أفق نيوز
الخبر بلا حدود

استهداف هيئة أركان العدو.. مؤشرات التحضير اليمني للرد الكبير

212

أفق نيوز|

 مشاهد تظل حاضرة في ذهن العدو الإسرائيلي كما كانت في ذهن الأمريكيين؛ فاليمن، الذي تجرأ العدو عليه ذات يوم، جاء رده بما لم يتوقعه ذلك العدو، فقد كان اليمن صاحب “مفاجآت” القرن الحادي والعشرين على مستوى مواجهة القوى الاستعمارية، وعلى مستوى وحجم “الرد” الذي سرعان ما تطور إلى “الفعل”.

بعد أن سجل اليمن أول استهداف تاريخي لحاملات الطائرات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، جاء أول رد يمني على اغتيال رئيس الوزراء ورفاقه في حكومة التغيير بعمليات غير مسبوقة، أولها عملية استهداف سفينة تابعة للعدو الإسرائيلي على مسافة بعيدة شمالي البحر الأحمر، وعلى بعد يقارب 1100 كيلومتر شمال غرب ميناء ينبع السعودي.

 لقد صُنِّفت العملية على أنها حدث غير مسبوق في مواجهات البحر الأحمر، حيث تعددت دلالات الاستهداف، من امتلاك اليمن لقدرات حرب الكترونية متقدمة بعد استهداف السفينة _رغم تعمدها إبقاء إشارتها الملاحية مشوشة منذ أسابيع، إلى جانب إخفاء هويتها وفي منطقة بعيدًا عن سواحل اليمن_ إلى استعداد اليمن لقطع خطوط الإمداد الخفي لكيان العدو عبر الموانئ السعودية، والاستعداد لفضح مدى التآمر السعودي على القضية الفلسطينية، حيث باتت الموانئ السعودية بوابة خفية لكسر الحصار اليمني عن موانئ العدو الإسرائيلي.

أما الرد الثاني “وهو رد أولي” فكان في عمق الكيان، باستهداف اليمن هيئة أركان قوات العدو الإسرائيلي، كإحدى المنشآت الاستراتيجية الحساسة في يافا “تل أبيب”، في استهداف هو “الأول” لهذه المنشأة في تاريخ مواجهات اليمن مع كيان الاحتلال. في هذا الاستهداف برز مؤشر قوي على حجم الإخفاق “الإسرائيلي” في التصدي لطائرة مسيرة يمنية، كررت السيناريو ذاته لحادث وقع في العام الماضي، حين استهدفت طائرة يافا يومها هدفًا حساسًا قرب القنصلية الأمريكية، بعد أن قطعت ما يزيد على 2000 كيلومتر متجاوزة كل منظومات الدفاع الإسرائيلية والأمريكية.

ويمكن القول إن استهداف الطائرة المسيرة لمجمع هيئة الأركان الإسرائيلية يحمل دلالات كبيرة فيما يخص التوجه اليمني الجديد في اختيار أهداف حساسة جدًا، وتثبيت معادلات ردع مماثلة تجعل جميع هياكل مؤسسات الحكم الإسرائيلية أهدافًا للقوة الجوية اليمنية.

وبالنظر إلى الحدث، فإن استهداف مبنى هيئة الأركان “الإسرائيلية” يعني استهداف المجمع الكبير “الكريات”، وهو مجمع عسكري كبير ومتكامل، حيث تمتد منشأة الكريات على مساحة تزيد عن 80 دونمًا وتضم عشرات الأبنية، بعضها محصّن تحت الأرض، وتوجد فيها وزارة حرب العدو، كما تضم قاعدة “رابين” التي تشكل مجمعًا خاصًا مغلقًا يحتوي على عدة طبقات وأقبية محصنة، وفي أسفلها توجد غرفة العمليات العسكرية للكيان المحتل المعروفة باسم “الحفرة”، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربية لسلاح الجو، ومقر القوات البحرية، ومكتب المتحدث باسم الجيش، ومكتب الحاخامية العسكرية، ولجنة قبول الجنود، وقيادة العمق، ومكتب رئيس الوزراء، وأكثر من ذلك.

ويضم الكريات برج هيئة الأركان “مركز” الذي كان هدفاً للقوات المسلحة اليمنية الثلاثاء، ويتميز البرج بوجود مهبط للطائرات المروحية على سطحه، وقد افتتح في عام 2005، ويتألف من 16 طابقًا.

