فحرق نسخةٍ من المصحف الشريف على يد مرشحة أمريكية ليس سوى حلقةٍ في سلسلةٍ طويلةٍ من الحقد الممنهج على الإسلام والمسلمين.
هي فرصةٌ لتعرية الغرب الأمريكي وكشف زيف شعاراته، وفرصة لتذكير الأُمَّــة أن القرآن محفوظٌ، وأن محمدًا -صلى الله عليه وآله- باقٍ، وأن مسؤولية الأُمَّــة أمام الله والتاريخ أن تخرج من صمتها لترد على التحدي بقوةٍ ووعي، وبوَحدةٍ وتمسكٍ أوثقَ برسول الله وبالقرآن الكريم، الذي أرادوا إحراقه؛ فإذا به يزدادُ توهُّجًا في قلوب المؤمنين.