تتوالى الأحداثُ الكبيرةُ التي يمرُّ بها شعبُنا اليمني العزيزُ وشعوبُ أمتِنا العربية والإسلامية، بسرعةٍ وكثافة، بما يبدو إرهاصاتٍ لمرحلةٍ مختلفةٍ تمامًا باتت وشيكةَ البدء.

ويبدو أن من لوازمِها اكتمالَ حالةِ الفرزِ في الأُمَّــة؛ لتقفَ أمام صورةٍ شديدةِ الوضوح، تُبيِّنُ الشعوبَ حيّةَ الضمير، والشخصياتِ القويةَ الصادقةَ الجديرةَ بقيادة الأُمَّــة والقادرةَ على إدارة الصراعِ في مواجهةِ الاستعلاء الفرعونيّ الشيطانيّ المتصاعد، المتجسِّد اليوم بالتوحّشِ الأمريكيِّ الصهيونيِّ عليها، مع خِذلانٍ واضحٍ غيرِ مسبوقٍ للشعبِ الفلسطينيِّ والأرضِ العربيةِ المحتلّة، وتواطؤٍ مكشوفٍ بلا حياءٍ من حكّامٍ وعلماءَ عربٍ ومسلمين؛ بغرضِ تصفيةِ القضيةِ الفلسطينية.

وليس من قبيل الصُّدفة أن تأتيَ كلمةُ السيدِ القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في الذكرى الـ1500 من ميلاد الرسولِ الأعظم محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله- ولا من قبيل الصدفة أن يُلقَى هذا الخطابُ المبارك بعد أن لفت أحرارَ الأُمَّــة والعالم بموقفه الشجاع المدافع عن قضايا الأُمَّــة المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؛ ليبقى الجميعُ في ترقُّبٍ لإطلالتِه وما سيقولُه.

وحين يقفُ المتأملُ أمام خطابه يوم الخميس الفائت؛ فما أعظمَها من لحظات، حين يجلسُ القلبُ خاشعًا، والعقلُ متأمّلًا، والأرواحُ مُصغيةً لكلماتٍ ليست كالكلمات؛ نفحاتِ نورٍ، وبصائرَ من وحيٍ، يفيضُ بها لسانُ عبدٍ اصطفاه اللهُ لبلاغِ رسالتِه في زمنِ التِّيهِ والظلام.

متجسّدًا لسانَ النبيِّ الأكرم؛ إذ بدا قائلًا: “أدعو أهلَ الكتابِ في كُـلّ أقطارِ الدنيا، بدعوةِ الله تباركَ وتعالى، التي هي أرقى دعوة، دعوةٌ منصفة، دعوةٌ يتحقّق بها الخيرُ في الدنيا والآخرة، ويتحقّق بها السَّلامُ على أرقى مستوى بين المجتمعات البشرية، قال تعالى: {قُلْ يَا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شيئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]”.

دعوةٌ ليست عابرةً أو آنية؛ بل فاتحةُ مراحلَ غيرِ متوقَّعة، وخاتمةُ مراحلَ جثمتْ طويلًا، وقد بلغت دهشتي منه مبلغَها في شجاعةِ هذا القائدِ الشابِّ وتواضُعِه، في بلاغته وحكمتِه وتوازنه، في انضباطه العاطفيِّ وحساباتِه العملية، وقبل كُـلّ ذلك في مصداقيتِه.

هي مقتضياتُ اكتمالِ حالةِ الفرزِ التي تجري بعنايةٍ إلهية؛ ولذا فلنقلها صريحةً: لو وُضعتْ كلمةُ هذا القائدِ في كفّةٍ، ووُضعت كلماتُ كثيرٍ من الزعماءِ والعلماء في كفّةٍ أُخرى، لرجحتْ في ميزانِ الإنسانيةِ والدينِ والأخلاق؛ بما انطوت عليه من وعيٍ وشجاعةٍ وثباتٍ وحكمة.

دعونا من التحليلاتِ السياسيةِ المُثلَّجة والتفكيكاتِ الجيوسياسيةِ المعلَّبة؛ فمآلُ أكثرِها أن تُغرقَنا في المشكلة وتُبعدَنا عن الأمل، وتُلهينا عن النقطةِ التي يخشاها العدوّ، نقطةِ الاجتماع على كلمةِ الحقّ والعملِ لها.

دعونا من ملاحقِ الأخبارِ وخبراءِ النشراتِ وتحاليلِ القنوات؛ فالتكديسُ المعلوماتيُّ بلا بُوصلةٍ يبدّدُ الإرادَة؛ فما قاله هذا القائدُ المتواضعُ حريٌّ بنا أن نعيَه، وما ألقاهُ هذا الشابُّ الواثقُ بربّه جديرٌ بأن نفيدَ منه ونفكّرَ فيه؛ فما هو ممّن تُلهيه التحزّباتُ والتكويناتُ ليُناوِرَ ويُراوغ، ولا ممّن يحسبُ للانتخاباتِ حسابًا ليدغدغَ العواطفَ ويُجيّشَ المشاعر.

ولن أتجاوزُ الحدَّ إن قلتُ إنَّ حالةَ الفرزِ شديدةُ الوضوح، وإنها تتمُّ بتهيئةٍ إلهية، وأجزمُ أنَّ ما يحدثُ اليومَ يُبيّنُ للأُمَّـة أنَّ الرسالةَ المحمديةَ تتجدّدُ على يدِ هذا القائد، وأنه ممّن سيصنعون -بعون الله وتأييده- التغيير في شعوبِ الأُمَّــة عندما يقودُها بشجاعةٍ وحكمةٍ ضدَّ الأعداء، وينهضُ بها في كافّةِ المجالات.

ولا أُبالغُ إن أكّـدتُ أنَّ بضعَ كلماتِه نطقتْ بصوتِ الأُمَّــة بأكملِها، وستصاحبها إجراءاتٌ عمليةٌ، وتأكيداتٌ على المُضيِّ في المشروعِ الرسالي الجهادي حتى يتوقّفَ العدوانُ الشيطانيُّ على غزة وعلى الأُمَّــة جمعاء؛ إذ لن تهدأَ المسيرةُ حتى يصدحَ النورُ المحمديُّ في كُـلّ أرجاءِ الأرض، كما كان وكما يريدُ اللهُ له أن يكون، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.