ومن أبرز مباني الكريات الواسعة برج “مارغانيت”، وهو مبنى للمكاتب وهوائيات وأجهزة الاتصالات، وبرجا الكناري المؤلفان من 18 طابقًا، ويضمان مكاتب عسكرية ومقر القيادة الجوية.

هذا المجمع العسكري الكبير، الذي يمكن إدراك أنه مركز القيادة العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، يتمتع بالتأكيد بمنظومات حماية ودفاع متطورة جدًا وذات كثافة دفاعية استثنائية بالنظر إلى طبيعة منشآته، لكن ورغم كل طبقات الحماية التكنولوجية والنارية التي يتمتع بها، إلا أن الطائرة المسيرة من طراز “صماد 4” وصلت إلى هدفها بنجاح.

 هذا يعني استمرار اليمن في تجاوز كل منظومات الدفاع الصهيونية، ويؤكد أن بنك أهداف اليمن في عمق كيان العدو يحمل الكثير من المفاجآت التي تتجاوز بالتأكيد معرفة إحداثيات مجمع الكريات.

كما أن تنفيذ أربع عمليات عسكرية في مناطق تتوزع بين [تل أبيب والخضيرة وأسدود]، وهي مناطق ذات تركز سكاني كثيف، ضمن باقة عمليات متزامنة، يعني أن العمليات العسكرية، رغم تعقيداتها، كانت ذات تنسيق عالٍ، فقد خدم الهدف من عمليات الاستهداف على مستوى إصابة الأهداف وعلى مستوى مراكمة حالة الخوف والرعب داخل المجتمع الصهيوني.

 وفي ظل انتهاج اليمن لأسلوب استهداف لا يلتزم بتوقيت محدد، يقود هذا إلى إضفاء المزيد من القلق على مستوى القيادة والشارع الإسرائيلي، فمجتمع الكيان المؤقت برمته يظل واقفًا على قدم واحدة في ظل الاستنفار اليمني للرد الكبير، ما يجعل الأمن القومي الصهيوني في حالة اهتزاز وتضعضع متواصل، مع استمرار الاستهداف اليمني الذي لم يتوقف منذ العدوان الصهيوني على قطاع غزة بعد معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023م وحتى اليوم.

ويمكن إدراك أن استخدام القوات المسلحة اليمنية لطائرة مسيرة من طراز “صماد 4” هو مجرد بداية لرد سيكون بالتأكيد خارج توقعات الاحتلال الإسرائيلي. لهذا نجد حكومة المجرم نتنياهو ترفع مستوى الاستنفار الأمني الداخلي والخارجي، بما في ذلك طلب المزيد من الحماية الشخصية لنفسه ولوزير حربه كاتس، إلى جانب تغيير أماكن اجتماعاته، والنزول إلى أماكن محصنة تحت الأرض. في هذا مؤشر واضح على تحسبه لرد يمني كبير وقاسٍ لا يدري متى سيكون، وكيف، وأين.

وبالنظر إلى محدودية التأثير الذي تتركه الطائرات المسيرة، خاصة إذا كانت قادمة من مسافات بعيدة، يمكن توقع أن استخدام اليمن لها ليس إلا تمهيداً واستعداداً لضربة كبيرة، فاليمن اليوم يمتلك تشكيلة مميزة واستراتيجية من منظومات الصواريخ، بدءاً من صواريخ كروز التي يصل مداها إلى 1650 كيلومتراً، والصواريخ الباليستية والفرط صوتية التي يتجاوز مداها 2000 كيلومتر، مع سرعتها الخارقة ما بين 5-16 ماخ، وهي قادرة على استهداف العمق الاستراتيجي للكيان الصهيوني في أي وقت.

وبالنظر إلى قدرة هذه الصواريخ على حمل رؤوس متشظية كما هو حال صاروخ “فلسطين 2” الذي تم استخدامه في عمق الكيان، وربما نرى جيلاً آخر من الصواريخ ذات القوة التدميرية الهائلة. ويمكن القول إن القوات المسلحة ستوجه ضربة صاروخية غير مسبوقة أو ضربة مركبة، وبالتأكيد ستكون مفاجئة وقاسية للعدو الإسرائيلي، وستترك أثرها الكبير على منظومة العدو العسكرية، وهذا ما يفسر تعاظم قلق المجرمين الصهاينة من الرد اليمني القادم.