أفق نيوز
الخبر بلا حدود

بين دماء الشهداء وثبات الدولة..

40

أفق نيوز|

عبدالقوي السباعي

في قلب صنعاء، من ميدان السبعين الذي تحوّل صباح الاثنين الفائت، إلى ميدانٍ يجسد معنى الثبات والصمود، وقف القائم بأعمال رئيس الوزراء، العلامة محمد مفتاح، ليؤكد أن دماء رئيس الوزراء الشهيد أحمد غالب الرهوي ورفاقه الوزراء، ستكون وقودًا يزيد من صلابة الدولة اليمنية وإصرارها على مواجهة مخططات العدوان.

كلمات العلامة مفتاح جاءت بمثابة ردّ مباشر على بروباغندا العدوّ التي حاولت تصوير الاغتيال كضربة قاصمة للدولة، غير أن الرسالة كانت واضحة؛ فمؤسسات الدولة قائمة، والحكومة متماسكة، والحضور الرسمي والشعبي، وحده يكفي لتفنيد كذبة “الفراغ الحكومي”.

وما بين إعادة ترتيب الجهاز الحكومي، وثبات أركان البنيان السياسي ورسوخ التلاحم الشعبي، وصمود الاقتصاد، وتوازن الأسعار، بدا واضحًا أن العدوان فشل في معركته السياسية والاقتصادية، كما فشل عسكريًا.

تصريحات “مفتاح” حملت صورة نادرة للشجاعة، وزراء يقفون على أعتاب مشاريع استراتيجية عملت على مدى عامٍ كامل وأدت دورها؛ فكانت هدفًا للعدوّ، وجاء وزراء مدركين أنهم يسيرون نحو الشهادة “برضا وقناعة مطلقة”، في صورةٍ تلخص معادلة يمنية فريدة، حيث يواجهون الموت بروح التضحية التي لا تعرف التراجع، في سبيل تحقيق الغايات النبيلة للشعب.

رسالة بعثها “مفتاح” من بين جموع المشيعين، حول عمل رئاسة الحكومة والقضاء والمؤسسة التشريعية والعسكرية كـ”فريق واحد”، كانت بمثابة إعلان أن الدماء المسفوكة لم تفتح بابًا للانقسام؛ بل عززت فكرة أن اليمن اليوم يقاتل في “حرب شاملة” عسكرية واقتصادية ونفسية، لكنه يفعل ذلك بجهاز دولة متوحد الهدف والقيادة والمنهج.

وبعد صلاة الجنازة على الشهداء، ارتفعت نبرة مفتي الديار اليمنية، العلامة شمس الدين شرف الدين، مشدّدًا على أن مواجهة العدو لا تحتمل تهاونًا مع “ضعاف النفوس”، داعيًا إلى فضح المتخابرين والخونة، في إشارةٍ إلى مباركته لكل الجهود الأمنية المبذولة، ومعتبرًا وحدة الصف هي خط الدفاع الأول، ومواجهة الخيانة واجب ديني وأخلاقي.

رسائل مراسم التشييع جاءت محملةً بالكثير من الدلالات إلى الداخل والخارج؛ فإلى الداخل: الاغتيال لن يوقف الدولة ولا مشروعها؛ بل عزز الثقة الشعبية والمؤسساتية.

وإلى الخارج: الدماء التي راهن العدو على استثمارها لتفكيك اليمن تحولت إلى عنصر تماسك، ورسالة أن اليمن ماضٍ في دعم فلسطين وغزة، مهما كلف الأمر.

وإلى العالم كله: اليمن لا يكتفي بموقف سياسي أو أخلاقي، بل يترجم مواقفه إلى عمليات عسكرية تزلزل العدو، وإلى حراك شعبي يعلن “الملحمة الإيمانية” في ذكرى مولد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

وما ظهر جليًّا في جامع الشعب وميدان السبعين، أن الجريمة الصهيونية منحت الدولة اليمنية شرعية مضاعفة ورسخت منهجية “الشهادة على طريق القدس”.

لقد أراد العدوّ إحداث فراغ؛ فإذا به يعزز ملء الصفوف، وأراد زرع الشكوك؛ فإذا باليمن يعلن للعالم، أننا شعبٌ يقوده شهداء أحياء خرجوا من تحت الأنقاض، ويحميه الإيمان من فوق السحاب، ولن نُهزم ما دامت دماؤنا تسيل نحو فلسطين (القدس والأقصى وغزة والمسرى).